
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا... (٢)
الضمير يعود على القرآن الذي تشير إليه هذه الحروف، حتى قيل: إنها اسم للسور التي تصدرتها (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) أي أنزلناه كتابا يقرأ عربيا، وليس أعجميا، فهو قرآن عربي، وليس بأعجمي، وهذا النص يدل على أمرين:
الأمر الأول: أنه نزل مقروءا متلوّا، علمنا اللَّه تعالى قراءته وتلاوته، ولم يتركنا نتصرف في قراءته، كما نقرأ كلاما من كلام الناس، بل علمنا قراءته وترتيله، كما قال تعالى: (... وَرَتَلْنَاهُ تَرْتِيلًا). وكما قال تعالى في نزوله، وجبريل يقرئه للنبي - ﷺ -: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩).
الأمر الثاني: إن القرآن المعجز هو العربي، وليست ترجمته قرآنا؛ لأنها من عبارات البشر، ولأن الترجمة لَا يمكن أن تكون محققة لمعاني القرآن، إذ هو

عميق يغوص فيه الغواصون على الحقائق، وإنه محدد المعاني، تزيد المعاني في نفس القارئ بمقدار ما يزداد إدراكه، وهو واضح لكل إنسان بمقدار إدراكه، فالأمي يدرك منه بمقدار ما تتسع له طاقته العلمية، والعالم بالكون تتسع له المعاني بمقدار طاقته، ولذا وصفه العربي البليغ بقوله: إن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو، ولا يُعْلَى عليه.
ولا يصح أن يدعى لأحد أنه ترجم القرآن، وأن ترجمته قرآن يتعبَّد بتلاوته، ويسجد له سجدة تلاوة ولا يمسه إلا وهو طاهر، وقد أجمع على ذلك العلماء؛ السلف والخلف على سواء، إلا من ران اللَّه على قلبه وعقله، وإذا كان قد روي عن أبي حنيفة أنه أجاز الفاتحة بالفارسية، فإن الراجح أنه رجع عن ذلك، عندما لانتْ ألسنة الأعاجم، بقراءة القرآن (١)، وقانا اللَّه تعالى شر البدعة والمبتدعين.
وقال تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، أي رجاء أن تعقلوا معانيه، وما يدعو إليه وما يتضمنه من بلاغة معجزة وما فيه من بلاع للناس، والرجاء من الناس لَا من اللَّه، أي لعلكم تكونون في وضع من يرجو الإدراك السليم، والله عليم بما تخفي الصدور.
وقد مهد اللَّه سبحانه وتعالى لقصة يوسف، التي كان الخبر عن يوسف الصديق عليه السلام هو قطبها الذي دارت عليه أخبارها، عليه وعلى نبينا أفضل السلام وأتم التسليم، فقال:
________
(١) راجع كتاب " أبو حنيفة " للإمام محمد أبو زهرة.