آيات من القرآن الكريم

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

لجزء الرابع
سورة يوسف
الشطر الأعظم من هذه السورة احتوى قصة يوسف عليه السلام وإخوته، وتبعه آيات فيها تطمين للنبي ﷺ وبشرى له وللمؤمنين وتوضيح لمهمته ومداها، وإنذار وتقريع للكفار وتقرير لحقيقة موقفهم وواقع عقائدهم. والقصة في هذه السورة جاءت مباشرة على نمط قصة موسى وفرعون في سورة القصص. وفي الآيات ما يلهم أنها نزلت إجابة لسؤال أو استفسار. وقد احتوت آيات القصة حكما ومواعظ وعبرا عديدة بحيث تطابقت في ذلك مع أسلوب القصص القرآنية وهدفها بوجه عام، وفي الآيات التي تبعت فصول القصة ما يربط بينها وبين هذه الفصول بحيث يسوغ القول إن فصول السورة نزلت متتابعة إلى أن تمت.
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات [١ و ٢ و ٣ و ٧] مدنيات، وانسجام هذه الآيات في الموضوع والسياق وصلتها بهما ومماثلة محتواها لمحتوى آيات مكية لا خلاف فيها يجعلنا نشك في صحة الرواية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)
معاني الآيات واضحة، وما قلناه في الحروف المتقطعة التي بدئت بها سور عديدة سابقة وما رجحناه من أنها للاسترعاء والتنبيه نرجحه هنا أيضا. ومعانيها واضحة وفيها تمهيد لما جاء بعدها من فصول قصة يوسف، والخطاب في

صفحة رقم 7

لَعَلَّكُمْ موجّه للسامعين العرب ومهيب بهم إلى تدبر آيات القرآن الذي أنزله الله بلسانهم وفهمه والاهتداء به. والمتبادر من جملة وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ أنها توكيد لما قررته آية سورة يونس: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) وآية سورة القصص: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) على ما شرحناه في سياق تفسير السورتين شرحا يغني عن التكرار. ولقد قال بعض المفسرين «١» إن الآية تعني قصة يوسف التي كان النبي ﷺ غافلا عنها. غير أن ضمير «قبله» عائد إلى القرآن كما يتبادر ويكون تأويلنا هو الأوجه، وقد قال به غير واحد من المفسرين أيضا «٢».
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات الثلاث مدنية وهو غريب لأنها جاءت تمهيدا لقصة يوسف وفي الآيات المكية آيات مماثلة لها تماما، ولا تظهر حكمة مدنيتها. ولم نر في كتب التفسير التي اطلعنا عليها تأييدا لهذه الرواية.
ولذلك نشك في صحتها ولقد ذكر هذه الرواية السيوطي في الإتقان وقال إنها واهية جدا.
تعليق على ما روي من أسباب نزول الآيات واستطراد إلى مسألة أخذ العلم عن الغير
وفي كتب التفسير أحاديث عديدة في سبب نزول الآيات مفادها أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يطلبون منه أن يحدثهم فوق الحديث ودون القرآن فأنزل الله الآيات منبها إلى أن ما يرد في القرآن هو أحسن القصص وأن الله قد أنزله بلسانهم ليعقلوه.
وجملة وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ لا تتسق مع هذه الأحاديث

(١) انظر تفسير الخازن مثلا.
(٢) انظر تفسير الطبري والبغوي والطبرسي.

صفحة رقم 8

التي لم يرد شيء منها في كتب الصحاح. ولقد جاء بعد قليل من الآيات آية لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) حيث يمكن أن يكون بعض أصحاب رسول الله ﷺ سألوه عن قصة يوسف ورووا ما يقوله عنها اليهود فأنزل الله فصول قصة يوسف وجعل الآيات الثلاث تمهيدا لها.
ولقد أورد ابن كثير أحاديث أخرى في سياق هذه الآيات مفادها أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ استكتبوا صحفا مما عند اليهود وأرادوا أن يعرضوها على النبي ﷺ فغضب النبي من ذلك وتلا عليهم هذه الآيات. وآية سورة الزمر اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ... الزمر: [٢٣] ومن هذه الأحاديث حديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر جاء فيه: «إن عمر أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي ﷺ فغضب وقال أمتهوّكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها نقية بيضاء. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوه أو بباطل فتصدقوه. والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلّا أن يتبعني».
وبقطع النظر عن كون هذه الأحاديث لم ترد في الصحاح وأن بعض نقاد الحديث قد تكلموا فيها فإن الفكرة فيها هي حرص النبي ﷺ على اكتفاء أصحابه بما يبلغهم إياه من آيات الله وتحذرهم ممّا في أيدي اليهود من كتب تحتمل الكذب والانشغال بها عن القرآن. ولقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: «كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام فقال رسول الله ﷺ لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» «١». مما قد يكون فيه تأييد ما للفكرة المذكورة.
وقد تكون الفكرة صحيحة والأحاديث محتملة الصحة. وصحة الفكرة واردة بخاصة في ظرف حياة النبي ﷺ وخلفائه الراشدين حيث كان أغلب اليهود يكفرون

(١) التاج ج ٤ ص ١٧٨.

صفحة رقم 9
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية