آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

وَمَنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ أَثْبَتَهُ وَرَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ الْآيَةَ (الزُّمَرُ -٤٢). ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أَيْ: أَصْلُ الْكِتَابِ، وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمَا كِتَابَانِ: كِتَابٌ سِوَى أُمِّ الْكِتَابِ، يَمْحُو مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَأُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دَفَّتَانِ مِنْ يَاقُوتٍ، لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ لَحْظَةً ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ وَسَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: عِلْمُ اللَّهِ، مَا هُوَ خَالِقٌ، وَمَا خَلْقُه عاملون (١).
﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١) ﴾.
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ مِنَ الْعَذَابِ قَبْلَ وَفَاتِكَ، ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قَبْلَ ذَلِكَ، ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا ذَلِكَ، ﴿وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ الْجَزَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، الَّذِينَ يَسْأَلُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَاتِ، ﴿أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ فَتْحُ دِيَارِ (٢) الشِّرْكِ، فَإِنَّ مَا زَادَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ نَقَصَ مِنْ دِيَارِ الشِّرْكِ، يَقُولُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ فَنَفْتَحُهَا لِمُحَمَّدٍ أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ حَوَالَيْ أَرْضِهِمْ، أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ؟ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ (٣).

(١) ورجح الطبري من هذه الأقوال قول الحسن ومجاهد، لأن الله تعالى ذكره توعد المشركين الذين سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيات بالعقوبة، وتهددهم بها، وقال لهم: "وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب"، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب، هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل. ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل، يجيء الله بما شاء ممن قد دنا أجله وانقطع رزقه، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مال، فيقضي ذلك في خلقه، فذلك محوه، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه. وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم ساق حديث أبي الدرداء الذي سبق تخريجه آنفا. انظر: تفسير الطبري: (١٦ / ٤٨٨-٤٨٩).
(٢) في "ب": بلاد.
(٣) انظر: الطبري: ١٦ / ٤٩٣-٤٩٤.

صفحة رقم 326

وَقَالَ قَوْمٌ: هو خراب ١٩٢/أالْأَرْضِ، مَعْنَاهُ: أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ فَنُخَرِّبُهَا، وَنُهْلِكُ أَهْلَهَا، أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ (١) ؟
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ خَرَابُ الْأَرْضِ وَقَبْضُ أَهْلِهَا (٢).
وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَبْضُ النَّاسِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ: نُقْصَانُهَا مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، وَذَهَابُ الْفُقَهَاءِ (٣).
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (٤).
وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ (٥).
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ (٦).
وَقَالَ عَلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا مَثَلُ الْفُقَهَاءِ كَمَثَلِ الْأَكُفِّ إِذَا قُطِعَتْ كَفٌّ لَمْ تَعُدْ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ، فَإِذَا هَلَكَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ هَلَكَ النَّاسُ.
وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: هَلَاكُ عُلَمَائِهِمْ (٧).

(١) الطبري: ١٦ / ٤٩٤.
(٢) انظر: الطبري ١٦ / ٤٩٥.
(٣) تفسير الطبري: ١٦ / ٤٩٧، الدر المنثور: ٤ / ٦٦٥-٦٦٦، وأخرج الحاكم في المستدرك: ٢ / ٣٥٠ عن ابن عباس في معنى الآية قال: ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها.
(٤) أخرجه البخاري في العلم، باب كيف يقبض العلم: ١ / ١٩٤، ومسلم في العلم، باب رفع العلم وقبضه، برقم (٢٦٧٣) : ٤ / ٢٠٥٨، والمصنف في شرح السنة: ١ / ٤.
(٥) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ص (٢٤٠) عن الحسن.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: ١٠ / ٢٥٢، والطبراني في الكبير: ٩ / ١٨٩، والدارمي في مقدمة السنن: ١ / ٥٤، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: ١ / ٤٣، والبيهقي في المدخل إلى السنن ص (٢٧٢) وقال: هذا مرسل، وروي موصولا من طريق الشاميين. وانظر تعليق الدكتور محمد الأعظمي في الموضع نفسه.
(٧) قال الطبري في التفسير: (١٦ / ٤٩٧-٤٩٨) "وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ مَنْ قال: "أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها"، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها وقهرهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك، فيخافون ظهورهم على أرضهم وقهرهم إياهم؟ وذلك أن الله توعَّد الذين سألوا رسوله الآيات من مشركي قومه بقوله: "وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب"، ثم وبَّخَهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم بما يعاينون من فعل الله بضربائهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآيات، فقال: "أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" بقهر أهلها، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بما يرون من ذلك".

صفحة رقم 327
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية