آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ، وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»
وورد في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت «يا رسول الله إن ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه؟ قال لا ينفعه، لأنه لم يقل:
رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين»
.
(ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) أي ذلك السعى والعمل على غير أساس ولا استقامة، حتى فقدوا ثوابهم منه أحوج ما كانوا إليه، هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب.
ثم ذكر دليل وحدانيته فقال:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) أي ألم تعلم أيها الرسول أن الله أنشأ السموات والأرض بالحكمة وعلى الوجه الصحيح الذي يحق أن يخلقا عليه، ومن قدر على خلقهما على أتم نظام وأحكم وضع بلا معين ولا ظهير، فهو قادر على أن يفنيكم ويأتى بخلق جديد سواكم، وما ذلك بممتنع ولا متعذر عليه ومثل الآية قوله: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
وخلاصة ذلك- إنهم بعدوا فى الضلال وأمعنوا فى الكفر بالله، مع وضوح الآيات الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة، وأنه هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخشى عقابه.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)

صفحة رقم 142

تفسير المفردات
وبرزوا: أي صاروا بالبراز وهى الأرض المتسعة، ويراد بها مجتمع الناس فى ذلك اليوم والضعفاء: واحدهم ضعيف، ويراد به ضعيف الرأى والفكر، والذين استكبروا:
هم رؤساؤهم الذين استنفروهم، والتبع: واحدهم تابع كخادم وخدم، مغنون: أي دافعون، ومحيص: أي منجى ومهرب، والسلطان: التسلط، بمصر حكم: أي بمغيثكم، يقال استصرخنى فأصرخته: أي استغاثني فأغثته.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما يلقاه الأشقياء فى ذلك اليوم من العذاب، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت فى الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئا- ذكر هنا محاورة بين الاتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين، وما يحدث فى ذلك الوقت من الخجل لهم، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس. وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ فى بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.

صفحة رقم 143

الإيضاح
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أي برزت الخلائق كلها برّها وفاجرها لله الواحد القهار: أي اجتمعت فى براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شىء يستر أحدا.
(فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) أي فقال الأتباع لقادتهم وسادتهم الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن اتباع قول الرسل: إنا كنا تابعين لكم، تأمروننا فنأتمر وتنهوننا فتنتهى.
(فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي فهل تدفعون عنا اليوم شيئا من ذلك العذاب كما كنتم تعدوننا وتمنوننا فى الدنيا.
وقد حكى الله رد أولئك السادة عليهم.
(قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ) أي لو أرشدنا الله تعالى، وأضاء أنوار بصائرنا وأفاض علينا من توفيقه ومعونته، لأرشدناكم ودعوناكم إلى سبل الهدى، ووجهنا أنظاركم إلى طريق الخير والفلاح، ولكنه لم يهدنا فضللنا السبيل فأضللناكم.
ولما كان هذا القول منهم أمارة الجزع قالوا:
(سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي ليس لنا مهرب ولا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا أو جزعنا.
وخلاصة ذلك- سيّان الجزع والصبر، فلا نجاة لنا من عذاب الله.
وفى مثل الآية قوله: «وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ» وقوله: «رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً».

صفحة رقم 144

ولما ذكر سبحانه المناظرة التي ستكون بين الاتباع والرؤساء أردفها المناظرة التي ستكون بين الشيطان وأتباعه حينئذ فقال:
(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي وقال إبليس مخاطبا أتباعه من الإنس، بعد أن حكم الله بين عباده فأدخل المؤمنين فراديس الجنات، وأسكن الكافرين سحيق الدركات.
(إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) أي إن الله وعدكم على ألسنة رسله بالبعث وجزاء كل عامل على عمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ووعده حق وخبره صدق.
(وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) أي ووعدتكم أن لا جنّة ولا نار، ولا حشر ولا حساب، ولئن كانا فنعم الشفيع لكم الأصنام والأوثان، فأخلقتكم موعدى إذ لم أقل إلا بهرجا من القول وباطلا منه، فاتبعتمونى وتركتم وعد ربكم، وهو وليّكم ومالك أمركم.
ونحو الآية قوله: «يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً».
(وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي وما كان لى قوة وتسلط تجعلنى ألجئكم إلى متابعتى على الكفر والمعاصي.
(إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أي ولكن بمجرد أن دعوتكم إلى الضلال بوسوستي وتزيينى، أسرعتم إلى إجابتى، واتبعتم شهوات النفوس، وأطعتم الهوى، وخضتم فى مسالك الردى.
(فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) لأنه ما كان منى إلا الدعاء وإلقاء الوسوسة، ولوموا أنفسكم، إذا استجبتم لى باختياركم الذي نشأ عن سوء استعدادكم بلا حجة منى ولا برهان، بل بتزيينى وتسويلى، ولم تستجيبوا لربكم وقد دعاكم دعوة الحق المقرونة بالحجج والبينات.
(ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) أي ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب فأزيل صراحكم، وما أنتم بمغيثىّ مما أنا فيه من العذاب والنكال.

صفحة رقم 145

(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أي إنى جحدت اليوم أن أكون شريكا لله فيما أشركتمونى فيه من قبل هذا اليوم أي فى الدنيا، وهذا كقوله: «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ».
ومعنى كفره بإشراكهم تبرؤه منه واستنكاره له، وهذا كقوله تعالى: «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ».
(إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي قال إبليس ذلك، قطعا لأطماع الكفار من الإغاثة والنجاة من العذاب، وإنما حكى الله ذلك عنه ليكون تنبيها للسامعين، وحضّا لهم على النظر فى عاقبة أمرهم، والاستعداد لذلك اليوم الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، فيثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم ويتذكروا هول ذلك الموقف ورهبته.
ولما جمع سبحانه فريقى السعداء والأشقياء فى قوله: «وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» وبالغ فى وصف حال الأشقياء من وجوه كثيرة- ذكر حال السعداء وما أعد لهم من نعيم مقيم فى ذلك اليوم فقال:
(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي وأدخل الذين صدقوا الله ورسوله، فأقروا بوحدانيته تعالى ورسالة رسله، وعملوا بطاعته، فانتهوا إلى أمره ونهيه، بساتين تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا، لا يتحولون عنها ولا يزولون منها.
(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتوفيقه تعالى، إذ وجّه نفوسهم فى الدنيا لكسب الخيرات، والميل إلى العمل بما يرضيه ويرضى رسوله، وأنار بصائرهم للاعتقاد بأن يوم الجزاء آت لا ريب فيه، فأعدّوا له العدّة، فكان على الله بمقتضى وعده أن يدخلهم جناته كفاء ما جدّوا فى رضاه، ونصبوا فى طاعته، خوفا من هول ذلك اليوم العصيب.
(تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي تحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم، تعظيما لشأنهم وعناية بأمرهم، وجاء فى هذا المعنى قوله تعالى فى وصف دخولهم الجنة: «حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم» وقوله: «وَالْمَلائِكَةُ

صفحة رقم 146
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية