آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

قال ابن مسعود: وما من أرض أمطر من أرض، وما عام أمطر من عام ولكن الله يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء عاما هاهنا وعاما هاهنا ثم قرأ هذه الآية.
وروى إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عيينة في هذه الآية: ما من عام بأكثر مطرا من عام ولكن يمطر قوم ويحرم آخرون وربما كان في البحار والقفار قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث يقع وما ينبت.
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: «في العرش مثال كل شيء خلقه الله في البر والبحر. وهو تأويل قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ»
[١٧٦] «١».
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٧]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦)
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧)
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ قرأ العامّة بالجمع لأنها موصوفة وهو قوله: لَواقِحَ، وقرأ بعض أهل الكوفة: الريح على الواحد وهو في معنى الجمع أيضا وإن كان لفظها لفظ الواحد، لأنه يقال: جاءت الريح من كل جانب، وهو مثل قوله: أرض سباسب وثوب أخلاق، وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتّسع، وقول العلماء في وجه وصف الرياح: باللقح، وإنما هي ملقّحة لأنها تلقح السحاب والشجر.
فقال قوم: معناها حوامل لأنها تحمل الماء والخير والنفع لاقحة كما يقال: ناقة لاقحة إذا حملت الولد، ويشهد على هذا قوله: الرِّيحَ الْعَقِيمَ فجعلها عقيما إذا لم تلقح ولم يكن فيها ماء ولا خير، فمن هذا التأويل قول ابن مسعود في هذه الآية قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمري السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثمّ يمطر.
قال الطرماح:
لأفنان الرياح للاقح... قال منها وحائل «٢»
وقال الفراء: أراد ذات لقح. كقول العرب: رجل نابل ورامح وتامر.
قال أبو عبيدة: أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث «أعوذ بالله من كل لامّة» أي ملمّة.

(١) تفسير القرطبي: ١٠/ ١٥.
(٢) انظر: زاد المسير: ٤/ ٢٨٨.

صفحة رقم 336

قال النابغة:

كليني لهمّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب «١»
أي منصب.
قال زيد بن عمر: يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قمّا، ثمّ يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثمّ يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثمّ يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، ثمّ تلا:
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ.
وقال أبو بكر بن عياش: لا يقطر قطرة من السحاب إلّا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه:
فالصبا تهيّجه، والدبور تلقحه، والجنوب تدرّه، والشمال تفرقه.
ويروي أبو المهزم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الريح الجنوب من الجنة وهي الرياح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس»
«٢».
فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ أي جعلنا المطر لكم سقيا، ولو أراد أنزلناه ليشربه لقال: فسقيناكموه، وذلك أن العرب تقول: سقيت الرجل ماء ولبنا وغيرهما ليشربه، إذا كان لسقيه، فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا: أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة:
وقفت على رسم لميّة ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه تكلمني أحجاره وملاعبة «٣»
قال المؤرخ: ما تنال الأيدي والدلاء فهو السقي وما لا تنال الأيدي والدلاء فهو الإسقاء.
وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ يعني المطر. قال سفيان: بما نعين.
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ بأن نميت جميع الخلق فلا يبقى من سوانا، نظيره قوله: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ «٤».
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ.
ابن عبّاس: أراد ب الْمُسْتَقْدِمِينَ: الأموات، والْمُسْتَأْخِرِينَ: الأحياء.
(١) الصحاح: ٣/ ٩٠٤.
(٢) تفسير الطبري: ١٤/ ٣٠.
(٣) المصدر السابق.
(٤) سورة مريم: ٤٠.

صفحة رقم 337

عكرمة: الْمُسْتَقْدِمِينَ: من خلق، والْمُسْتَأْخِرِينَ: من لم يخلق، قد علم من خلق إلى اليوم وقد علم من هو خالقه بعد اليوم.
قتادة: المستقدمون: من مضى، والمستأخرون: من بقي في أصلاب الرجال.
الشعبي: من استقدم في أول الخلق، ومن استأخر في آخر الخلق.
مجاهد: المستقدمون: القرون الاولى، والمستأخرون: أمة محمّد (صلى الله عليه وسلم).
الحسن: المستقدمون بالطاعة والخير، والمستأخرون المبطئون عن الطاعة والخير.
وقيل: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ في الصفوف في الصلاة، والْمُسْتَأْخِرِينَ فيها بسبب النساء.
وروى أبو الجوزاء وابن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال: كانت النساء يخرجن إلى الجماعات فيقوم الرجال صفوفا [خلف] النبي صلّى الله عليه وسلّم والنساء صفوفا خلف صفوف الرجال، وربما كان في الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى الصف الأخير من صفوف الرجال، وربما كان في النساء من في قلبها ريبة فتتقدّم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال، وكانت امرأة من أحسن الناس لا والله ما رأيت مثلها قط، تصلي خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان بعض الناس ويتقدّم في الصف الأوّل لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتّى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع وسجد نظر إليها من تحت يديه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها» «١».
وقال الربيع بن أنس: حضّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الصف الأوّل في الصلاة فازدحم الناس عليه، وكانت بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد. فقالوا: نبيع دورنا ونشتري دورا قريبة من المسجد، فأنزل الله تعالى هذه الآية وفيهم نزلت: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ «٢».
الأوزاعي: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ يعني المصلين في أوّل الأوقات، وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ يعني المؤخرين صلاتهم إلى آخر الأوقات.
مقاتل بن حيان: يعني المستقدمين والمستأخرين في صف القتال. ابن عيينة: يعني من يسلم ومن لا يسلم.

(١) مسند أحمد: ٢/ ٢٤٧، صحيح مسلم: ٢/ ٣٢. [.....]
(٢) سورة يس: ١٢.

صفحة رقم 338

وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ. قال ابن عبّاس: وكلهم ميت ثمّ يحشرهم ربهم جميعا الأوّل والآخر إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آدم (عليه السلام)، قال إنسانا لأنه عهد إليه فنسي. وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة وقالوا: وزنه إنسيان على وزن إفعلان فأسقط الياء منه لكثرة جريانه على الألسن، فإذا صغّر ردت الياء إليه فيقول أنيسان على الأصل لأنه لا يكثر صغرا كما لا يكبر مكبرا.
وقال آخرون: إنما سمّي إنسانا لظهوره وإدراك البصر إياه وإليه ذهب نحاة البصرة وقالوا:
هو على وزن فعلان فزيدت الياء في التصغير كما زيدت في تصغير رجل فقالوا: رويجل وليلة فقالوا: لويلة.
مِنْ صَلْصالٍ وهو الطين اليابس إذا نقرته سمعت له صلصلة أي صوتا من يبسه، قيل:
أن تمسه النار فإذا أصابته النار فهو فخار، هذا قول أكثر المفسرين.
وروى أبو صالح عن ابن عبّاس: هو الطين الحرّ الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق وإذا حرّك تقعقع.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو الطين المنتن، واختاره الكسائي وقال هو من قول العرب: صل اللحم وأصلّ إذا أنتن.
مِنْ حَمَإٍ جمع حمأة مَسْنُونٍ.
قال ابن عبّاس: هو التراب المبتل المنتن، يجعل صلصالا كالفخار ومثله، قال مجاهد وقتادة: المنتن المتغير.
قال الفرّاء: هو المتغير وأصله من قول العرب: سننت الحجر على الحجر أي أحككته وما يخرج من بين الحجرين يقال له السنن والسنانة ومنه المسن.
أبو عبيدة: هو المصبوب، وهو من قول العرب: سننت الماء على الوجه وغيره إذا صببته.
[سيبويه] : المسنون: المصور، مأخوذ من سنة الوجه وهي صورته.
قال ذو الرمة:

[تريك] سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب «١».
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ.
قال ابن عبّاس: هو أب الجن.
(١) لسان العرب: ٩/ ٢٨١.

صفحة رقم 339
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية