
مهمة الرّسول تبليغ الشّريعة والله شاهد له ومحاسب وحاكم بين العباد ومحبط مكر الكفار
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣)
الإعراب:
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ مَنْ: إما اسم موصول، وعِنْدَهُ: صلته، وإما نكرة موصوفة، وعِنْدَهُ الصفة. ومحله: إما الجرّ عطفا على لفظ المجرور في قوله تعالى:
كَفى بِاللَّهِ، وإما الرّفع عطفا على موضعه لأن موضعه الرّفع لأن تقديره: كفى الله.
وذلك مثل: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر ٣٥/ ٣] إما بالجرّ حملا على اللفظ، أو بالرّفع حملا على الموضع. وعِلْمُ الْكِتابِ مرفوع بالظّرف عِنْدَهُ لأن الظّرف إذا وقع صلة أو صفة فإنه يرفع كما يرفع الفعل. لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ محل ذلك النّصب على الحال، أي يحكم نافذا حكمه.
البلاغة:
فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ قصر إضافي من قصر الموصوف على الصفة، أي ليس لك إلا صفة التّبليغ.

المفردات اللغوية:
وَإِنْ ما فيه إدغام نون. «إن» الشّرطية في «ما» المزيدة. نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ به من العذاب في حياتك، وهو فعل الشّرط، وجوابه محذوف، أي فذاك. أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل تعذيبهم. فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ ما عليك إلا البلاغ. وَعَلَيْنَا الْحِسابُ إذا صاروا إلينا، فنجازيهم.
أَوَلَمْ يَرَوْا أي أهل مكة. أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ أي أرض الحياة التي يعيشون فيها.
أَطْرافِها جوانبها، والنقص منها بما نفتحه على المسلمين منها. وَاللَّهُ يَحْكُمُ في خلقه بما يشاء. لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ لا رادّ ولا مبطل له، والمعقّب: الذي يتعقّب الشيء فيبطله بالنّقد، ويقال لصاحب الحقّ: معقّب لأنه يتابع غريمه المدين بالطّلب، والمعنى: أنه حكم للإسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار، وذلك كائن لا يمكن تغييره. وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ يحاسبهم عما قريب في الآخرة بعد ما عذّبهم بالقتل والإجلاء في الدنيا.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم بأنبيائهم، كما مكروا بك. والمكر: إرادة الشيء في خفية. فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً أي لا يؤبه بتدبير دون تدبيره، فإنه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره. يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ فيعدّ جزاءها، وهذا هو المكر «التّدبير» كلّه لأنه يأتيهم به من حيث لا يشعرون. وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ المراد به كلّ كافر. لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ أي العاقبة المحمودة في الدّار الآخرة، ألهم، أم للنّبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على صدقي. وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أي المطّلع على حقيقة الكتاب الإلهي من مؤمني اليهود والنّصارى. ومن هاهنا: لابتداء الغاية.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى اقتراح المشركين إنزال آيات واستعجال العذاب، ذكر هنا احتمال وقوع ما توعّدوا به، وبيان أن وظيفة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم التّبليغ، وأن آثار حصول تلك المواعيد وعلاماتها قد ظهرت وقويت، بفتح المسلمين جوانب الأرض، وأن الله يحكم في خلقه ما يريد.
ثم أبان أنّ مكر هؤلاء المشركين ومن تقدّمهم لا يضرّ المسلمين شيئا، فالنّصر سيكون لهم، والهزيمة والعذاب لغيرهم.

ثمّ ردّ الله على اليهود الذين أنكروا رسالة النّبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه شاهد له بالصّدق، وحسبه شهادة الله ومن آمن من أهل الكتاب.
التفسير والبيان:
إن أريناك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد أعداءك المشركين وغيرهم من الخزي والنّكال في الدّنيا، أو نتوفينّك قبل أن نريك ذلك، فما عليك إلا تبليغ رسالة ربّك، وإنما أرسلناك لتبلّغهم رسالة الله، وقد فعلت ما أمرت به، وليس عليك التّوصل إلى صلاحهم، فإنما علينا حسابهم وجزاؤهم على الخير والشّرّ، كقوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ، إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ [الغاشية ٨٨/ ٢١- ٢٦].
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ.. أي أنسي هؤلاء المشركون في مكة أو شكّوا أنّا نأتي الأرض، فنفتحها لك أرضا بعد أرض، وتنتصر عليهم، وتمتد رقعة الإسلام، وتتقلّص رقعة الكفر، ويدخل النّاس في دين الله أفواجا، كقوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها، أَفَهُمُ الْغالِبُونَ [الأنبياء ٢١/ ٤٤].
وتدلّ الآية في نطاق العلم الحديث على كون الأرض مفلطحة بيضاوية، ليست كرة تامّة التّدوير، بل هي ناقصة الأطراف.
وأما في الماضي فيراد بالآية كما أوضحت ظهور الإسلام على الشّرك قرية بعد قرية، كقوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى [الأحقاف ٤٦/ ٢٧].
وقال ابن عباس: المراد موت أشرافها وكبرائها وعلمائها وذهاب الصّلحاء والأخيار. ولكن اللائق الرّأي الأول، كما قال الواحدي.
وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أي والله يقضي القضاء المبرم، ولا يرد حكمه

النّافذ، فلا رادّ لقضائه، ولا يستطيع أحد أن يطعن فيه أو يبطله أو ينقضه، ومن حكم الله تعالى أن الأرض يرثها عباده الصّالحون بالعدل والإصلاح والعمران.
وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ أي والله محاسب عباده قريبا في الآخرة، وعقابه آت لا محالة، فلا تستعجل عقابهم، فإن الله معذّبهم في الآخرة بعد أن عذّبهم في الدّنيا بالقتل والأسر والخزي والذّل والنّكال.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.. هذا تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم على مكائد قومه، وتصبير له على أذاهم، فإن النّصر له في النّهاية حتما، أي لقد مكر الكفار السابقون برسلهم، وأرادوا إخراجهم من بلادهم، وعذّبوهم، كما فعل النّمرود بإبراهيم، وفرعون بموسى، واليهود بعيسى، وكما فعلت عاد وثمود وإخوان لوط، فمكر الله بهم، وجعل العاقبة للمتّقين، أي دبّر لهم ما أوقعهم في الهلاك بسبب ظلمهم وفسادهم.
فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً أي لا يؤبه بتدبير دون تدبيره، ولا يضرّ مكر الماكرين إلا بإذنه تعالى، ولا يؤثر إلا بمشيئته وتقديره، فلا خوف إلا منه.
وهذا كقوله تعالى في مكر المشركين بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم قبيل الهجرة: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال ٨/ ٣٠]، وقوله سبحانه: وَمَكَرُوا مَكْراً، وَمَكَرْنا مَكْراً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النّمل ٢٧/ ٥٠- ٥٢].
يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ أي أنه تعالى عالم بجميع السّرائر والضّمائر، وسيجزي كلّ عامل بعمله، فينصر أولياءه، ويعاقب الماكرين.

وهذا وعيد شديد وتهديد لكلّ كافر ماكر، وتسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم وأمان له من مكرهم.
وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ.. أي وسيتحقق الكفار يوم القيامة لمن العاقبة المحمودة من الفريقين: المؤمنين والكافرين، حيث تكون العاقبة لأتباع الرّسل في الدّنيا والآخرة، ففي الدّنيا النّصر، وفي الآخرة الجنّة.
ثمّ ردّ الله على منكري نبوّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. أي يقول الكافرون الجاحدون نبوّتك: لست رسولا مرسلا من عند الله، تدعو النّاس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتنقذهم من الظّلمات إلى النّور، ومن عبادة الأصنام والأوثان، إلى عبادة الله الواحد الأحد، ومن الظّلم والفساد إلى العدل والصّلاح.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسقف من اليمن، فقال له عليه الصّلاة والسّلام: «هل تجدون في الإنجيل رسولا؟»، قال: لا، فأنزل الله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَسْتَ مُرْسَلًا الآية.
قُلْ: كَفى بِاللَّهِ.. قل يا محمد لهم: حسبي وكفايتي أن الله شاهد لي بصدق رسالتي، ومؤيّد دعوتي، بما أنزله عليّ من القرآن المعجز، ومن الآيات البيّنات الدّالّة على صدقي، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح ٤٨/ ٢٨].
وكفاني أيضا بعد شهادة الله شهادة علماء أهل الكتاب الذين آمنوا من اليهود والنّصارى، بما وجدوه لديهم في التّوراة والإنجيل من بشارة برسالتي، وعلامات لا تنطبق على من سواي، وهم عبد الله بن سلام- اليهودي الأصل- وأصحابه.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: كان من أهل الكتاب قوم

يشهدون بالحقّ ويعرفونه، منهم عبد الله بن سلام، والجارود، وتميم الدّاري، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم.
وذلك كما دلّت آية أخرى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة ٢/ ١٤٦].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إنّ مهمّة الرّسول مقصورة على إبلاغ الرّسالة للأمّة، وليس عليه هداهم وصلاحهم.
٢- الله تعالى هو الذي يحقّق الأحداث والوقائع، فينجز الوعد والوعيد، وينزل العقاب الشّديد متى شاء، وقد يكون ذلك في حال حياة النّبي صلّى الله عليه وسلّم أو بعد وفاته.
٣- الله تعالى هو المتكفّل القائم بحساب العباد على ما قدّموا من خير أو شرّ.
٤- إن امتداد رقعة الإسلام واتّساع الفتوحات الإسلامية، وانحسار الكفر وتضييق رقعة بلاد الكافرين بيد الله تعالى وحده.
٥- إن الأرض ليست تامّة الكروية، وإنما هي مفلطحة بيضاوية ناقصة الأطراف والتّكوير.
٦- لا رادّ لقضاء الله تعالى ولا معقّب لحكمه، ولا يستطيع أحد تعقيب حكمه بنقص أو نقض أو إبطال أو تغيير.
٧- الله تعالى سريع الحساب من العباد، أي الانتقام من الكافرين، سريع الثّواب للمؤمن.
٨- تخيب أو تفشل كلّ مخططات الأعداء الكافرين ومكائدهم أمام تدبير الله

تعالى، ولا يضرّ مكرهم إلا بإذنه تعالى، وفي هذا تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، وشدّ من عزيمته، وبيان أن النّصر في النّهاية له، وأنّ الدّائرة ستدور على الكفار.
٩- يعلم الله ما تعمل به كلّ نفس من خير وشرّ، فيجازي عليه.
١٠- سيتحقق الكفار لمن العاقبة المحمودة، أي عاقبة دار الدّنيا ثوابا وعقابا، أو لمن الثّواب والعقاب في الدّار الآخرة، وهذا تهديد ووعيد.
١١- إن إنكار مشركي العرب واليهود رسالة النّبي صلّى الله عليه وسلّم وقولهم له: لست بنبيّ ولا رسول، وإنما أنت متقوّل، لما لم يأتهم بما اقترحوا من الآيات، إن إنكارهم لا يغض من الحقيقة شيئا، ولا يغيّر من الواقع، وكفى بالله شهيدا على صدقه، وحسبه شهادة مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الدّاري، والنّجاشي وأصحابه.
لكن قال ابن جبير: السّورة مكيّة، وابن سلام أسلم بالمدينة بعد هذه السّورة، فلا يجوز أن تحمل الآية على ابن سلام، فمن عنده علم الكتاب جبريل، وهو قول ابن عباس. وقال الحسن ومجاهد والضّحّاك: هو الله تعالى.
وأما من قال: إنهم جميع المؤمنين فصدق لأن كلّ مؤمن يعلم الكتاب، ويدرك وجه إعجازه، ويشهد للنّبي صلّى الله عليه وسلّم بصدقه. والكتاب على هذا هو القرآن الكريم «١».
ويجوز أن يكون المراد به: الذي حصل عنده علم التّوراة والإنجيل، يعني:
أن كلّ من كان عالما بهذين الكتابين، علم اشتمالهما على البشارة بمقدم محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإذا أنصف ذلك العالم ولم يكذب، كان شاهدا على أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول حقّ من عند الله تعالى «٢».
(٢) تفسير الرّازي: ١٩/ ٧٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة إبراهيم عليه السلاممكية وهي اثنتان وخمسون آية.
تسميتها:
سمّيت سورة إبراهيم لاشتمالها على جزء من قصّة إبراهيم أبي الأنبياء عليه السّلام، يتعلّق بحياته في مكّة، وصلته بالعرب وإسماعيل، وأنّ إبراهيم وإسماعيل بنيا البيت الحرام، وأنهما كانا يدعو ان الله تعالى بالهداية، وأن إبراهيم دعا أن يجنّبه وبنيه عبادة الأصنام، وأن يرزق زوجته وابنه إسماعيل اللذين أسكنهما في مكّة من الثّمرات، وأن يجعله هو وذريّته مقيمي الصّلاة، وذلك في الآيات [٣٥- ٤١].
مناسبتها لما قبلها:
هذه السّورة امتداد لما ذكر في سورة الرّعد، وتوضيح لما أجمل فيها، فكلّ منهما تحدّث عن القرآن، ففي سورة الرّعد ذكر تعالى أنه أنزل القرآن حكما عربيا [الآية ٣٧]، وهنا ذكر حكمة ذلك والغاية من تنزيل القرآن، وهي إخراج الناس من الظّلمات إلى النّور بإذن الله [الآية: ١].
وكلّ منهما ذكر فيه تفويض إنزال الآيات الكونية إلى الله وبإذنه، فقال تعالى في سورة الرّعد: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [٣٨]، وهنا ذكر ذلك على لسان الرسل: ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [١١]. صفحة رقم 197

وفي كليهما ذكرت الآيات الكونية من رفع السّماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشّمس والقمر، وجعل الرّواسي في الأرض، وخلق الثّمرات المختلفة الطّعوم والألوان.
وتعرّضت السّورتان لإثبات البعث، وضرب الأمثال للحقّ والباطل، والكلام على مكر الكفار وكيدهم وعاقبته، والأمر بالتّوكّل على الله تعالى.
ما اشتملت عليه هذه السّورة:
اشتملت سورة إبراهيم على ما يأتي:
١- إثبات أصول العقيدة من الإيمان بالله وبالرّسل وبالبعث والجزاء، وإقرار التّوحيد، والتّعريف بالإله الحقّ خالق السّموات والأرض، وبيان الهدف من إنزال القرآن الكريم، وهو إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور، واتّحاد مهمّة الرّسل ودعوتهم في أصول الاعتقاد والفضائل وعبادة الله والإنقاذ من الضّلال.
٢- الوعد والوعيد: ذمّ الكافرين ووعيدهم على كفرهم وتهديدهم بالعذاب الشّديد، ووعد المؤمنين على أعمالهم الطّيّبة بالجنان [الآية ٢، والآية ٢٣، والآيات ٢٨- ٣١].
٣- الحديث عن إرسال الرّسل بلغات أقوامهم، لتسهيل البيان والتّفاهم [الآية ٤].
٤- تسلية الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ببيان ما حدث للرّسل السّابقين مع أقوامهم: قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، والتّذكير بعقابهم، كما في الآيات [٩- ١٢]، والآيات [١٣- ١٨].