آيات من القرآن الكريم

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

سورة يوسف عليه السلام هى مكية، وآياتها إحدى عشرة ومائة، والمناسبة بينها وبين سورة هود أنها متممة لما فيها من قصص الرسل والاستدلال بذلك على كون القرآن وحيا من عند الله دالا على رسالة محمد ﷺ خاتم النبيين، والفرق بين القصص فيها وفيما قبلها، أن السابق كان قصص الرسل مع أقوامهم فى تبليغ الدعوة والمحاجة فيها وعاقبة من آمن منهم ومن كذبوهم لإنذار مشركى مكة ومن تبعهم من العرب.
وأما هذه السورة فهى قصة نبى ربى فى غير قومه قبل النبوة وهو صغير السن حتى بلغ أشده واكتهل فنبىء وأرسل ودعا إلى دينه ثم تولى إدارة الملك لقطر عظيم فأحسن الإدارة والسياسة فيه وكان خير قدوة للناس فى رسالته وفى جميع ما دخل فيه من أطوار الحياة وتصريف أمورها على أحسن ما يصل إليه العقل البشرى، ومن أعظم ذلك شأنه مع أبيه وإخوته آل بيت النبوة، وكان من حكمة الله أن يجمعها فى سورة واحدة، ومن ثم كانت أطول قصة فى القرآن الكريم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)
المعنى الجملي
جاءت فاتحة هذه السورة كفاتحة سورة يونس، خلا أن القرآن وصف هنا بالمبين وهناك بالحكيم ذلك أن موضوع الأولى قصص نبى تقلبت عليه صروف الزمان بين نحوس وسعود كان فى جميعها خير أسوة، وموضوع الثانية أصول الدين من توحيد الله

صفحة رقم 111

وإثبات الوحى والرسالة والبعث والجزاء، وهذه يناسبها الوصف بالحكمة.
وروى عن سعد بن أبى وقاص فى سبب نزولها أن رسول الله ﷺ غبر يتلو القرآن زمانا على أصحابه فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فيكون فى ذلك ترويج لنفوسنا وإحاطة بما يتضمنه من عبر وعظات.
الإيضاح
(الر) تقدم الكلام فى هذا بما فيه الكفاية.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) أي آيات هذه السورة هى آيات الكتاب البين الظاهر بنفسه، والمظهر لما شاء الله من حقائق الدين وأحكام التشريع وخفايا الملك والملكوت وأسرار النشأتين والمرشد إلى مصالح الدنيا وسبيل الوصول إلى سعادة الآخرة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي إنا أنزلنا هذا الكتاب على النبي العربي، ليبين لكم بلغتكم العربية ما لم تكونوا تعلمونه من أحكام الدين وأنباء الرسل والحكمة وشئون الاجتماع وأصول العمران وأدب السياسة، لتعقلوا معانيه وتفهموا ما ترشد إليه من مطالب الرّوح ومدارك العقل وتزكية النفس وإصلاح حال الجماعات والأفراد بما فيه سعادتهم فى دنياهم وآخرتهم.
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) أي نحن نقص عليك ونحدثك أحسن ما يقصّ ويتحدث عنه موضوعا وفائدة، لما يتضمنه من العبر والحكم، بإيحائنا إليك هذه السورة من القرآن الكريم، إذ هى الغاية فى بلاغتها وتأثيرها فى النفس وحسن موضوعها، وقد كنت من قبل ذلك فى زمرة الغافلين عنه من قومك الأميين الذين لا يخطر فى بالهم التحديث بأخبار الأنبياء وأقوامهم وبيان ما كانوا عليه من دين وشرع كيعقوب وأولاده وهم فى بداوتهم ولا ما كان فيه المصريون الذين جاء يوسف إليهم من حضارة وترف،

صفحة رقم 112
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية