آيات من القرآن الكريم

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ

وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ: قِصَّةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاصَّةً، سَمَّاهَا أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ وَالنُّكَتِ وَالْفَوَائِدِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، مِنْ سِيَرِ الْمُلُوكِ وَالْمَمَالِيكِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَمَكْرِ النِّسَاءِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْأَعْدَاءِ، وَحُسْنِ التَّجَاوُزِ عَنْهُمْ بَعْدَ الِالْتِقَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ.
قَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: سُورَةُ يُوسُفَ وَسُورَةُ مَرْيَمَ يَتَفَكَّهُ بِهِمَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: لَا يَسْمَعُ (١) سُورَةَ يُوسُفَ مَحْزُونٌ إِلَّا اسْتَرَاحَ إِلَيْهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ "مَا" الْمَصْدَرُ، أَيْ: بِإِيحَائِنَا إِلَيْكَ، ﴿هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ﴾ وَقَدْ كُنْتَ، ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ أَيْ: [قَبْلَ وَحْيِنَا] (٢) ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ لَمِنَ السَّاهِينَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَا تَعْلَمُهَا.
قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ (الزُّمَرِ -٢٣) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ ذَكَّرْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (٣) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (الْحَدِيدِ -١٦).
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤) ﴾.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ﴾ أَيْ: وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ، وَيُوسُفُ اسْمٌ عِبْرِيٌّ [عُرِّبَ] (٤)، وَلِذَلِكَ لَا يَجْرِي [عَلَيْهِ الْإِعْرَابُ] وَقِيلَ هُوَ عَرَبِيٌّ (٥).
سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَقْطَعُ عَنْ يُوسُفَ؟ فَقَالَ: الْأَسَفُ فِي اللُّغَةِ: الْحُزْنُ، وَالْأَسِيفُ: الْعَبْدُ، وَاجْتَمَعَا فِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسُمِّيَ بِهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،

(١) في "ب": يتتبع.
(٢) ساقط من "أ".
(٣) أخرجه الطبري: ١٥ / ٥٥، وصححه ابن حبان ص (٤٣٢) من موارد الظمآن، والحاكم: ٢ / ٣٤٥ ووافقه الذهبي، ومن طريقه أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (٣١١). وأخرجه أيضا: إسحاق بن راهويه، والبزار، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ وابن مردويه. انظر: الدر المنثور: ٤ / ٤٩٦، المطالب العالية: ٣ / ٣٤٣.
(٤) ساقط من "ب".
(٥) ساقط من "ب".

صفحة رقم 212

عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (١).
﴿يَا أَبَتِ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ ﴿يَا أَبَتَ﴾ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى تَقْدِيرِ: يَا أَبَتَاهُ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: ﴿يَا أَبَتِ﴾ بِكَسْرِ التَّاءِ لِأَنَّ أَصْلَهُ: يَا أَبَتْ، وَالْجَزْمُ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ.
﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ أَيْ نَجْمًا مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَنَصْبُ الْكَوَاكِبِ عَلَى التَّفْسِيرِ.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ وَلَمْ يُقِلْ رَأَيْتُهَا إِلَيَّ سَاجِدَةً، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ مِنْ كِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهَا بِفِعْلِ مَنْ يَعْقِلُ عَبَّرَ عَنْهَا بِكِنَايَةِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ (النَّمْلِ -١٨).
وَكَانَ النُّجُومُ فِي التَّأْوِيلِ أَخَوَاتِهِ (٢)، وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يُسْتَضَاءُ بِهِمْ كَمَا يُسْتَضَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالشَّمْسُ أَبُوهُ، وَالْقَمَرُ أُمُّهُ. قَالَهُ قَتَادَةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْقَمَرُ خَالَتُهُ، لِأَنَّ أُمَّهُ رَاحِيلَ كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْقَمَرُ أَبُوهُ وَالشَّمْسُ أُمُّهُ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْقَمَرَ مُذَكَّرٌ.
وَكَانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا.
وَقِيلَ: رَآهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَلَمَّا قَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ.

(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء - باب قول الله تعالى: "لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين": ٦ / ٤١٩، وفي تفسير سورة يوسف، باب "ويتم نعمته عليك": ٨ / ٣٦١، وفي المناقب أيضا: ورواه مسلم مختصرا، وأخرجه المصنف في شرح السنة: ١٣ / ١٢٦. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: ٤ / ١٥٢.
(٢) في "ب": إخوته.

صفحة رقم 213
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية