آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

والمحيص يكون مصدراً، كالمغيب والمشيب. ومكانا، كالمبيت والمصيف. ويقال: حاص عنه وجاض، بمعنى واحد.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٢]
وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ لما قطع الأمر وفرغ منه، وهو الحساب، وتصادر الفريقين ودخول أحدهما الجنة ودخول الآخر النار. وروى أنّ الشيطان يقوم عند ذلك خطيباً «١» في الأشقياء من الجنّ والإنس فيقول ذلك إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم وَوَعَدْتُكُمْ خلاف ذلك فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني، وليس الدعاء من جنس السلطان، ولكنه كقولك: ما تحيتهم إلا الضرب. فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ حيث اغتررتم بى وأطعتمونى إذ دعوتكم، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم. وهذا دليل على أنّ الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه، «٢» وليس من الله إلا التمكين، ولا من الشيطان إلا التزيين. ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقال: فلا تلوموني ولا أنفسكم، فإنّ الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه. فإن قلت:

(١). قال محمود: «روى أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيبا... الخ» قال أحمد: قد حمل قول الكفار في الآية الأولى على إبطال الانتحال، لأنه لا يلائم معتقده، واستشهد على أن الكذب حينئذ غير ممتنع ولا متعذر بقول تعالى فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ثم لما ظن أن قول الشيطان هذا يلائم معتقده، اجتهد في الاستدلال على تصويبه وتصحيحه وإن كان قائله الشيطان، كل ذلك منه اتباع للهوى حيثما توجه وأية سلك. ونحن معاشر أهل السنة الملقبين عنده بالمجبرة نقول: إن الله تعالى إنما أورد هذا الكلام غير راد له، ولا مخطئ فيه الشيطان، كما اقتص كلام الكفار في الآية الأولى كذلك. ونحن نعتقد أن الملامة إنما تتوجه على المكلف وأما الله تعالى فمقدس عن ذلك.
وحجته البالغة، وقضاؤه الحق. وذلك أنا نعترف بما خلقه الله تعالى للعبد من الاختيار الذي يجده من نفسه عند تجاذب طرفى الأفعال الارادية ضرورة، وبذلك قامت الحجة له على خلقه، وإن سلبنا عن قدرة الخلق تأثيرها في الفعل، فلا تناقض إذاً بين عقيدة السنة وبين صرف الملامة إلى المكلف، والله الموفق. [.....]
(٢). قوله «يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه» هذا مذهب المعتزلة، وقوله «المجبرة» يعنى أهل السنة، ومذهبهم أن الله هو الخالق لأسباب السعادة وأسباب الشقاوة، لكن العبد له فيها الكسب. ومن هذا يتوجه عليه اللوم، خلافا للمعتزلة في قولهم: إن العبد هو الخالق لها، وهو الذي يحصل لنفسه. وتحقيقه في علم التوحيد. (ع)

صفحة رقم 550

قول الشيطان باطل لا يصح التعلق به. قلت: لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره، على أنه لا طائل له في النطق بالباطل في ذلك المقام: ألا ترى إلى قوله إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ كيف أتى فيه بالحق والصدق، وفي قوله وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ وهو مثل قول الله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب الله ولا يغيثه. والإصراخ: الإغاثة. وقرئ: بمصرخي، بكسر الياء وهي ضعيفة، واستشهدوا لها ببيت مجهول:

قَالَ لَهَا هَلْ لَكِ يَا تَافِىِّ قَالَتْ لَهُ مَا أنْتَ بِالمَرْضِى «١»
وكأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء ساكنة، فحرّكها بالكسر لما عليه أصل التقاء الساكنين، ولكنه غير صحيح، لأنَّ ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة، حيث قبلها ألف في نحو عصاي، فما بالها وقبلها ياء؟ فإن قلت: جرت الياء الأولى مجرى الحرف الصحيح لأجل الإدغام، فكأنها ياء وقعت ساكنة بعد حرف صحيح ساكن، فحرّكت بالكسر على الأصل.
قلت: هذا قياس حسن، ولكن الاستعمال المستفيض الذي هو بمنزلة الخبر المتواتر تتضاءل إليه القياسات. «ما» في بِما أَشْرَكْتُمُونِ مصدرية، ومِنْ قَبْلُ متعلقة بأشركتمونى، يعنى: كفرت اليوم بإشراككم إياى من قبل هذا اليوم، أى في الدنيا، كقوله تعالى وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ومعنى كفره بإشراكهم إياه: تبرؤه منه واستنكاره له، كقوله تعالى إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وقيل: مِنْ قَبْلُ يتعلق بكفرت.
وما موصولة، أى: كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أَشركتمونيه وهو الله عز وجل، تقول: شركت زيداً، فإذا نقلت بالهمزة قلت: أَشركنيه فلان، أى: جعلني له شريكا.
ونحو «ما» هذه «ما» في قولهم: سبحان ما سخركنّ لنا. ومعنى إشراكهم الشيطان بالله: طاعتهم
(١).
قال لها هل لك يا تافىّ قالت له ما أنت بالمرضى
ماض إذا ما هم بالمضي
قائله مجهول. وتا: اسم إشارة، أى: هل لك يا هذه المرأة رغبة في. وأصل ياء المتكلم السكون، فان حركت فبالفتح، لكن لما التقت هنا ساكنة مع الياء قبلها ساغ كسرها، على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.
وقالت: استئناف، كأنه قيل له: فماذا قالت؟ فقال: قالت له لست مرضيا، فإنك رجل ماض في كل أمرتهمّ فيه، فماض: خبر لمبتدإ محذوف. والجملة: استئناف جواب للسؤال عن علة عدم الرضا. وعبر بضمير الغيبة في قوله: هم نظراء للخير. ويجوز تقدير المبتدأ لفظ «هو» فيكون التفاتا من الخطاب إلى الغيبة، دلالة على الاعراض عنه، وذكر السبب لغيره.

صفحة رقم 551
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية