
وسألتْ عائشةُ رسولَ الله - ﷺ - عن هذه الآية وقالت: أين يكون الناس يومئذ؟ قال: "على الصراط" (١) قوله تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ أىِ ظهروا وخرجوا من قبورهم، وهو كقوله: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [إبراهيم: ٢١] وقد مرّ.
٤٩ - قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد الذين أجرموا، زعموا أن لله شريكًا وولدًا ونظيرًا (٢)، ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يريد يوم القيامة، ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ يقال: قرنت الشيء بالشيء، إذا شددته به ووصلته، والقَرْنُ اسم الحبل الذي شُدَّ به شيئان (٣)، وجاء هاهنا على التكثير لكثرة أولئك القوم.
(١) أخرجه بنصه: أحمد ٦/ ٣٥، ومسلم (٢٧٩١) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: في البعث والنشور، والترمذي (٣١٢١) التفسير، باب من سورة إبراهيم، وابن ماجه (٤٢٧٩): كتاب: الزهد، باب: ذكر البعث، والطبري ٧/ ٤٨٢ بعدة روايات، والحاكم في المستدرك: التفسير، سورة إبراهيم ٢/ ٨٨، وورد بنصه في: "معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٥٤٥، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٢، والثعلبى ٢/ ١٤٥ أ.
(٢) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ١/ ٣٣٨ بنحوه.
(٣) انظر: (قرن) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٤٧، و"اللسان" ٦/ ٣٦١٠.

وقوله تعالى: ﴿فِي الْأَصْفَادِ﴾ جمع صفْد وهو القيد، يقال: صَفَدْتُ الرجلَ فهو مَصْفُود، والمصدر: الصَّفْد، والاسم: الصَّفَد، ومثله الصِّفادُ: وهو كل ما يوثق به من نِسْع أو قِدِّ (١)، ويقال أيضًا من هذا صَفَّدته بالتشديد، ومنه الحديث: "صُفِّدت الشَّياطين" (٢).
قال أبو عبيد: شُدَّت بالأغلال، قال عمرو:
وأُبْنَا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا (٣)
(٢) ونصه: "إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفّدت الشياطين" أخرجه مسلم (١٠٧٩) كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان ٢/ ٧، عن أبي هريرة، وجاء برواية: (إذا كان أول ليلة من رمضان صُفَّدت الشياطين...)، أخرجه الترمذي (٦٨٢) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان ٣/ ٦٦، وابن ماجه (١٦٣٨) كتاب: أبواب الصيام، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان ١/ ٣٥١، والحاكم: الصوم، إذا كان أول ليلة (١/ ٤٢١) وقال صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي: الصيام، في فضل شهر رمضان ٤/ ٣٠٣.
(٣) وصدره:
فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا
انظر: "ديوان عمرو بن كلثوم" ص ٩٤، وورد في "تفسير الطبري" ١٣/ ٢٥٤، "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص ٤١٢، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥ أ، والماوردي ٣/ ١٤٥، والطوسي ٦/ ٣١٠، "شرح المعلقات للزوزني" ص ١٨١، و"الفريد في الإعراب" ٣/ ١٨٠، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٣٨٤، و"الدر المصون" ٧/ ١٣١، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ٥٩٩، و"تفسير الشوكاني" ٣/ ١٦٩. =

قال: وأما أصْفَدْتُه بالألف، فهو أن تعطيه وتصله، والاسم منه الصَّفَد، وكذلك الوَثاق (١).
وقال الزجاج: صَفَدتُه بالحديد وأصفدته، ومثله في العطية (٢)، إلا أن الاختيار في العطية أصفدته، وفي الحديد صفدته (٣).
قال ابن عباس: يريد بالأصفاد: سلاسلَ الحديد والأغلال (٤).
قال الكلبي: ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ كل كافر مع شيطان في غل (٥)، وقال هطاء: وهو معنى قوله: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] أي قُرنت نفوس المؤمنين بالحور العِين، ونفوس الكافرين بالشياطين (٦)، وفي هذا المعنى أيضاً قوله: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصافات: ٢٢].
(١) ورد في "تهذيب اللغة" (صفد) ٢/ ٢٠٢٥، بلفظه مختصراً.
(٢) وسمي العطاء صفداً لأنه يُقيَّد من يعطيه، ومنه: أنا مغلولُ أياديك، وأسيرُ نعمتك. "الدر المصون" ٧/ ١٣٢، وقيل: لأنها تُقَيِّد المودة وترتبطها. "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٠.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٥، بتصرف يسير.
(٤) أخرجه الطبري ١٣/ ٢٥٥، من طريق ابن أبي طلحة صحيحة. بلفظ: في وثاق، وانظر: "زاد المسير" ٤/ ٣٧٧، ولفظه: أنها الأغلال "الدر المنثور" ٤/ ١٦٩، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ٥٩٩ بلفظ: القيود.
(٥) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٤٧ بنصه، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٢ بنصه، والماوردي ٣/ ١٤٥ بنصه، و"البغوي" ٤/ ٣٦٣، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٣٨٥، وأبي حيان ٥/ ٤٤٠
(٦) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٤٧ بنصه تقريباً.