آيات من القرآن الكريم

وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹ

قوله تعالى: وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً قد شرحناه في (الأعراف) «١». وفي قوله: آمِنِينَ ثلاثة أقوال: أحدها: آمنين أن تقع عليهم. والثاني: آمنين من خرابها. والثالث: من عذاب الله عزّ وجلّ. وفي قوله: ما كانُوا يَكْسِبُونَ قولان: أحدهما: ما كانوا يعملون من نحت الجبال. والثاني: ما كانوا يكسبون من الأموال والأنعام.
قوله تعالى: إِلَّا بِالْحَقِّ أي: للحق ولإِظهار الحق، وهو ثواب المصدِّق وعقاب المكذِّب.
وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ أي: وإِن القيامة لتأتي، فيجازى المشركون بأعمالهم، فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ عنهم، وهو الإِعراض الخالي من جزع وفُحش، قال المفسرون: وهذا منسوخ بآية السيف.
فأما الْخَلَّاقُ فهو خالق كلّ شيء. والْعَلِيمُ قد سبق شرحه في سورة البقرة «٢».
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٧ الى ٨٩]
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩)
قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي. سبب نزولها:
(٨٤٩) «أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات «٣» ليهود قريظة والنضير في يوم واحد، فيها أنواع من البَزِّ والطيب والجواهر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوَّينا بها وأنفقناها في سبيل الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل»، ويدل على صحة هذا قوله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية، قاله الحسين بن الفضل. وفي المراد بالسبع المثاني أربعة أقوال:
(٨٥٠) أحدها: أنها فاتحة الكتاب، قاله عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وابن مسعود في رواية، وابن عباس في رواية الأكثرين عنه، وأبو هريرة، والحسن، وسعيد بن جبير في رواية، ومجاهد في رواية، وعطاء، وقتادة في آخرين. فعلى هذا، إِنما سمِّيت بالسبع، لأنها سبع آيات. وفي تسميتها بالمثاني سبعة أقوال «٤» : أحدها: لأن الله تعالى استثناها لأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم، فلم يعطها أمّة قبلهم،

عزاه المصنف للحسين بن الفضل تبعا للواحدي في «أسباب النزول» ٥٥٦، والحسين هذا لم أجد له ترجمة، فهو مجهول، وخبره معضل، وتفرده به دون سائر أهل الحديث والأثر دليل وهنه بل بطلانه، والخبر أمارة الوضع لائحة عليه.
هو أصح الأقوال حيث ورد مرفوعا. أخرجه البخاري ٤٧٠٤ والترمذي ٣١٢٤ وأحمد ٢/ ٤٤٨ من حديث أبي هريرة. وورد من حديث أبي سعيد بن المعلى، أخرجه البخاري ٤٧٠٣ وغيره، وتقدم. وفي الباب أحاديث أخرجها الطبري ٢١٣٥٣- ٢١٣٦١.
__________
(١) عند الآية: ٧٤.
(٢) عند الآية: ٢٩. [.....]
(٣) أذرعات: بلد في أطراف الشام يجاور البلقاء وعمان، كما في «معجم البلدان» لياقوت الحموي ١/ ١٣٠.
(٤) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٧/ ٥٣٩: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بالسبع المثاني: السبع اللواتي هنّ آيات أم الكتاب لصحة الخبر بذلك عن النبي ﷺ الذي حدثنيه يزيد بن مخلد بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن السبع المثاني التي أعطيتها».

صفحة رقم 541

رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: لأنها تُثنَّى في كل ركعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قال ابن الأنباري: والمعنى: آتيناك السبع الآيات التي تُثنَّى في كل ركعة، وإِنما دخلت «مِنْ» للتوكيد، كقوله تعالى: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ «١». وقال ابن قتيبة: سمي «الحمد» مثانيَ، لأنها تُثنَّى في كل صلاة. والثالث: لأنها ما أُثني به على الله تعالى، لأن فيها حمد الله وتوحيده وذِكر مملكته، ذكره الزجاج. والرابع: لأن فيها «الرحمن الرحيم» مرتين، ذكره أبو سليمان الدمشقي عن بعض اللغويين، وهذا على قول من يرى التسمية منها. والخامس: لأنها مقسومة بين الله تعالى وبين عبده.
(٨٥١) ويدل عليه حديث أبي هريرة «قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي».
والسادس: لأنها نزلت مرتين، ذكره الحسين بن الفضل. والسابع: لأن كلماتها مثنّاة، مثل:
الرحمن الرحيم، إِياك إِياك، الصراط صراط، عليهم عليهم، غير غير «٢»، ذكره بعض المفسرين.
ومن أعظم فضائلها أن الله تعالى جعلها في حيِّزٍ، والقرآن كله في حيِّزٍ، وامتنّ عليه بها كما امتنَّ عليه بالقرآن كله.
والقول الثاني: أنها السبع الطُّوَل، قاله ابن مسعود في رواية، وابن عباس في رواية، وسعيد بن جبير في رواية، ومجاهد في رواية، والضحاك. فالسبع الطُّوَل هي: (البقرة)، و (آل عمران)، و (النساء)، و (المائدة)، و (الأنعام)، و (الأعراف)، وفي السابعة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها (يونس)، قاله سعيد بن جبير. والثاني: (براءة)، قاله أبو مالك. والثالث: (الأنفال) و (براءة) جميعاً، رواه سفيان عن مسعر عن بعض أهل العلم. قال ابن قتيبة: وكانوا يرون (الأنفال) و (براءة) سورة واحدة، ولذلك لم يفصلوا بينهما. قال شيخنا أبو منصور اللغوي: هي الطّول بضمّ الطاء، ولا تَقُلها بالكسر، فعلى هذا، في تسميتها بالمثاني قولان: أحدهما: لأن الحدود والفرائض والأمثال ثنِّيت فيها، قاله ابن عباس. والثاني: لأنها تجاوز المائة الأولى إِلى المائة الثانية، ذكره الماوردي.
والقول الثالث: أن السبع المثاني سبع معان أُنزلت في القرآن: أمر ونهي، وبشارة، وإِنذار، وضرب الأمثال وتعداد النِّعَم، وأخبار الأُمم، قاله زياد بن أبي مريم.
والقول الرابع: أنّ المثاني: القرآن كلّه، قاله طاوس، والضحاك، وأبو مالك، فعلى هذا، في تسمية القرآن بالمثاني أربعة أقوال: أحدها: لأن بعض الآيات يتلو بعضاً، فتثنَّى الآخرة على الأولى، ولها مقاطع تفصل الآية بعد الآية حتى تنقضيَ السورة، قاله أبو عبيدة. والثاني: أنه سمي بالمثاني لِما يتردَّد فيه من الثناء على الله عزّ وجلّ. والثالث: لما يتردَّد فيه من ذِكْر الجنة، والنار، والثواب، والعقاب. والرابع: لأن الأقاصيص، والأخبار، والمواعظ، والآداب، ثنِّيت فيه، ذكرهن ابن الأنباري.
وقال ابن قتيبة: قد يكون المثاني سور القرآن كله، قصارها وطوالها، وإِنما سمي مثاني، لأنّ الأنبياء

تقدم في سورة الفاتحة، رواه الشيخان.
__________
(١) سورة محمد: ١٥.
(٢) كلمة «غير» هي غير مكررة في سورة الفاتحة، وإنما في العطف ما يدل عليها، فهي مقدرة لا ظاهرة أي: «غير المغضوب عليهم وغير الضالين».

صفحة رقم 542
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية