
وهو أجلها الذي كتب في اللوح وبين، ألا ترى إلى قوله ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها في موضع كتابها، وأنث الأمّة أوّلا ثم ذكرها آخرا، حملا على اللفظ والمعنى: وقال وَما يَسْتَأْخِرُونَ بحذف «عنه» لأنه معلوم.
[سورة الحجر (١٥) : آية ٦]
وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)
قرأ الأعمش: يا أيها الذي ألقى عليه الذكر، «١» وكأن هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء، كما قال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ وكيف يقرّون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون. والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم مذهب واسع. وقد جاء في كتاب الله في مواضع، منها فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ وقد يوجد كثيراً في كلام العجم، والمعنى: إنك لتقول قول المجانين حين تدعى أنّ الله نزل عليك الذكر.
[سورة الحجر (١٥) : آية ٧]
لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)
«لو» ركبت مع «لا» و «ما» لمعنيين: معنى امتناع الشيء لوجود غيره، ومعنى التحضيض، وأما «هل» فلم تركب إلا مع «لا» وحدها للتحضيض: قال ابن مقبل:
لَوْ مَا الْحَيَاءُ وَلَوْ مَا الدّينُ عِبْتُكُمَا | بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إذْ عِبْتُمَا عَوَرِى «٢» |
[سورة الحجر (١٥) : آية ٨]
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨)
قرئ: تنزل، بمعنى تتنزل وتنزل على البناء للمفعول من نزل، وننزل الملائكة: بالنون ونصب الملائكة إِلَّا بِالْحَقِّ إلا تنزلا ملتبساً بالحكمة والمصلحة، ولا حكمة في أن تأتيكم عياناً تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنكم حينئذ مصدّقون عن اضطرار. ومثله قوله تعالى وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وقيل: الحق
(٢). لابن مقبل، ولولا ولو ما: أصلهما «لو» التي تفيد امتناع الشيء لامتناع غيره، فركبت مع «لا» و «ما» النافيتين. فأفادت معهما امتناع الشيء لوجود غيره، لأن نفى النفي إثبات، فان لم يكن لها جواب أفادت معهما في المضارع التحضيض، وفي غيره التنديم أو التوبيخ، يقول: لولا الحياء موجود، ولو ما الدين موجود لعبتكما ببعض ما فيكما من العيوب، لأنكما عبتمانى بعورى، أو عدد تموه عيبا.