آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ

يلزمه- على هذا- أن يكون أجمعين، يقرب من التنكير إذ هو معرفة لكونه يلزم اتباع المعارف، والقراءة بالرفع تأبى قوله.
وقوله: إِلَّا إِبْلِيسَ قيل: إنه استثناء من الأول، وقيل: إنه ليس من الأول. وهذا متركب على الخلاف في إِبْلِيسَ، هل هو من الملائكة أم لا؟ والظاهر- من كثير من الأحاديث ومن هذه الآية- أنه من الملائكة وذلك أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود، ولو لم يكن إبليس من الملائكة لم يذنب في ترك السجود. وقد روي عن الحسن بن أبي الحسن: أن إبليس إنما كان من قبيل الجن ولم يكن قط ملكا ونسب ابن فورك القول إلى المعتزلة، وتعلق من قال هذا بقوله في صفته: كانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف: ٥٠] وقالت الفرقة الأخرى: لا حجة في هذا لأن الملائكة قد تسمى جنا لاستتارها وقد قال تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: ١٥٨].
وقوله تعالى: قالَ: يا إِبْلِيسُ، قيل: إنه- حينئذ- سما «إبليس»، وإنما كان اسمه- قبل- عزازيل، وهو من الإبلاس وهو الإبعاد، أي يا مبعد، وقالت طائفة: «إبليس» كان اسمه، وليس باسم مشتق، بل هو أعجمي، ويقضي بذلك أنه لا ينصرف، ولو كان عربيا مشتقا لكان كإجفيل- من أجفل- وغيره، ولكان منصرفا، قاله أبو علي الفارسي.
وقوله: أَلَّا تَكُونَ «أن» في موضع نصب، وقيل: في موضع خفض، والأصل: مالك ألا تكون؟
وقول إبليس لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ ليس هذا موضع كفره عند الحذاق، لأن إبايته إنما هي معصية فقط، وأما قوله وتعليله فإنما يقتضي أن الله خلق خلقا مفضولا وكلف أفضل منه أن يذل له، فكأنه قال: وهذا جور، وذلك أن إبليس لما ظن أن النار أفضل من الطين ظن أن نفسه أفضل من آدم من النار يأكل الطين، فقاس وأخطأ في قياسه، وجهل أن الفضائل إنما هي حيث جعلها الله المالك للجميع لا رب غيره.
قوله عز وجل:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٣٤ الى ٤٤]
قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)
قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)
لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)
الضمير في مِنْها للجنة، وإن لم يجر ذكرها في القصة تتضمنها، ويحتمل أن يعود الضمير على ضيفة الملائكة، وال رَجِيمٌ المشتوم أي المرجوم بالقول والشتم، ويَوْمِ الدِّينِ يوم الجزاء، ومنه قول الشاعر:

صفحة رقم 361

ولم يبق سوى العدوا... ن دناهم كما دانوا
وسأل إبليس «النظرة إلى يوم البعث» فأعطاه الله إياها إلى «وقت معلوم»، واختلف فيه فقيل إلى يوم القيامة أي يكون آخر من يموت من الخلق، قاله الطبري وغيره وقيل إلى وقت غير معين ولا مرسوم بقيامة ولا غيرها، بل علمه عند الله وحده، وقيل بل أمره كان إلى يوم بدر وأنه قتل يوم بدر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وإن كان روي فهو ضعيف، والمنظر المؤخر، وقوله رَبِّ مع كفره يخرج على أنه يقر بالربوبية والخلق، وهو الظاهر من حاله وما تقتضيه فيه الآيات والأحاديث، وهذا لا يدفع في صدر كفره، وقوله بِما أَغْوَيْتَنِي قال أبو عبيدة وغيره أقسم بالإغواء.
قال القاضي أبو محمد: كأنه جعله بمنزلة قوله «رب» بقدرتك علي وقضائك ويحتمل أن تكون باء سبب، كأنه قال «رب» والله لأغوينهم بسبب إغوائك لي ومن أجله وكفاء له. ويحتمل أن يكون المعنى تجلدا منه ومبالغة في الجد أي بحالي هذه وبعدي عن الخير والله لأفعلن ولأغوين، ومعنى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أي الشهوات والمعاصي، والضمير في لَهُمْ لذرية آدم وإن كان لم يجر لهم ذكر، فالقصة بجملتها حيث وقعت كاملة تتضمنهم، و «الإغواء» : الإضلال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج «المخلصين» بفتح اللام، أي الذين أخلصتهم أنت لعبادتك وتقواك، وقرأ الجمهور «المخلصين» بكسر اللام، أي الذين أخلصوا الإيمان بك وبرسلك، وقوله تعالى: قالَ هذا صِراطٌ الآية: القائل هو الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك بواسطة، وقرأ الضحاك وحميد والنخعي وأبو رجاء وابن سيرين وقتادة وقيس بن عباد ومجاهد وغيرهم «علي مستقيم» من العلو والرفعة، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى الإخلاص لما استثني إبليس من أخلص. قال الله له هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تنال أنت بإغوائك أهله، وقرأ جمهور الناس «علي مستقيم»، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص، لما قسم إبليس الناس هذين القسمين، قال الله هذا طريق علي، أي هذا أمر إلى مصيره، والعرب تقول طريقك في هذا الأمر على فلان أي إليه يصير النظر في أمرك، وهذا نحو قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الفجر: ١٤].
قال القاضي أبو محمد: الآية على هذه القراءة تتضمن وعيدا، ثم ابتدأ الإخبار عن سلامة عباده المتقين من إبليس وخاطبه بأنه لا حجة له عليهم ولا ملكه.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من قوله عِبادِي: الخصوص في أهل الإيمان والتقوى لا عموم الخلق، وبحسب هذا يكون إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مستثنى من غير الأول، التقدير لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان، وإن أخذنا العباد عاما في عباد الناس إذ لم يقرر الله لإبليس سلطانا على أحد فإنا نقدر الاستثناء في الأقل في القدر من حيث لا قدر للكفار، والنظر الأول أصوب، وإنما الغرض أن لا تقع في استثناء الأكثر من الأقل، وإن كان الفقهاء قد جوزوه، قال أبو المعالي ليس معروفا في استعمال العرب، وهذه الآية أمثل ما احتج به مجوزوه.
قال القاضي أبو محمد: ولا حجة لهم في الآية على ما بينته، وقوله جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أي موضع

صفحة رقم 362
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية