
أن الجبال كادت تزول لمكرهم، ودليل تعظيم مكرهم أن الله قد قال: ﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً﴾ [نوح: ٢٢]، وقال: ﴿تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً * أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً﴾ [مريم: ٩٠ - ٩١]: فأخبر أن ما يأتون به من الكفر تكاد السماوات يتفطرن منه: (أي): تنشق، وتكاد الجبال تسقط إعظاماً لقولهم.
وقيل: إن المراد بهذه الآية قريش، نفى الله تعالى، أن تزول لمكرهم الجبال، والجبال كناية عن القرآن، والتقدير: وما كان مكر قريش وكفرهم ليزول منه القرآن إذا أنكروه، وكفروا به. بل فعلهم ذلك لا يضر القرآن، ولا يزيله من قلوب المؤمنين حتى يبلغ جميع الأمم الكائنة إلى يوم القيامة. فيجاز (ى) المؤمن به على إيمانه، والكافر به على كفره.
وقوله: ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾: - إلى قوله - ﴿سَرِيعُ الحساب﴾، والمعنى: ولا تحسبن الله يا محمد مخلف رسله، وعده الذي وعدهم من عقوبة من

كذبهم تثبيتاً منه تعالى لنبيه، عليه السلام ومعلماً، له به أنه سينزل سخطه على من كذبه.
﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام﴾: أي: إن الله لا يمتنع منه شيء أراد عقوبته ﴿ذُو انتقام﴾ لمن كفر به وكذب رسله.
ثم أخبرنا تعالى، متى يكون هذا الانتقام، فقال ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات﴾: أي: ينتقم من الظالمين في هذا اليوم. ومعنى ﴿تُبَدَّلُ الأرض (غَيْرَ الأرض)﴾: أي تصير هذه الأرض أرضاً بيضاء، كالفضة لم يسفك عليها دم، ولا عمل عليها خطيئته، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر حفاة، عراة، قياماً، كما خلقوا حتى يلجمهم العرق. قاله ابن مسعود، وأنس بن مالك، ومجاهد، والحسن.

وقال الحسن ( C) في حديث (هـ): والسماوات أيضاً كالفضة وعن عبد الله بن مسعود أنه، قال: تبدل الأرض ناراً يوم القيامة، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها. والذي نفس عبد الله بيده: إن الرجل ليفيض عرقاً حتى ترسخ في الأرض قدمه، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب. فقالوا: (مم) يا أبا عبد الرحمن؟ قال: مما الناس يلقون. وقال: (و) أولياء الله في ظل عرش الله. والذي نف عبد الله بيده: إن جهنم / لتنظف على الناس، مثل الثلج حين يقع من السماء، والذي نفس عبد الله بيده إن عرقه ليسيح في الأرض تسع قامات، ثم يلجمه، وما ناله الحساب من شدة ما يرى الناس (و) يلقون.
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنهـ: تبدل الأرض من فضة، والجنة من ذهب.

وقال ابن جبير: تبدل الأرض خبزة بيضاء، يأكل المؤمن من تحت قدميه. وكذلك ذكر محمد بن كعب القرظي ( C).
وكذلك قال أبو جعفر بن محمد بن علي، (نضر الله وجهه): تبدل الأرض خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة، ثم قرأ ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام﴾ [الأنبياء: ٨].
وقال أنس بن مالك رضي الله عنهـ: تبدل الأرض بأرض من فضة، لم يعمل فيها الخطايا.
وقيل: تبديل الأرض: هو تسيير جبالها، وتهجير بحارها، وكونها مستوية: ﴿لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً﴾ [طه: ١٠٨]، وتبدل السماوات: انتثار كواكبها، وانفطارها، وانشقاقها، وتكوير شمسها، وخسوف قمرها.
قال النبي ﷺ: " تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، ويمدها مد الأديم العُقاظي، لا ترى فيها عوجاً، ولا أمتاً، ثم يزدجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه

المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى. ما كان في بطنها كان في بطنها، وما كان على ظهرها كان على ظهرها. وذلك حين تطوى السماوات "
﴿كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ﴾ " [الأنبياء: ١٠٤] ثم يدحوهما ثم يبدلهما ".
" وسألت عائشة، رضي الله عنها، النبي ﷺ، فقالت: يا رسول الله: إذا بدلت الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار. أين الناس يومئذ؟ قال: على الصراط ".
ومعنى ﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ﴾: وخرجوا من قبورهم أحياء لموقف الحساب بين يدي الله (عز جل).
﴿الواحد الْقَهَّارِ﴾ أي: المنفرد بالقدرة على خلقه، الذي يقهر كل شيء.

وقال ابن مسعود رضي الله عنهـ: يجمع الله الخلائق كلهم في صعيد واحد، لأرض بيضاء، لم يعص الله فيها قط، ولم يخطأ فيها خطيئة. فأول ما يتكلم أن ينادي منادٍ: ﴿لِّمَنِ الملك اليوم﴾ [غافر: [١٦]؟، ثم يقول الله الواحد القهار: ﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ [غافر: ١٧].
وعن علي (Bهـ) أنه قال: تبدل الأرض (بأرض) من فضة، والجنة من ذهب. وعن ابن عباس رضي الله عنهـ أنه قال: بلغنا، والله أعلم، أن الأرض تبدل بأرض بيضاء، لم يعمل عليها معصية، ولم يسفك عليها دم حرام.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد﴾: أي: وترى يا محمد الذين

اجترموا في الدنيا الشرك بالله (مقرنين: أي) مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم.
﴿فِي الأصفاد﴾: أي: في الوثاق، من غل سلسلة، أو قيد. وأحدها صفد كحبل. أو صفد كعدل والأصفاد: القيد. /
وعن ابن عباس، رضي الله عنهـ: الأصفاد السلاسل.
قال الضحاك: ( C) الأصفاد: السلاسل.
وقال قتادة ( C) : هي القيود، والأغلال.
وقال الحسن: ما في جهنم واد، ولا مغارة، ولا قيد، ولا سلسلة إلا واسم صاحبه عليه مكتوب.

ثم قال تبارك (و) تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ﴾: أي قمصهم التي يلبسونها، واحدها سربال.
من قطران: قال الحسن ( C) : هو قطران الإبل، ويقال قَطَرَان وقِطرَان بفتح القاف وكسرها.
وقرأ مجاهد، C، قطران (عليه) نحاس، ومثله عن ابن عباس. وعن ابن عباس، وعكرمة، ( رحمه الله عليهما)، إنهما قرآ: (من) قِطْرٍ آنٍ: أي: من نحاس قد انتهى حره في الشدة، وقد قالوا قطران في الواحد، ولو جمع قطران، لقيل: قطارين كضربان وضرابين.