
قوله: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب وَإِنَّهُما أي: قريات لوط وشعيب لَبِإِمامٍ مُبِينٍ أي لبطريق واضح. وقال القتبي: أصل الإمام ما يؤتم به. قال الله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً أي: يؤتم، ويقتدى بك، ثم تستعمل لمعاني منها: يسمّى الكتاب إماماً، لأنه يؤتم بما أحصاه الكتاب. قال الله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء: ٧١] أي: بكتابهم.
وقال تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس: ١٢] أي: في اللوح المحفوظ. وهو الكتاب. ويسمّى الطريق إماماً، لأن المسافر يأتم به، ويستدل به. قال الله تعالى: وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ أي: بطريق واضح. أي: قرية شعيب وقريات قوم لوط، عليهما السلام.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٠ الى ٨٤]
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)
قوله تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وهم قوم صالح، كذبوا صالحاً، والحجر: أرض ثمود وَآتَيْناهُمْ آياتِنا أي: الناقة فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يقول: مكذبين لها وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ من أن تقع عليهم الجبال. ويقال: آمِنِينَ من نزول العذاب، فلم يعرفوا نعمة الله تعالى. فعقروا الناقة، وقسموا لحمها، فأهلكهم الله تعالى بصيحة جبريل فذلك قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ أي: حين أصبحوا ويقال: آمِنِينَ من العذاب بعقر الناقة فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ من الكفر والشرك.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٥ الى ٨٦]
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦)
قوله عز وجل: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أي: للحق. والباء توضع موضع اللام، أي: لينظر عبادي إليها فيعتبروا. ويقال: وما خلقناهما إلا عذراً وحجة على خلقي، وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ أي: لكائنة، لا محالة فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ أي: اعرض عنهم إعراضاً جميلاً بلا جزع منك إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ أي: عليماً بمن يؤمن، وبمن لا يؤمن، ويقال الْعَلِيمُ متى تقوم الساعة.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٧ الى ٩١]
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)
قوله: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي أي: فاتحة الكتاب وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أي: سائر القرآن، وهذا قول: ابن عباس، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود وروى مجاهد عن ابن عباس

أنه قال: «السبع المثاني، السبع الطوال». وعن سعيد بن جبير قال: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس». قال: «لأنه يثني فيها حدود الفرائض والقرآن». ويقال: السبع المثاني، والقرآن كله وهو سبعة أسباع. سمي مثاني: لأن ذكر الأقاصيص فيه مثنى كقوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزمر: ٢٣] وقال طاوس: «القرآن كله مثاني». وقال أبو العالية: «المثاني، فاتحة الكتاب سبع آيات، وإنما سمي مثاني، لأنه يثنى مع القرآن كلما قرئ القرآن». قيل إنهم يزعمون أنها السبع الطوال. قال: لقد أنزلت هذه الآية، وما أنزل شيء من الطوال. وسئل الحسن عن قوله: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى أتى على آخرها. وروى أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الحمد لله رَبِّ العَالَمِينَ أُمُّ الكِتَابِ وَأَمُّ القُرْآنِ وَالسَّبْعُ المَثَانِي». وقال قتادة: السبع المثاني هي فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة مكتوبة أو تطوع، يعني: في كل صلاة. ويقال: مِنَ الْمَثانِي أي: مما أثني به على الله تعالى، لأن فيها حمدَ الله تعالى وتوحيده ومِنَ هاهنا على ضربين: يكون للتبعيض من القرآن أي: أعطيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله تعالى، وآتيناك القرآن العظيم، ويجوز أن يكون السبع هي المثاني كقوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: ٣٠] أي: اجتنبوا الأوثان.
قوله: لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي: لا تنظرن بعين الرغبة إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أي: إلى ما أعطيناك في الدنيا من القرآن خير وأفضل مما أعطيناهم من الأموال، فاستغن بما أعطيناك من القرآن والدين والعلم، ولا تنظر إلى أموالهم. أَزْواجاً مِنْهُمْ أي: أصنافاً منهم، وألواناً من الأموال، وقوله: مِنْهُمْ أي أعطينا رجلا من المشركين منهم وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي: على كفار مكة إن لم يؤمنوا، لأن مقدوري عليهم الكفر. ويقال: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ إن نزل بهم العذاب وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ يقول: ليّن جناحك عليهم أي: تواضع للمؤمنين وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أخوفكم بعذاب مبين، بلغة تعرفونها.
قال عز وجل: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ أي: كما أنزلنا العذاب عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ وهم الذين اقتسموا على عقاب مكة، ليردوا الناس عن دين الإسلام، وعن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم.
ويقال: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ بالقرآن، كما أنزلنا التوراة والإنجيل على المقتسمين، وهم اليهود والنصارى، اقتسموا فآمنوا ببعض وكفروا ببعض. وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى، فرقوا القرآن، آمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه. ويقال: إن أهل مكة قالوا أقاويل مختلفة. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أي: فرقوا القول فيه. قال بعضهم: سحر، وقال بعضهم: شعر، وهذا قول قتادة. ويقال: أصله في اللغة الفرقة. يقال: فرّقوه أي: عضوه أعضاء. يقال: ليس دين الله بالتعضية أي: بالتفريق. وروى الضحاك، عن ابن عباس، أنه قال: «جزّءوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور».