آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

قال ابن عباس: لو أرشدنا الله لأرشدناكم (١).
وقوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا﴾ إلى آخره، قال الزجاج: ﴿سَوَاءٌ﴾ ابتداء، و ﴿أَجَزِعْنَا﴾ في موضع الخبر (٢)، والكلام في هذا قد سبق في قولى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦]، وذكرنا معنى المحيص في قوله: ﴿وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾ [النساء: ١٢١].
٢٢ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ الآية. قال المفسرون: إذا استقر أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار، اجتمع أهل النار باللائمة على إبليس لعنه الله، فيقوم فيما بينهم خطيبًا ويقول ما أخبر الله تعالى بقوله: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ﴾ الآية. (٣) قال أبو إسحاق: ذكر الله أمر

(١) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٠٩ بنصه، وورد بنصه غير منسوب في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ١/ ٣١٦، وتفسيره "الوجيز" ١/ ٥٨١، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٥٦.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ١٥٨/ ٣ بنصه
(٣) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٢ ب بنحوه، وأخرجه الطبري ١٣/ ٢٠٠ - ٢٠١ بنحوه عن الشعبي والحسن والقرظي، وورد في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٨ بنحوه، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٠٤ بنحوه عن الحسن، و"الماوردي" ٣/ ١٣٠، مختصراً عن الحسن، و"الثعلبي" ٧/ ١٥٠ أ، بنحوه عن مقاتل، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٤١، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن، وأخرجه الطبري ١٣/ ٢٠١، مرفوعاً بمعناه عن عقبة بن عامر (ضمن حديث الثمفاعة مختصراً، وأخرجه الطبراني في "الكبير" ١٧/ ٣٢٠، من طريق عقبة بن عامر بمعناه وأورده الهيثمي في "المجمع" ١٠/ ٣٧٦، وقال: وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٤٠، وزاد نسبته إلى ابن المبارك في الزهد، ولم أجده وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن عقبة، وحكم عليه شاكر في تحقيق الطبري بالضعف، وقال: وهذا خبر ضعيف الإسناد لا يقوم. وعلى هذا فدعوى قيام إبليس خطيباً في أهل النار على منبر من نار لا تصح لكونها موقوفة على الحسن والشعبي والقرظي، ولا يقبل قولهم المجرد في مثل هذه القضية الغيبية، والطريق الموصول الذي فيه إشارة لهذه الدعوى - ضعيفٌ لا تقوم به الحجة، فالله أعلم بكيفية هذا الحوار والنقاش بين إبليس وأهل النار.

صفحة رقم 449

إبليس وما يقوله في القيامة تحذيرًا من إضلاله وإغوائه (١).
وقوله تعالى: ﴿لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر﴾ قال ابن عباس: يريد حين قضى الله بين العباد؛ فصار أهل الجنّة إلى منازلهم وكرامتهم، وأمَرَ بأهل جهنّم إلى العذاب (٢)، وقال الضحاك: فُرغ من الأمر (٣)، وهو معنى قول ابن عباس.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ قال مقاتل: يعني كون هذا اليوم فَصَدَقكم (٤) وعْده، ووعدتكم أنه غير كائن فأخلفتكم (٥)، وقال أبو إسحاق: أي وعد من أطاعه الجنّة ووعد من عصاه النار، ووعدتكم خلاف ذلك (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَعْدَ الْحَقِّ﴾ هو من باب إضافة الشيء إلى نَعْته كقوله: ﴿وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق: ٩] ومسجد الجامع، على قول الكوفيين، والمعنى:

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٨ بنصه.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٧١ بنحوه، وورد بنحوه غير منسوب في "الغريب" لابن قتيبة ٢٣٦، و "تفسير الطبري" ١٣/ ٢٠٠، والسمرقندي ٢/ ٢٠٤، والثعلبي ٧/ ١٥٠ أ، وابن عطية ٨/ ٢٢٦، والفخر الرازي ١٩/ ١١٠.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) في (د): (فصدَّكم).
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٢ ب، بتصرف يسير.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٨ بنصه.

صفحة رقم 450

وعدكم الوعدَ الحقَ (١)، وعلى مذهب البصريين يكون التقدير: وعْدَ اليومِ الحقِ، أو الأمر الحق (٢)، أو يكون التقدير: وعدكم الحق ثم ذكر المصدر تأكيدًا وفيه إضمار؛ لأن تلخيصه: وعدكم وعد الحق فصدقكم، وحُذف ذلك لدلالة تلك الحالة على صدق ذلك الوعد والوفاء به، ولأنه ذكر في

(١) الكوفيون يجوِّزون إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان، وحجتهم أن ذلك ورد كثيرًا في كتاب الله وكلام العرب، وقد قرّر هذه المسألة الفراء في عدة أماكن من معانيه، كما في قولى تعالى: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [يوسف: ١٠٩] فأضيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة، وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: ٩٥]، والحق هو اليقين. انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣٠، ٢/ ٥٥، ٣/ ٧٦، راجع هذه المسألة في "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٣٤٧، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٣١٩، و"الإنصاف" ص ٣٥٢، و"البيان في غريب الإعراب" ٢/ ٥٢٥، ٣٨٥، ٤٥، و"البسيط شرح جمل الزجاجي" ٢/ ١٠٨٦، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٠، و"همع الهوامع" ٤/ ٢٧٦.
(٢) ذهب البصريون إلى منع إضافة الموصوف إلى صفته؛ بحجة أن الإضافة إنما يراد بها التعريف والتخصيص، والشيء لا يتعرف بنفسه؛ لأنه لوكان فيه تعريف لكان مستغنياً عن الإضافة، وإن لم يكن فيه تعريف كان بإضافته إلى اسمه أبعد من التعريف، وتأولوا شواهد الكوفيين وأزالوا ما يوهم إضافة الموصوف إلى صفته، بحمله على حذف المضاف إليه وإقامة صفته مقامه، وعليه فتقدير قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ أي: حق الأمرِ اليقين، وقوله: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ تقديره: ولدارُ الساعةِ الآخرةِ. انظر الأصول في النحو ٢/ ٨، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٣٤٧، و"الإيضاح العضدي" (٢٨٣)، و"الخصائص" ٣/ ٢٤، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٣١٩، ٣٥٥، ٤٩٠، و"الإنصاف" ص ٣٥٢، و"البيان في غريب الإعراب" ٢/ ٥٢٥، ٣٨٥، ٤٥، و"شرح المفصل" ٣/ ١٠، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٣٥٣، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٠، ويترجح في هذه المسألة قول الكوفيين؛ لصراحة أدلتهم التي ذكروها ولم تفتقر إلى التأويل الذي ذهب إليه البصريون؛ وما لا يحتاج إلى تأويل أولى بما يحتاج إلى تأويل.

صفحة رقم 451

وعد الشيطان الإخلافُ، فدل ذلك على الصدق في وعد الله.
وقوله تعالى: ﴿وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ الوعد يقتضي مفعولًا ثانياً، وحُذف هاهنا للعلم به والتقدير: ووعدتكم أن لا جنّة ولا نار ولا حشر ولا حساب فأخلفتكم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ قال ابن عباس: يريد من حجة أحتج بها عليكم، أي: بما أظهرت لكم حجة (١)، ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ هذا من الاستثناء المنقطع؛ أي: لكن دعوتكم ﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (٢) قال: يريد فصدقتموني وقبلتم مقالتي، وقال أبو إسحاق: أي أغويتكم وأضللتكم فاتبعتموني (٣)، ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ حيث أجبتموني وطاوعتموني من غير سلطان ولا برهان، قال أهل المعاني: ولَوْم النفس يصح على الإساءة كما يصح حمدها على الإحسان (٤)، كما قال (٥):

(١) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٧١، بمعناه، وورد بمعناه غير مشوب في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٥٠ أ، والبغوي ٤/ ٣٤٥، وابن الجوزي ٤/ ٣٥٧، و"تفسير القرطبي" ١٩/ ٣٥٦، وابن كثير ٢/ ٥٨١.
(٢) هذا ما ذهب إليه معظم المفسرين؛ أن الاستثناء منقطع؛ لأن الدعاء ليس من جنس السلطان. انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٢٠٠، والثعلبي ٧/ ١٥٠ أ، و"البغوي" ٤/ ٣٤٥، وابن عطية ٢٢٧/ ٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٥٧، والفخر الرازي ١٩/ ١١١، و"الإملاء" ٢/ ٨٦، و"الفريد في الإعراب" ٣/ ١٥٧، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٣٥٦، وأبي حيان ٥/ ٤١٨، و "الدر المصون" ٧/ ٨٨.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٨ بنصه.
(٤) لم أقف على هذا القول في كتب المعاني ولا كتب اللغة، وهي قضية بدهية ظاهرة لا خلاف حولها، ولا أدري ما وجه الغرابة في لوم النفس على الإساءة حتى يستشهد على ذلك بالبيت.
(٥) القائل هو الحارث بن خالد المخزومي، أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين. "الأغاني" ٣/ ٣٠٨.

صفحة رقم 452

صَحِبْتُك إذ عَيْنِي عليها غِشَاوةٌ فلما انْجَلَتْ قطَّعْتُ نَفْسِي ألُومُها (١)
وقوله تعالى: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد بمغيثكم ولا منقذكم (٢) وهو قول الجميع (٣).
وقال ابن الأعرابي: المصارخ (٤) المُسْتَغيث، والمُصْرِخُ المُغِيثُ (٥)، يقال: صرخ فلان، إذا استغثاث وقال: واغوْثاه، وأصرختُه: أغثته، وقال الفراء: أصرخْتُ الرجل، إذا أغثته إصْراخًا، وقد صَرَخَ الصَّارخ يَصْرَخُ، ويَصْرُخُ لغة قليلة، صَرْخًا وصُرَاخًا (٦).
(١) ورد في "مجاز القرآن" ١/ ٣١، و"العقد الفريد" ١/ ٣٠٣، و"الأغاني" ٣/ ٣١٤، و"تفسير القرطبي" ٩/ ١٩١، و"اللسان" (غشا) ٦/ ٣٢٦١، و"الدر المصون" ١/ ١١٥، ورواية المجاز والدر: (تبعْتُك) بدل (صَحِبْتُك).
(٢) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١١٤ بنصه، و"تنوير المقباس" ص ٢٧١ بنصه.
(٣) ورد بلفظه في: "مجاز القرآن" ١/ ٣٣٩، و"غريب القرآن وتفسيره" لليزيدي ١٩٧، و"تفسير الطبري" ١٣/ ٢٠٠، و"جهرة اللغة" ١/ ٥٨٦، و"تهذيب اللغة" (صرخ) ٤/ ١٩٩٩، و"تفسير المشكل" لمكي ص ٢١٤، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٤٥، و"تذكرة الأريب في تفسير الغريب" ص ٢٧٩، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤١٩، و"عمدة الحفاظ" ٢/ ٣٨٢.
(٤) هكذا في جميع النسخ، ولم أقف على هذا التصريف في المصادر اللغوية التي رجعت إليها والذي ذكره المصدر ومصادر اللغة (الصَّارخ) فلعله من تصحيف النساخ. انظر (صرخ) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٩٩، و"المحيط" ٤/ ١٤٥، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٣٤٨، و"الصحاح" ١/ ٤٢٦، و"اللسان" ٤/ ٢٤٢٦، و"التاج" ٤/ ٢٨٧.
(٥) ورد في "تهذيب اللغة" (صرخ) ٢/ ١٩٩٩ بنصه ونسبه الأزهري لأبي الهيثم.
(٦) لم أقف عليه، والظاهر أنه من كتابه "المصادر" المفقود.

صفحة رقم 453

وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيّ﴾ القراءة الصحيحة فتح الياء (١) وهو الأصل (٢).
قال الزجاج: وذلك أن [ياء] (٣) الإضافة إذا لم يكن قبلها ساكن حُرِّكتْ إلى الفتح؛ نحو غلاميَ، وذلك أن الاسم المضمر لمّا كان علي حرف واحد وقد منع الإعراب، حرِّك بأخف الحركات (٤)، ويجوز إسكانها (٥)، لثقل (٦) الياء التي قبلها كسرة (٧)، وإذا كان قبل الياء ساكن حرَّكت إلى الفتح لا غير (٨)، لأن أصلها أن تحرك ولا ساكن قبلها، فإذا

(١) هي قراءة الجمهور ماعدا حمزة، ولو وصفها بقراءة الأكثرين لكان أحسن؛ لأن وصفه لها بالصحة يوهم تبنِّيه لدعوى بعض النحويين في تضعيف قراءة حمزة، مع أنه رد عليهم في آخر المسألة. انظر: "السبعة" ص ٣٦٢، و"إعراب القراءات وعللها" ١/ ٣٣٥، و"الحجة في القراءات" ص ٢٠٣، و"علل القراءات" ١/ ٢٨٨، و"الحجة للقراء" ٥/ ٢٨، و"المبسوط في القراءات" ص ٢١٧، و"حجة القراءات" ص ٣٧٧، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٢٦، و"تلخيص العبارات" ص ١٠٨، و"المُوضح في وجوه القراءات" ٢/ ٧١٠، و"الإتحاف" ص ٢٧٢.
(٢) تخصيصه قراءة الجمهور دون حمزة بهذا الوصف غير جيد أيضاً؛ لأنه يشعر بالتقليل من شأن قراءة حمزة وهي قراءة سبعية لا فرق بينها وبين القراءات الأخرى، ولأن الأصل في القراءة الرواية وليس القياس، فهي سنة متبعة وليس قواعد نحوية مقنَّنَه، ويقصد بالأصل: أي عند النحويين كما صرّح بذلك الأزهري في "شرح التصريح على التوضيح" ٢/ ٦٠.
(٣) ما بين المعقوفين زيادة من المصدر ليستقيم الكلام.
(٤) وهي الفتحة.
(٥) أي الياء.
(٦) في جميع النسخ (لنقل)، والتصويب من المصدر.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٩، نقله بتصرف يسير.
(٨) وهذه حجتهم النحوية في رد قراءة حمزة؛ حيث قالوا إن أصل (مصرخيّ) مصرخين جمع مصرخ، أضيف لياء اليكلم فصارت (بمُصْرِخِيني) وحذفت النون للإضافة =

صفحة رقم 454

كان قبلها ساكن صارت حركتُها لازمةً لالتقاء الساكنين؛ نحو: ﴿هُدَايَ﴾ [طه: ١٢٣]، و ﴿وَمَحْيَاىَ﴾ [الأنعام: ١٦٢]، و ﴿عَصَايَ﴾ [طه: ١٨] ونحو هذا قال الفراء (١)، وقراءة حمزة ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ بكسر الياء (٢) وهو (٣) قراءة الأعمش (٤) ويحيى بن وثاب (٥).

= فاجتمعت ياء الجمع -وهي ساكنة- وياء الإضافة، فلو سكناها لاجتمع ساكنان بمصرخِيْيْ فتعين الفتح، فلما اجتمع مِثْلان: الأول ساكن، والثاني متحرك وجب الإدغام، فصارت ياءً مفتوحة مشددةً
انظر: "إعراب القراءات وعللها" ١/ ٣٣٥، و"حجة القراءات" ص ٣٧٧، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ٤٤٨، و"الإملاء" ٢/ ٦٨و"سراج القارىء" ص ٢٦٥.
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٧٥.
(٢) انظر: "السبعة" ص ٣٦٢، و"إعراب القراءات وعللها" ١/ ٣٣٥، و"علل القراءات" ١/ ٢٨٨، و"الحجة للقراء" ٥/ ٢٨، و"حجة القراءات" ص ٣٧٧، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٢٦، و"تلخيص العبارات" ص ١٠٨، و"المُوضح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٠٩، و"الإتحاف" ص ٢٧٢.
(٣) هكذا في جميع النسخ، والسياق يقتضي أن تكون (وهي) لأن الضمير يعود على القراءة، وهي مؤنثة.
(٤) انظر: "علل القراءات" ١/ ٢٨٩، و"الحجة للقراء" ٥/ ٢٩، و"المُوضح في وجوه القراءات" ٢/ ٧١٠، و"إبراز المعاني" ٣/ ٢٩٣، و"سراج القارىء" ص ٢٦٥، و"النشر" ٢/ ٢٩٩، و"الإتحاف" ص ٢٧٢.
(٥) انظر: "الحجة للقراء" ٥/ ٢٩، و"إبراز المعاني" ٣/ ٢٩٣، و"سراج القارىء" ٢٦٥، و"النشر" ٢/ ٢٩٩، ويحيى بن وثاب هو: الإمام القدوة المقرىء، شيخ القراء بالكوفة في زمانه، تابعي ثقة حدّث عن ابن عباس وأبي هريرة، أخذ القراءة عن علقمة ومسروق، وأخذ عنه الأعمش، كان حسن الصوت بالقراءة، مات (١٠٣ هـ).
انظر: "غاية النهاية" ٢/ ٣٨٠، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٣٨٠، و"تقريب التهذيب" ٥٩٨ ص (٧٦٦٤).

صفحة رقم 455

قال الفراء: ولعلها من وهْم القُرَّاء (١) فإنه قلَّ من سَلم منهم من الوهْم، ولعله ظن أن الباءَ (٢) في ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ خافضةٌ للحرف كله، والياء من المتكلم خارجةٌ من ذلك، ومما يرى أنهم أوهموا فيه: ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ [النساء: ١١٥] ظنُّوا والله أعلم أن الجزم في الهاء، والهاءُ في موضع نصب، وقد انجزم الفعل قبلها بسقوط الياء منه، قال: وسمعت بعض العرب (٣) ينشد:

قلت (٤) لَهَا هَل لَكِ يَا تَا فيِّ قالَتْ لنا ما أنتَ بالمَرْضِيّ (٥)
(١) هذه اللفظة من أخف الألفاظ انتقاداً لهذه القراءة السبعية!! وكذلك الأسلوب؛ حيث عزا الخطأ فيما يظن أنه خطأ إلى القُراء لا القراءة، بخلاف بقية المنتقدين للقراءة خاصة البصرييين حيث بالغوا في انتقاد القراءة ووصفوها بأقذع الصفات؛ كالمنكرة، والرديئة، والمرذولة، والضعيفة، والمكروهة، وا الشاذة، وأنها لحن.. انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٥٩٩، و"معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٩، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٨٣، و"تفسير الزمخشري" ٢/ ٣٠٠، و"الإملاء" ٢/ ٦٨، و"إبراز المعاني" ٣/ ٢٩٤، و"حاشية ياسين على شرح التصريح" ٢/ ٦٠.
(٢) في (ش)، (ع): (الياء) والمثبت موافق للمصدر.
(٣) هو الأغلب العجلي، تأتي ترجمته في المفحة التالية، وكلمة (العرب) ساقطة من (د).
(٤) في المصدر (قال) وهو الموافق لرواية جميع المصادر التي وقفت عليها ما عدا "علل القراءات" ١/ ٢٨٨.
(٥) ورد البيت منسوباً للأغلب في "حاشية ياسين على شرح التصريح" ٢/ ٦٠، و"الخزانة" ٤/ ٤٣٣، وورد غير منسوب في: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٧٦، و"الحجة في القراءات" ٢٠٣، و"المحتسب" ٢/ ٤٩ [صدره]، و"الفريد في الإعراب" ٣/ ١٥٩، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤١٩، (يا) حرف نداء، (تا) منادى؛ وهو اسم إشارة يشار به إلى المؤنث، (فيِّ) ضمير نصب متكلم أُشبعت كسرته فنشأ عنها ياء نحو منزلي من منزل والمعنى: أن رجلاً قال لامرأة تقدم ذكرها يا هذة المرأة، هل لك رغبة فيَّ؟ قالت له: لست بالمرضي فيكون لي رغبة فيك.

صفحة رقم 456

فخفض الياء من (فيِّ) فإن يك ذلك صحيحًا، فهو مما يلتقي من الساكنين فيُخفض الآخِرُ منهما، وإن كان له أصل في الفتح، ألا ترى أنهم يقولون: لي أره منذ (١) اليوم، والرفع في الذال هي (٢) الوجه (٣)، والخفض جائز، فكذلك الياء من مصرخيّ خفضت ولها أصل في النصب، انتهى كلامه، (٤). وقال أبو إسحاق: هذه القراءة عند جميع النحويين ردية مرذولة لا وجه لها إلا وُجَيْه (٥) ضعيف! وهو ما أجازه الفراء من الكسر على أصل التقاء الساكنين، وأنشد:

قالَ لَهَا هَل لكِ يا تا فيِّ قالَتْ له ما أنْتَ بالمَرْضِي
وهذا الشعر مما لا يُلتفت إليه، فليس يُعرف قائل هذا الشعر من العرب (٦)،
(١) في المصدر المنقول عنه (مُذُ).
(٢) الأولى (هو) لأنه يعود على مذكر، وكذلك هو في المصدر.
(٣) لأنها مبنية على الضم. [اللمع في العربية ص ١٣١]، وقد اعترض السمين على الفراء في استشهاده على المسألة بهذا المثال لاختلافهما؛ حيث لم يتوال الكسر في المثال بخلاف القراءة المستشهد لها "الدر المصون" ٧/ ٩٤.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٧٥، نقل طويل تصرف فيه.
(٥) هكذا وردت مصغرة في جميع النسخ مع أنها في المصدر مكبرة (وجه) فلعل لذلك دلالة إن كان من فعل الواحدي لا النُسَّاخ، وهو المبالغة في تضعيف هذا الوجه الذي يُحتج به للقراءة من جهة النحو.
(٦) بلى قد عُرف قائله، هو الأغلب العجلي، ولم يكن نكرة بل هو علَم في عدة ميادين: فقد عدّه ابن الأثير وابن حجر في الصحابة، ومن شهداء الإسلام في نهاوند. انظر: "أسد الغابة" ١/ ١٢٦، و"الإصابة" ١/ ٢٢٥ وعدّه ابن قتيبة أرجزَ الرُجّاز، لأنه أول من شبّه الرجز بالقصيد وأطاله، وقبله بيتان أو ثلاثة انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٠٧، بل لقد بلغ من شهرته أن ينتسب إليه السثمهورون، يقول العجاج: إني أنا الأغلب أضْحَى قد نُشر. المصدر السابق، وأكد أبو شامة نسبة =

صفحة رقم 457

ولا هو مما يحتج به (١) في كتاب الله (٢).
قال أبو علي: زعم قطرب أن هذا لغة في بني يربوع (٣)؛ يزيدون على ياء (الإضافة ياء) (٤) وأنشد:

ماضٍ إذا ما هَمَّ بالمُضِىّ (٥) قال لَهَا هل لكِ يا تا فيِّ
قال: ووجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخْلُو من أن تكون في موضع نصب أو جر، فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما، وكالكاف في: أكبر منك (٦)، وهذا لك، فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة (٧) في قولك: هذا الشيء لَهُو، وضَرَبَهُو، ولحق الكاف أيضًا الزيادة (٨) في قول من قال: أعْطيْتُكاه وأعطيْتُكِيه، فيما حكاه سيبويه (٩) وهما أختا الياء، وكما لحقت
= البيت للعجلي بأنه رأه في كتابه انظر: "إبراز المعاني" ٣/ ٢٩٥، فواعجباً من دعوى الزجاج في استجهال هذا العَلَم.
(١) بلى هو مما يحتج به لتعضيد ثبوت قراءة متواترة تعرضت للإنكار.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٩، نقله بتصرف.
(٣) هم أبناء يربوع بن حنظلة بن مالك، من العدنانية، وبنوه: رياح، وثعلبة، والحارث، وعمرو، وصُبَير، كانوا يُسمَّون الأحمال وبنوه: كُليب، وغُدَانة، والعَنبر سُمُّوا العقداء؛ لأنهم تعاقدوا على أخيهم رياح، وصار الأحمال مع بني رياح. انظر: "الاشتقاق" ص ٢٢١، و"جمهرة أنساب العرب" ص ٢٢٨، ٤٦٧، و"نهاية الأرب" ص ٣٩٨.
(٤) ففي هذه اللغة ينطقون (فيَّ) هكذا (فِيِيّ) "المُوضح في وجوه القراءات" ٢/ ٧١٠، وما بين القوسين ساقط من (د).
(٥) في جميع النسخ (بالمرضي) والتصويب من المصدر.
(٦) في (أ)، (د): (أكرمتك)، والمثبت من (ش)، (ع)، وهو موافق للمصدر.
(٧) وهي الواو.
(٨) وهي الألف والياء.
(٩) "الكتاب" ٤/ ٢٠٠، وأمثلته مختلفة؛ فقد مثَل للمؤنث بـ: أُعْطِيكيها وأُعْطيكيه، وللمذكر بـ: أُعْطيكَاهُ وأُعْطيكَاها.

صفحة رقم 458

التاء الزيادة في نحو ما أنشد (١):

رَمَيْتِيهِ فأصمَيْتِ وما أخْطَاتِ الرَّمْيَه (٢)
كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المدّ، فقالوا: (فِيِّي) ثم حذفت الياءُ الزائدة على الياء (٣) كما حذفت من الهاء في قوله (٤):
وما لَهُ من مَجْدٍ تَلِيد (٥)
وكما حذفت الزيادة من الكاف، في قول من قال: أَعْطيْتُكه
(١) لم أقف على قائله، ونسبه عبد السلام هارون في فهرسته "للخزانة" ١٢/ ٢٨٠ للوليد بن يزيد (ت ١٢٦ هـ).
(٢) ورد في "الحجة للقراء" ٤/ ٤١٦، ٥/ ٣٠، و"مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٩، و"الفريد في الإعراب" ٣/ ١٦٠، و"إبراز المعاني" ٣/ ٢٩٧، و"الدر المصون" ٧/ ٩٣، و"الخزانة" ٥/ ٢٦٨، برواية (فأقصدتِ) بدل (فأصميْت) ولا يختلف المعنى؛ لأن معنى الكلمتين واحد، هو: القتل، والشاهد: زيادة الياء في (رميتيه) والأصل (رميته) دون ياء؛ كما قيل (أقصدت) بدون ياء.
(٣) في (ش)، (ع): (التاء)، والمثبت منسجم مع السياق وموافق للمصدر.
(٤) القائل هو الأعشى (جاهلي) أدرك الإسلام ولم يسلم، مات سنة (٧ هـ).
(٥) والبيت بتمامه:
وماله من مجد تليد ولا له من الريح حظٌّ لا الجنُوبُ ولا الصَّبَا
"ديوانه" ص ١٧٥، وروايته:
وما عنْده مجدٌ تليدٌ ولا لَهُ من الريح فضلٌ لا الجنُوبُ ولا الصَّبَا
وورد في "الكتاب" ١/ ٣٠، و"شرح شواهد الإيضاح" ٤٥٨، وورد بلا نسبة في "المقتضب" ١/ ٣٨، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٣٠، و"الإنصاف" ص ٤٠٧، والشاهد في قوله: (وماله) حيث اختلس ضمة الهاء اختلاساً ولم يشبعها حتى تنشأ عنها واو، لذلك فإن رواية الديوان ليس فيها الشاهد؛ لأن الهاء في (عنده) مشبعة غير مختلسة. "الانتصاف بهامش الإنصاف" ٢/ ٥١٦.

صفحة رقم 459

وأَعطيتُكِه (١)، كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختيها (٢) وأُقرَّت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة، فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسرة (٣)، فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه (٤) وإن كان غيرها أفشى منها، وعضَّده من القياس ما ذَكَرْنا، لم (٥) يجز لقائل أن يقول: إن القراءة بذلك لحن؛ لاستقامة (٦) ذلك في السماع والقياس (٧)، وما كان كذلك لا يكون لحنًا (٨).
قوله تعالى: ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ ما هاهنا بمعنى المصدر؛ أي: كفرت بإشراككم إيَّاي (٩) مع الله في الطاعة (١٠)، قال

(١) في جميع النسخ (أعطيتكيه)، والمثبت مصوب من المصدر وبه يستقيم الكلام.
(٢) أي الزيادة في الهاء والكاف في الأمثلة السابقة.
(٣) توضيح ذلك: أن اللفظة على لغة بني يربوع (مصرِخِيِّيِ) فحذفت الياءُ الثانية فأصبحت (مصرِخِيِّ).
(٤) أي لغة بني يربوع.
(٥) في (د): (مالم).
(٦) هكذا في جميع النسخ، وفي المصدر (لاستفاضة) وهو أصوب لأن الاستفاضة من عوارض الرواية.
(٧) الأصل في القراءة الرواية والسماع لا القياس؛ لأن القراءة سنة متَّبعة فإذا ثبتت الرواية، لم تفتقر إلى قياس ولم يردها قياس، يقول أبو عمرو الداني -رحمه الله-: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية، إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها. "النشر" ١/ ١٠.
(٨) "الحجة للقراء" ٥/ ٢٩، وهو نقل طويل من قوله: قال أبو علي، تصرّف فيه بالتقديم والتأخير والاختصار.
(٩) في (أ)، (د): (آياتي)، والمثبت من (ش)، (ع).
(١٠) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٥٧، و"الفخر الرازي" ١٩/ ١١٥، و"تفسير =

صفحة رقم 460
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية