آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ

ومن تأخر. وقيل: المستقدمين في صفوف الجماعة والمستأخرين. وروى أن امرأة حسناء كانت في المصليات خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بعض القوم يستقدم لئلا ينظر إليها، وبعض يستأخر ليبصرها فنزلت «١» هُوَ يَحْشُرُهُمْ أى هو وحده القادر على حشرهم، والعالم بحصرهم مع إفراط كثرتهم وتباعد أطراف عددهم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ باهر الحكمة واسع العلم، يفعل كل ما يفعل على مقتضى الحكمة والصواب، وقد أحاط علماً بكل شيء.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧)
الصلصال: الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فهو فخار. قالوا: إذا توهمت في صوته مدّا فهو صليل، وإن توهمت فيه ترجيعاً فهو صلصلة. وقيل: هو تضعيف «صل» إذا أنتن. والحمأ: الطين الأسود المتغير. والمسنون: المصوّر، من سنة الوجه «٢»، وقيل: المصبوب المفرغ، أى: أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها. وقيل: المنتن، من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به، فالذي يسيل بينهما سنين، ولا يكون إلا منتنا مِنْ حَمَإٍ صفة لصلصال، أى: خلقه من صلصال كائن من حمأ وحق مَسْنُونٍ بمعنى مصور، أن يكون صفة لصلصال، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر وَالْجَانَّ للجن كآدم للناس. وقيل: هو إبليس. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: والجأن، بالهمز مِنْ نارِ السَّمُومِ من نار الحرّ الشديد النافذ في المسام. قيل: هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجانّ.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٨ الى ٤٤]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢)
قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧)
إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢)
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)

(١). أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وأبو يعلى وأحمد والبزار والطبري وابن أبى حاتم من رواية أبى الجوزاء أوس بن عبد الله عن ابن عباس. قال «كانت امرأة حسناء من أحسن الناس تصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لأن لا يراها أو يستأخر بعضهم حتى يكون في الصف الآخر. فإذا ركع نظر من تحت إبطه. فأنزل الله هذه الآية. قال البزار: لا نعلم رواه ابن عباس ولا له طريق إلا هذه. وقال الترمذي: روى عن أبى الجوزاء مرسلا، وهو أشبه اه.
(٢). قوله «من سنة الوجه»
في الصحاح: سنة الوجه صورته. (ع)

صفحة رقم 576

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ واذكر وقت قوله سَوَّيْتُهُ عدلت خلقته وأكملتها وهيأتها لنفخ الروح فيها. ومعنى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وأحييته، وليس ثمة نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه. واستثنى إبليس من الملائكة، لأنه كان بينهم مأموراً معهم بالسجود، فغلب اسم الملائكة، ثم استثنى بعد التغليب كقولك: رأيتهم إلا هنداً. وأَبى استئناف على تقدير قول قائل يقول: هلا سجد؟ فقيل: أبى ذلك واستكبر عنه. وقيل: معناه ولكن إبليس أبى. حرف الجر مع «أن» محذوف. وتقديره «مالك» في أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ بمعنى أىّ غرض لك في إبائك السجود. وأى داع لك إليه. اللام في لِأَسْجُدَ لتأكيد النفي.
ومعناه: لا يصحّ منى وينافي حالى. ويستحيل أن أسجد لبشر رَجِيمٌ شيطان من الذين يرجمون بالشهب، أو مطرود من رحمة الله، لأن من يطرد يرجم بالحجارة. ومعناه: ملعون، لأن اللعن هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها. والضمير في مِنْها راجع إلى الجنة أو السماء، أو إلى جملة الملائكة. وضرب يوم الدين حداً للعنة، إما لأنه غاية يضربها الناس في كلامهم، كقوله ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ في التأبيد. وإما أن يراد أنك مذموم مدعوّ عليك باللعن في السموات والأرض إلى يوم الدين، من غير أن تعذب، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت

صفحة رقم 577

بما ينسى اللعن معه. ويَوْمِ الدِّينِ ويَوْمِ يُبْعَثُونَ ويَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة. وقيل: إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت، لأنه لا يموت يوم البعث أحد، فلم يجب إلى ذلك، وأُنظر إلى آخر أيام التكليف بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم. و «ما» مصدرية وجواب القسم لَأُزَيِّنَنَّ المعنى:
أقسم بإغوائك إياى لأزينن لهم. ومعنى إغوائه إياه: تسبيبه لغيه، بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام، فأفضى ذلك إلى غيه. وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك، والله تعالى بريء من غيه «١» ومن إرادته والرضا به، ونحو قوله بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ: قوله فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ في أنه إقسام، إلا أن أحدهما إقسام بصفته والثاني إقسام بفعله، وقد فرق الفقهاء بينهما. ويجوز أن لا يكون قسما، ويقدر قسم محذوف، ويكون المعنى: بسبب تسبيبك لإغوائى أقسم لأفعلنّ بهم نحو ما فعلت بى من التسبيب لإغوائهم، بأن أزين لهم المعاصي وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم فِي الْأَرْضِ في الدنيا التي هي دار الغرور، كقوله تعالى أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ أو أراد أنى أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء، فأنا علىّ التزيين لأولاده في الأرض أقدر. أو أراد: لأجعلنّ مكان التزيين عندهم الأرض، ولأوقعن تزييني فيها، أى: لأزيننها في أعينهم ولأحدّثنهم بأنّ الزينة في الدنيا وحدها، حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها. ونحوه:
يَجْرَحْ فِى عَرَاقِيبِهَا نَصْلِى «٢»

(١). قوله «والله تعالى بريء من غيه» هذا على مذهب المعتزلة: أن الله لا يريد الشر ولا يخلقه. ومذهب أهل السنة: أن كل كائن فهو يخلقه تعالى وإرادته، خيراً كان أو شرا، وإن كان لا يرضى الشر من العبد، وتفصيله في التوحيد. (ع) [.....]
(٢).
وما لام من يوم أخ وهو صادق إخالى ولا اعتلت على ضيفها إبلى
إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه فصالى ولو كانت عجافا ولا أهلى
وإن تعتذر بالمحل عن ذى ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى
لذي الرمة يمدح نفسه، والإخاء مصدر آخاه، كالوفاق مصدر وافقه، والصحاب مصدر صاحبه، وزنا ومعنى.
يقول: وما لام أخ من يوم أى في يوم. وعبر بمن لإشعارها بالاستغراق. أى: لم يلم، والحال أنه صادق في لومه، أو في أخوته مصاحبة لي معه، وقصر الإخاء للوزن، وضمن لام معنى عاب، فعداه إليه. ويجوز أن إيقاع اللوم عليه مجاز عقلى، لأن الإخاء كأنه محل اللوم، ولا اعتلت أى أبدت لضيفها علة في التأخر عن قراه، وإسناد الفعل للإبل وإضافة الضيف إليها لأنها محل قراه، وذلك كناية عن غاية كرمه، ويجوز أن إسناد الفعل إليها مجاز عقلى، لأنها سبب في اعتلال صاحبها للضيف عنها إذا كان بخيلا، وإضافة الضيف إليها ترشيح لذلك. ويحتمل أنه شبه الإبل بالكرماء على طريق المكنية، فذلك تخييل، وبين عدم الاعتلال بقوله «إذا كان فيها الرسل» وهو اللبن القليل، ويطلق على الجمل السهل، لم تأت دونه: أى قريبا من اللبن.
فصالى: جمع فصيل، وهو ولد الناقة. ونفى قربها كناية عن نفى ارتضاعها له، ولو كانت عجافا: أى مهازيل، ولا أهلى: ولا جياعا، وإن تعتذر الإبل بالمحل والجدب، عن ذى ضروعها: كناية عن اللبن، لأنه ملازم للضروع يجرح نصلى: أى سيفي أو سهمي في عراقيبها، وهي بمنزلة الركب للإنسان، وإسناد الاعتذار إليها مجاز، وكذلك إسناد الجرح للنصل، لأنه آلته. ومعنى الجرح في العراقيب: أنه يجعلها مكانا معداً له، ولو قال: يجرح عراقيبها، لفات ذلك المعنى. وقيل: ضمنه معنى يعثو أى يفد، وكانت عادة العرب أن يفصدوا الإبل ويجمعوا دماءها ويضعوها على النار فتصير كالكبد، ويقرون بها الضيفان في الجدب، فحرمه الله: ويجوز أنه كناية عن نحرها، لأنهم كانوا يعقرون الجمل الصعب قبل نحره ليسهل عليهم، وهذا هو الذي يقتضيه مقام المدح.

صفحة رقم 578
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية