
بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سورة الرّعد
بسم الله الرحمن الرحيم، هذه السورة مكية- قاله سعيد بن جبير- وقال قتادة: هي مدنية غير قوله:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ... [الرعد: ٣١] الآية- حكاه الزهراوي- وحكى المهدوي عن قتادة: أن السورة مكية إلا قوله تعالى: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا... [الرعد: ٣١].
قال القاضي أبو محمد: وقال النقاش: هي مكية غير آيتين: قوله: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ [الرعد: ٣١]. وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرعد: ٤٣] والظاهر- عندي- أن المدني فيها كثير، وكل ما نزل في شأن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة فهو مدني.
وقيل السورة مدنية- حكاه منذر بن سعيد البلوطي وحكاه مكي بن أبي طالب.
قوله عز وجل:
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)تقدم القول في فواتح السور وذكر التأويلات في ذلك إلا أن الذي يخص هذا الموضع من ذلك هو ما قال ابن عباس رضي الله عنه: إن هذه الحروف هي من قوله: «أنا الله أعلم وأرى». ومن قال: إن حروف أوائل السور هي مثال لحروف المعجم- قال: الإشارة هنا ب تِلْكَ هي إلى حروف المعجم، ويصح- على هذا- أن يكون الْكِتابِ يراد به القرآن، ويصح أن يراد به التوراة والإنجيل. والمر- على هذا- ابتداء، وتِلْكَ ابتداء ثان- وآياتُ خبر الثاني، والجملة خبر الأول- وعلى قول ابن عباس في المر يكون تِلْكَ ابتداء وآياتُ بدل منه، ويصح في الْكِتابِ التأويلان اللذان تقدما.
وقوله: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ الَّذِي رفع بالابتداء والْحَقُّ خبره- هذا على تأويل من يرى المر حروف المعجم، وتِلْكَ آياتُ ابتداء وخبر. وعلى قول ابن عباس يكون الَّذِي عطفا على تِلْكَ والْحَقُّ خبر تِلْكَ. وإذا أريد ب الْكِتابِ القرآن فالمراد ب الَّذِي أُنْزِلَ جميع الشريعة: ما تضمنه القرآن منها وما لم يتضمنه. ويصح في الَّذِي أن يكون في موضع صفحة رقم 290

خفض عطفا على الكتاب، فإن أردت مع ذلك ب الْكِتابِ القرآن، كانت «الواو» عطف صفة على صفة لشيء واحد، كما تقول: جاءني الظريف والعاقل، وأنت تريد شخصا واحدا، ومن ذلك قول الشاعر:
[المتقارب]
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها الآية، لما تضمن قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ توبيخ الكفرة، عقب ذلك بذكر الله الذي ينبغي أن يوقن به، ويذكر الأدلة الداعية إلى الإيمان به.
والضمير في قوله: تَرَوْنَها قالت فرقة: هو عائد على السَّماواتِ، ف تَرَوْنَها- على هذا- في موضع الحال، وقال جمهور الناس: لا عمد للسماوات البتة، وقالت فرقة: الضمير عائد على العمد، ف تَرَوْنَها- على هذا- صفة للعمد، وقالت هذه الفرقة: للسماوات عمد غير مرئية- قاله مجاهد وقتادة- وقال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم: أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليها كالقبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، والحق أن لا «عمد» جملة، إذ العمد يحتاج إلى العمد ويتسلسل الأمر، فلا بد من وقوفه على القدرة، وهذا هو الظاهر من قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج: ٦٥] ونحو هذا من الآيات، وقال إياس بن معاوية: السماء مقببة على الأرض مثل القبة.
وفي مصحف أبيّ: «ترونه» بتذكير الضمير، و «العمد» : اسم جمع عمود، والباب في جمعه:
«عمد» - بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل، وشهاب وشهب وغيره، ومن هذه الكلمة قول النابغة:
[البسيط]
وخيس الجن إني قد أذنت لهم | يبنون تدمر بالصفّاح والعمد |
قال القاضي أبو محمد: وليس كما قال، وفي كتاب سيبويه: إن الأدم اسم جمع، وكذلك نص اللغويون على العمد، ولكن أبا عبيدة ذكر الأمر غير متيقن فاتبعه الطبري.
وقرأ يحيى بن وثاب «بغير عمد» بضم العين والميم.
وقوله: ثُمَّ هي- هنا- لعطف الجمل لا للترتيب، لأن الاستواء على العرش قبل «رفع صفحة رقم 291