آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

سورة الرعد
مدنية قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّها مكّيّة إلّا آيتين، قوله: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا، وقوله وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.
وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وست أحرف وثمان و [..........] «١» وخمسون كلمة وثلاث وأربعون آية.
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب مضى وكلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد الله عزّ وجلّ» [١٣٠] «٢».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)
المر قال ابن عباس: معناه: أنا الله أعلم وأرى تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ يعني تلك الأخبار التي قصصناها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة وَالَّذِي أُنْزِلَ يعني وهذا القرآن الذي أنزل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هو الْحَقُّ فاعتصم به واعمل بما فيه، فيكون محلّ الَّذِي رفعا على الابتداء و (الْحَقُّ) خبره، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة، ويجوز أن يكون محلّ
(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) تفسير مجمع البيان: ٦/ ٥.

صفحة رقم 267

(الَّذِي) خفضا يعني تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ثم ابتداء الحقّ يعني ذلك الحقّ كقوله: وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ يعني ذلك الحقّ.
وقال ابن عباس: أراد بالكتاب القرآن فيكون معنى الآية على هذا القول: هذه آيات الكتاب يعني القرآن، ثمّ قال: وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربّك هو الحقّ، قال الفرّاء: وإن شئت جعلت (الَّذِي) خفضا على أنّه نعت الكتاب وإن كانت فيه الواو كما تقول في الكلام: أتانا هذا الحديث عن أبي حفص والفاروق وأنت تريد ابن الخطّاب، قال الشاعر:

أنا الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم «١»
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ قال مقاتل: نزلت هذه الآية في مشركي مكّة حين قالوا:
إنّ محمّدا يقول القرآن من تلقاء نفسه، ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل:
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه؟ وقوله: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء، يقال: عمود وعمد مثل أديم وأدم، وعمدان، وكذا مثل رسول ورسل، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد، ومثل إهاب وأهب، قال النابغة:
وخيس الجنّ إنّي قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصّفاح والعمد «٢»
واختلفوا في معنى الآية فنفى قوم العمد أصلا، وقال: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ وهو الأقرب الأصوب، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: يعني ليس من دونها دعامة تدعهما، ولا فوقها علاقة تمسكها، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبر، وقال آخرون: معناه: الله الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر:
إذا أعجبتك الدهر حال من أمرى فدعه وأوكل «٣» حاله واللياليا
تهين «٤» على ما كان عن صالح به فان كان فيما لا يرى الناس آليا «٥»
معناه: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو. وقال الآخر:
(١) جامع البيان للطبري: ٢/ ١٣٧.
(٢) لسان العرب: ٤/ ٢٩١.
(٣) في المصدر: وواكل.
(٤) في المصدر: يجئن.
(٥) تفسير الطبري: ١٢٣.

صفحة رقم 268

ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي نكبة وتنكرها «١»
معناه: أراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد.
ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ علا عليه وقد مضى تفسيره، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي ذلّلها لمنافع خلقه ومصالح عباده كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قدّر له، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويخسف القمر وتنكدر النجوم، وقال ابن عباس: أراد بالأجل المسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها.
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال مجاهد: يقضيه وحده يُفَصِّلُ الْآياتِ ينتهيان، لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ بسطها، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ جبالا، واحدتها راسية وهي الثابتة، يقال: إنّما رسيت السفينة، وأرسيت الوتد في الأرض إذا أثبتّها، قال الشاعر:
حبّذا ألقاه سائرين وهامد وأشعث أرست الوليدة بالفهر
قال ابن عباس: كان أبو قبيس أوّل جبل وضع على الأرض، وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ صنفين وضربين اثْنَيْنِ: قال أبو عبيدة يكون الزوج واحدا واثنين، وهو هاهنا واحد، قال القتيبي: أراد من كلّ الثمرات لونين حلوا وحامضا يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يستدلّون ويعتبرون وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أبعاض متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار ويختلف بالتفاضل، ومنها عذبة ومنها طيبة ومنها طيبة منبت لأنها بجنته ومنها سبخة لا تنبت.
وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ رفعها ابن كثير وأبو عمرو عطفا على الجنات، وكسرها الآخرون عطفا على الأعناب. والصنوان جمع صنو، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد فيكون الأصل واحد، ويتشعب به الرءوس فيصير نخلا، كذا قال المفسرون، قالوا: صِنْوانٌ مجتمع وَغَيْرُ صِنْوانٍ متفرق.
قال أهل اللغة: نظيرها في كلام العرب، صِنْوانٌ واحد، واحدها صنو والصنو المثل وفيه قيل: شمّ الرجل صنوانه ولا فرق فيهما بين التثنية والجمع إلّا بالإعراب وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة تجري جريان الإعراب.
خالفوا كلهم على خفض الصاد من صنوان إلّا أبا عبد الرحمن السلمي فإنه ضم صاده.
(١) مغني اللبيب: ٢/ ٣٩٣، وتفسير الطبري: ١٣/ ١٢٣.

صفحة رقم 269

يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ. قرأ عاصم وحميد وابن الحسن وابن عامر: بالياء على معنى يسقى ذلك كله بماء واحد.
وقرأ الباقون: بالتاء لقوله جَنَّاتٌ.
واختاره أبو عبيد قال: وقال أبو عمرو: مما يصدق التأنيث قوله بَعْضَها عَلى بَعْضٍ ولم يقل بعضه. وَنُفَضِّلُ. قرأ الأعمش وحمزة والكسائي: بالياء ردا على قوله يُدَبِّرُ ويفضّل ويُغْشِي.
وقرأها الباقون: بالنون بمعنى ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل.
قال الفارسي: والدفل «١» والحلو والحامض.
قال مجاهد: كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد.
عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي كرم الله وجهه:
«الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة» [١٣١] ثم قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ حتى بلغ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ «٢».
قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم، كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فبسطها وبطحها فصارت الأرض قطعا متجاورة، فينزل عليها الماء من السماء فيخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها ويخرج قاتها «٣» ويحيي موتاها ويخرج هذه سبخها وملحها وخبثها وكلتاهما تسقى بماء واحد. فلو كان الماء مجا قيل: إنما هذه من قبل الماء، كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترقّ قلوب فتخنع وتخشع، تقسوا قلوب فتلهو وتقسو وتجفو.
وقال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلّا قام من عنده إلّا في زيادة ونقصان.
قال الله عزّ وجلّ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً... إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

(١) هكذا في الأصل. [.....]
(٢) مستدرك الصحيحين: ٢/ ٢٤١، وكنز العمال: ١١/ ٦٠٨، ح ٣٢٩٤٤، وتاريخ دمشق: ٤٢/ ٦٤، ط.
دار الفكر.
(٣) هكذا في المخطوط.

صفحة رقم 270
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية