آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

٣٧ - قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ قال الفراء: ولم يأت منهم بشىء (١) يقع عليه الفعل، وهو حائز أن يقول: قد أصبنا من بنى فلان، وقتلنا من بني فلان، وإن لم يقل رجالاً؛ لأن (من) تؤدّي عن بعض القوم؛ كقولك: قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء، ومثله: ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾ (٢) [الأعراف: ٥٠] قال أبو بكر: ويجوز أن يقال: إن (من) دخلت لتوكيد الكلام، والتقدير: ربنا إني أسكنت ذريتي (٣) كما قال ذو الرُّمّة:

تَبَسَّمْن عن نَوْرِ الأقَاحيِّ في الضُّحَى وفَتَّرْنَ من أبْصَارِ مضْرُوجةٍ نُجْلِ (٤)
(١) في (أ)، (د): (شيء) بدون الباء، والمثبت من (ش)، (ع)، وهو موافق للمصدر.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٧٨ بنصه.
(٣) لم أقف على مصدره، وورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ١/ ٣٣٠ بنصه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٦٦، و"تفسير الشوكاني" ٣/ ١١٢، و"صديق خان" ٧/ ١٢٤.
(٤) رواية الديوان كما في "شرح ديوان ذي الرمة" ١/ ٤٦٦:
وتَبْسِمُ عن نَوْرِ الأقاحيِّ أقْفَرَتْ بوَعساءِ مَعْروفٍ تُغامُ وتُطْلَقُ
وليس في رواية الديوان شاهد، والشاهد في رواية المؤلف: (من) والتأويل: وفترن أبصار، بإسقاط (من) لأنها جاءت للتوكيد. وورد البيت في مادة (ضرج) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٠٧، و"اللسان" ٥/ ٢٥٧١، و"التاج" ٣/ ٤٢٢، وفي هذه المصادر اختلافان عن ما ذكره الواحدي هما: (الثرى) بدل (الضحى)، و (عن) بدل (من). وورد البيت في "الأساس" ٢/ ٤٦، باختلافين أيضاً (غُرّ) بدل (نَوْر)، و (الثرى) بدل (الضحى)، (النَّور) الزَّهرُ، (الأقاحيِّ) نبتٌ طيبُ الريح، زهره أبيضُ حَسَنٌ، فشبّه بياض أسنانها به، (مَضْروجة): الضَّرْج: الشَّق، قال أَبو عبيد: عينٌ مضْروجة: أي واسعةُ الشَّقِّ نجْلاء، والنْجلُ: سعة العين مع حُسْن. انظر (ضرج) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٠٧، و"اللسان" ٥/ ٢٥٧٠، و"التاج" ٣/ ٤٢١، و"المحيط في اللغة" (نجل) ٧/ ١٠٨.

صفحة رقم 487

وعلى ما ذكر الفراء (من) دخلت للتبعيض، والتأويل: إني أسكنت بعض ذريتي، وذلك أنه أنزل إسماعيل بعض ذرية إبراهيم، يدل على هذا قول ابن عباس في هذه الآية ﴿إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ يريد: إسماعيل (١)، ﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ قال: يريد وادي مكة، ومكة كلها واد، والكلام في الوادي قد ذكرنا عند قوله: ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ﴾ [الرعد: ١٧] والقول الأول: اختيار أبي علي، قال: معناه إني أسكنت من ذريتي ناسًا، فحذف المفعول لدلالة الإسكان عليه (٢).
وقوله تعالى: ﴿عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ قيل معناه: عند بيتك المحرم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حتى رفعته أيام الطوفان؛ لأن إسكان الخليلِ إسماعيلَ مكة كان قبل بنائهما البيت، وقيل: عند بيتك المحرم الذي قد مضى في سابق علمك أنه يحدث في هذا الوادي (٣).
وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ قال ابن عباس: يريد ليعبدوك (٤).
﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾، أبو عبيد عن الأصمعي قال: هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، إذا سقط من عُلو إلى سفْل (٥)، وقال ابن الأعرابي: هَوَت

(١) أخرجه الطبري ١٣/ ٢٣٠، من طريق سعيد بن جبير صحيحة، مع زيادة وأُمّه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٤٧.
(٢) لم أقف على مصدره. وهو قول الفراء.
(٣) ورد بنصه في "تفسير الطبري" ١٣/ ٢٣٣، والثعلبي ٧/ ١٥٧ أ، انظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٥٣، وابن الجوزي ٤/ ٣٦٦، والخازن ٣/ ٨٣.
(٤) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ١/ ٣٣٢، بلفظه.
(٥) ورد في "تهذيب اللغة" (هوى) ٤/ ٣٨١٣ بنصه، و"الصحاح" (هوى) ٦/ ٢٥٣٨ بنصه تقريباً.

صفحة رقم 488

العُقابُ (١) نَهْوِي هَوِيُّا بالفتح، إذا انقضّت (٢) على صيد أو غيره (٣)، وقال الفراء في هذه الآية: ﴿تَهْوِي إِلَيْهِم﴾ تريدهم؛ كما تقول: رأيت فلانًا يَهْوِي نحوك (٤)، معناه: تنحط إليهم وتنحدر وتنزل (٥)، يقال هوى الحجر من رأس الجبل يهوي، إذا انحدر وانصب (٦)، هذا قول أهل اللغة في هذا الحرف.
فأما قول المفسرين؛ فقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد تحِنّ (٧) إليهم زيارة بيتك (٨)، وفي هذا بيان أن حنين الناس إليهم إنما هو لحج البيت لا لأعيانهم، وفي هذا دعاء للمؤمنين بأن يرزقهم حج البيت، ودعاءٌ لسكان مكة (٩) من ذريته؛ لأنهم يرتفقون (١٠) بمن يأتي مكة لزيارة

(١) طير معروف، وهو من العِتاق؛ أي الجوارح، ويقع العُقاب على الذكر والأنثى. انظر: "اللسان" (عقب) ٥/ ٣٠٢٨.
(٢) (أ)، (د): (نفضت) من غير ألف وبالفاء، والمثبت من (ش)، (ع).
(٣) ورد في "تهذيب اللغة" (هوى) ٤/ ٣٨١٣ بنصه تقريبًا.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٧٨ بنصه.
(٥) هذا معنى الآية لا معنى القول، وهو قول ابن الأنباري كما في "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٦٨، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٣٧، والخازن ٣/ ٨٣.
(٦) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٣٧ بنصه.
(٧) في (د): (نحو).
(٨) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٦٧، و"الخازن" ٣/ ٨٣، وورد بلا نسبة في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٣٨، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٣٧٣.
(٩) في (د): (مكان).
(١٠) هكذا في جميع النسخ، وفي "تفسير الخازن" ٣/ ٨٣ (بأنهم ينتفعون)، وقد نقل المقطع من الواحدي، ويستقيم المعنى بالعبارتين، فعلى عبارة المخطوط (يرتفقون) مأخوذة من الرفق، بمعنى أن القلوب تحن إليهم بسبب ارتفاقهم بالزوَّار والحجاج لبيت الله العتيق، وعلى عبارة الخازن (ينتفعون) من الانتفاع؛ فهم ينتفعون ممن يقدم مكة حاجًّا أو زائراً.

صفحة رقم 489
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية