آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

وقوله سبحانه: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً: «البروج» : المنازلُ، واحدها بُرْج، وسمي بذلك لظهوره ومنه تَبَرُّج المرأة: ظهورُها وبدوُّها، و «حِفْظ السماء» : هو بالرجمِ بالشُّهُب على ما تضمنته الأحاديث الصّحاح، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَقْرُبُ مِنَ السَّمَاءِ أَفْوَاجاً، قَالَ: فَيَنْفَرِدُ المَارِدُ مُنْها، فَيَعْلُو فَيَسْمَعُ، فَيُرْمَى بالشِّهَابِ، فَيَقُولُ لأَصْحَابِه:
إِنَّهُ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا، فَيَزِيدُ الشَّيَاطِينُ فِي ذَلِكَ، وَيُلْقُونَ إِلَى الكَهَنَةِ، فَيَزِيدُونَ مَعَ الكَلِمَةِ مِائَةً وَنَحْوَ هَذَا... »
الحديث «١» : و «إلّا» : بمعنى: «لكِنْ»، ويظهر أن الاستثناء من الحِفْظِ: وقال محمَّد بن يحيى عن أبيه: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، فإِنها لم تُحْفَظْ منه.
وقوله: / مَوْزُونٍ: قال الجمهور: معناه: مقدَّر محرَّر بقصدٍ وإِرادةٍ، فالوزن على هذا: مستعارٌ.
وقال ابنُ زَيْد: المراد ما يُوزَنُ حقيقةً كالذهب والفضة وغير ذلك مما يوزن «٢»، والمعايش: جمع مَعِيشَة، وقوله: وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ: يحتمل أن يكون عطْفاً على مَعايِشَ كأن اللَّه تعالى عدَّد النعم في المعايِشِ، وهي ما يؤكل ويُلْبَسُ، ثم عدَّد النعم في الحيوانِ والعَبِيدِ وغيرِ ذلك ممَّا ينتفعُ به النَّاسُ، وليس علَيْهم رِزْقُهُمْ.
وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ.
قال ابن جُرَيْج: هو المطر خاصَّة «٣».
قال ع «٤» : وينبغي أنْ يكون أعمَّ من هذا في كثيرٍ من المخلوقات.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٥]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)
وقوله سبحانه: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ: أيْ: ذاتَ لقح يقال: لقحت الناقة والشجَرُ، فهي لاقحةٌ، إِذا حَمَلَتْ، فالوجْهُ في الرِّيحِ مُلْقِحَةٌ، لا لاقحة، قال الداوديّ:

(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٥٠٤) برقم: (٢١٠٨٨)، والبغوي ذكره (٣/ ٤٧)، وابن عطية (٣/ ٣٥٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٤٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٧٧)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٥٠٤) برقم: (٢١٠٩٥)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٥٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٧٨)، وعزاه لابن جرير.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٥٥).

صفحة رقم 397

وعن ابن عُمَرَ: الرِّياحُ ثمانٍ، أرْبَعٌ رحْمَةٌ، وأربعٌ عذابٌ فالرحمةُ: المرسلاتُ، والمُبَشِّرات، والنَّاشِرَاتُ، والذَّاريات، وأما العذاب: فالصَّرْصَرُ، والعقيمُ، والقاصِفُ، والعَاصِف، وهما في البَحْر. انتهى.
وقوله جلَّت عظمته: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ... الآيات: هذه الآياتُ مع الآيات التي قبلها تضمَّنت العِبْرَةَ والدلالةَ على قدرة اللَّه تعالى، وما يُوجِبُ توحيدَهُ وعبادَتَهُ، المعنى: وإِنا لَنَحْنُ نحيي من نشاء بإِخراجه من العَدَمِ إِلى وجودِ الحياةِ، ونميتُ بإِزالة الحياةِ عَمَّن كان حَيًّا، وَنَحْنُ الْوارِثُونَ، أي: لا يبقَى شيْءٌ سوانا، وكلُّ شيءٍ هالكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ، لا ربَّ غيره.
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ: أي: من لَدُنْ آدم إِلى يوم القيامة، قالَ ابن العربي في «أحكامه» : رَوَى الترمذيُّ وغيره في سبب نُزُولِ هذه الآية، عن ابن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ امرأة تصلِّي خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن عبَّاس: وَلاَ، واللَّهِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قال: فَكَانَ بعْضُ المسلمين، إِذا صَلَّوْا تقدَّموا، وبعضُهم يستأَخر، فإِذا سجدوا نَظَرُوا إِليها مِنْ تَحْت أيديهم، فأنزل اللَّه الآيَةَ «١»، ثم قال ابنُ العربيِّ:
في شَرْحِ المراد بهذه الآية خمسة أقوال:
أحدها: هذا.
القول الثاني: المتقدِّمين في الخَلْق إِلى اليوم، والمتأخِّرين الذين لم يخلقوا بَعْد، بيانٌ أن اللَّه يَعْلَمُ الموجُودَ والمَعْدُومَ، قاله قتادة وجماعة «٢».
الثَّالثُ: مَنْ مات، ومَنْ بقي قاله ابن عبّاس أيضا «٣».

(١) أخرجه الترمذي (٥/ ٢٩٦) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة الحجر، حديث (٣١٢٢)، وأحمد (١/ ٣٠٥)، والنسائي (٢/ ١١٨) كتاب «الإمامة» باب: المنفرد خلف الصف، حديث (٨٧٠)، وابن ماجه (١/ ٣٣٢) كتاب «الصلاة» باب: الخشوع في الصلاة، حديث (١٠٤٦)، والطيالسي (٢/ ٢٠- منحة) رقم: (١٩٦٠)، وابن خزيمة (١٦٩٦- ١٦٩٧)، وابن حبان (١٧٤٩- موارد)، والحاكم (٢/ ٣٥٣)، والبيهقي (٣/ ٧٨)، والطبراني في «الكبير» (١٢/ ١٧١) رقم: (١٢٧٩١)، من طريق أبي الجوزاء، عن ابن عباس مرفوعا به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وذكره السيوطي في «الدر المنثور»، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وينظر: «الدر المنثور» (٤/ ١٨٠).
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٥٠٧) برقم: (٢١١١٦) بنحوه، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٤٩).
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٥٠٨) برقم: (٢١١٢١)، وذكره البغوي (٤٨١٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٨١)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم. [.....]

صفحة رقم 398
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية