
أبو عبيدة قول هانئ العنبري (١):
يوم عصيب يعصب الأبطالا
عصبَ القوي السُّلَّم الطوالا
قال أبو عبيدة: وإنما قيل له عصيب؛ لأنه يعصب الناس بالشر، وأنشد لعدي بن زيد (٢):
وكنتُ لِزازَ خصمِك لم أعرِّدْ | وقد سلكوك في يوم عصيب |
(٢) هذا البيت من قصيدة قالها وهو في حبس النعمان بن المنذر، و (لزاز الخصم) الشديد المعاند ذو البأس في الملمات، و (عرد عن خصمه) أحجم ونكص، انظر: "ديوانه" ص ٣٩، "مجاز القرآن" ١/ ٢٩٤، "الأغاني" ٢/ ١١١، الطبري ١٢/ ٨٢، "اللسان" (سلك) ٤/ ٢٠٧٣، "كتاب الجيم" ٣/ ٢٠٨.
(٣) الطبري ١٢/ ٨٣، الثعلبي ٧/ ٥١ أ، "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٦٧، البغوي ٤/ ١٩١، "زاد المسير" ٤/ ١٣٧.
(٤) "تهذيب اللغة" (هرع) ٤/ ٣٧٥١، القرطبي ٩/ ٧٤، "اللسان" (هرع) ٨/ ٤٦٥٣.
(٥) "تهذيب اللغة" (هرع) ٤/ ٣٧٥١.
(٦) في النسخ (عدوه) وفي (ب) ما أثبته وهو الصحيح. انظر: "زاد المسير" ٤/ ١٣٧.

قال أهل اللغة: وهذا من الفعل الذي خرج الاسم معه مقدرًا تقدير المفعول (١)، وهو صاحب الفعل [لا يُعرف له فاعلٌ غيره، نحو: أولع فلان بالأمر؛ جعلوه مفعولًا وهو صاحب الفعل]، ومثله: أرعد زيد وزُهي عمرو، من الزهو، ونُخي بكر من النخوة، وذكر أبو عبيد (٢): المهرع: الحريص في باب ما جاء في لفظ مفعول بمعنى فاعل، وحكى أبو بكر (٣) عن بعض النحويين قال: لا يجوز للفعل أن يجعل فاعله مفعولًا، وهذه الأفعال حذف فاعلوها، فتأويل أرعد الرجل أرعده غضبه، وأولع زيدٌ معناه أولعه طبعه، وزُهي عمرو معناه: جعله ماله أو جهلُه زاهيًا، وكذلك نُخِيَ وأهْرع معناه [أهرعه خوفُه، أو حرصه، ويؤكد هذا ما ذكره أبو عبيدة (٤) في تفسير قوله: ﴿يُهْرَعُونَ﴾ قال: معناه] (٥): يستحثون إليه، وأنشد (٦):
بمعجلات نحوه مهارع
فعلى هذا، الفعل واقع على القوم من المستحثين، ودل عليه ما أنشده؛ لأنه قال: بمعجلات وهن اللاتي [أُعْجِلْنَ أي] (٧) أعجلهن غيرهن،
(٢) "تهذيب اللغة" (هرع) ٤/ ٣٧٥١، "اللسان" (هرع) ٨/ ٤٦٥٣ - ٤٦٥٤.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ١٣٧.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٢٩٤.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) بيت من الرجز، وهو بلا نسبة في: "مجاز القرآن" ١/ ٢٩٤، الطبري ١٢/ ٨٣ (العلمية)، القرطبي ٩/ ٧٥.
(٧) ساقط من (ب).

كذلك المهارع اللاتي أهرعهن غيرهن، ويدل على هذا قول مهلهل:
فجاءوا يُهرعون وهم أسارى | نقودهم على رغم الأنوف |
وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل مجيئهم إلى لوط ﴿كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾، قال عطاء: يريد الشرك، وقال آخرون (١): يعني: فعلهم المنكر.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾. قال أكثر المفسرين (٢): يعني: بنتيه زيتا (٣) وزعورا، وعلى هذا سمي الاثنان بالجمع كقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١]. وقوله: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨]، يعني: حكم داود وسليمان، ومن المفسرين من ذهب إلى أنه كان له أكثر من بنتين، وعلى هذا سهل الأمر.
وقوله تعالى: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾. قال المفسرون: أراد: أنا أزوجكموهن فهن أطهر لكم من نكاح الرجال، قال ابن عباس (٤) وغيره: كان رؤساء من قومه خطبوا إليه فلم يزوجهم قبل ذلك فلما راودوه عن
(٢) الثعلبي ٧/ ٥١ ب، البغوي ٤/ ١٩١، "زاد المسير" ٤/ ١٣٧، القرطبي ٩/ ٧٦.
(٣) في الطبري ١٢/ ٨٤ "رثيا" و"زغرتا"، وفي الثعلبي ٧/ ٥١ ب (زعورا) و (ريثا).
(٤) الثعلبي ٧/ ٥١ ب، القرطبي ٧/ ٥١ أ.

ضيفه أراد أن يقي أضيافه ببناته فعرضهن عليهم شريطة الإسلام قبل عقد النكاح.
وقال الحسن (١): كان يجوز في شريعة لوط تزويج المسلمة من الكافر، وكذلك كان في صدر الإسلام؛ فقد زوج النبي - ﷺ - ابنتيه من عتبة ابن أبي لهب (٢)، وأبي العاص بن الربيع (٣).
وقال مجاهد (٤): لم يكنَّ بناته كُنَّ من أمته، وكل نبي أبو أمته. وقال سعيد بن جبير (٥): دعاهم إلى نسائهم؛ يعني: أن قوله: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ أي: نساؤكم، فجعلهن بناته؛ لأنه نبيهم، وكل نبي أبو أمته؛ كما روي في بعض القراءة: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) [الأحزاب: ٦] (٦).
وروي عن الحسن وعيسى بن عمر (٧) أنهما قرأ: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾
(٢) هو: عتة بن أبي لهب بن عبد المطلب القرشي ابن عم النبي - ﷺ -، أسلم في الفتح وشهد حنينًا. انظر: "الإصابة" ٢/ ٤٥٥، "الاستيعاب" ٣/ ١٤٩.
(٣) هو: أبو العاص بن الربيع بن عبد العز بن العبسي، زوج بنت النبي - ﷺ - زينب، أسلم بعد الهجرة، توفي سنة ١٢هـ على خلاف في ذلك. انظر: "الإصابة" ٤/ ١٢١، "سير أعلام النبلاء" ١/ ٣٣٠.
(٤) الطبري ١٢/ ٨٤، الثعلبي ٧/ ٥١ أ، البغوي ٤/ ١٩١ "زاد المسير" ٤/ ١٣٨، القرطبي ٩/ ٧٦.
(٥) الطبري ١٢/ ٨٤، الثعلبي ٧/ ٥١ أ، البغوي ٤/ ١٩٢، "زاد المسير" ٤/ ١٣٨، القرطبي ٩/ ٧٦.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣.
(٧) الطبري ١٢/ ٨٥، الثعلبي ٧/ ٥١ ب، القرطبي ٩/ ٧٦.

بالنصب على الحال كما ذكرنا في قوله: ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] إلا (١) أن أكثر النحويين (٢) على أن هذا خطأ؛ لامتناع أن يجوز كون ﴿هُنَّ﴾ هاهنا عمادًا، وأجاز الكسائي (٣) ذلك وقال: من نصب جعلهن عمادًا كما يقال كان الهندات هن أفضل من غيرهن.
قال الفراء (٤): ﴿هُنَّ أَطْهَرُ﴾ بالنصب خطأ؛ لأن هذا وهؤلاء في باب التقريب لا يدخل معه العماد، فلا يقال (هذا عبد الله هو أفضلَ منك)؛ لأن هذا اسم (٥) جامد لا يتصرف تصرف (كان)، وزاد ابن الأنباري بيانًا، فقال: هذا الأولى به والغالب عليه؛ أن يكون اسمًا للمشار إليه غير مقرب خبرًا، فلما نقل إلى التقريب ونصب الخبر معه نحو: ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] منع العماد ولم يجر مجرى (كان) في هذا الباب، كما لم يجر مجراها في توسيط الخبر وتقديمه، لا يجوز (هذا قائمًا زيد) ولا (قائمًا هذا زيد) كما يجوز في (كان)، ولو قيل: (هؤلاء بناتي أطهرَ لَكُم) بالنصب جاز من غير عماد، وجميع البصريين ينكرون هذه القراءة ولا يجيزونها، وذكر الزجاج (٦) ذلك على قريب مما ذكرنا.
(٢) كالخليل وسيبويه والأخفش، انظر: "القرطبي" ٩/ ٧٦، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٠٢، "البحر المحيط" ٥/ ٢٤٧، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤١٢، "الطبري" ١٢/ ٨٥.
(٣) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٠٤.
(٤) لم أجده في مظانه.
(٥) في (ي): (الاسم).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٦٧.

وقال سيبويه (١): ولكن الفصل يدخل على الأخبار ولا يدخل على الحال، لا يجوز: (قام زيد هو مسرعًا). وليس الشرط أن أذكر قراءة غير مشهورة، إلا أن النصب في ﴿أطهرَ﴾ هاهنا اشتهر ذكره، فأردت أن أذكر ما قيل فيه. والألف في قوله: ﴿أطهر﴾ ليس لتفضيل (٢) نكاح البنات على نكاح الرجال في الطهارة (٣)؛ لأنه لا طهارة في نكاح الرجال البتة، ولكن هذا كقولنا: الله أكبر ولم يكابر الله أحد، وكقول النبي - ﷺ - لعمر لما قال أبو سفيان يوم أحد: اعلُ (٤) هبل، قال: الله أعلى وأجل (٥)، ولا مقارنة بين الله وبين الصنم، ولهذا نظائر كثيرة.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾، قال الكلبي عن ابن عباس (٦): لا تفضحون في أضيافي (٧)، يريد: أنهم إذا هجموا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة، وقال بعض المفسرين (٨): ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ أراد لا
(٢) هذا النص منقول عن الثعلبي ٧/ ٥١ ب.
(٣) ساقط من (ي).
(٤) في (ب): (أعلى).
(٥) أخرجه البخاري (٤٠٤٣) في المغازي، باب غزوة أحد: لما انكشف المسلمون، وظن المشركون أن النبي - ﷺ - قتل وفيه نداء أبي سفيان وإجابة عمر له، فقال أبو سفيان: اعل هبل. فقال - ﷺ -: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: فذكره، وأحمد ١/ ٤٦٣، ٤/ ٢٩٣.
(٦) "زاد المسير" ٤/ ١٣٨.
(٧) ساقط من (ي).
(٨) الثعلبي ٧/ ٥١ ب، البغوي ٤/ ١٩٢.

تسوؤون (١) فيهم.
قال أبو بكر (٢): ومعنى هذا لا تفعلوا بأضيافي فعلا يلزمني الاستحياء منه؛ لأن مُضَيِّف الضيف يلزم الاستحياء من كل فعل قبيح يوصل إلى ضيفه، فتخزوني من باب الاستحياء؛ من قولهم: خزي الرجل خزاية إذا استحيا، والضيف هاهنا نائب عن الأضياف، كما ناب الطفل عن الأطفال في قوله: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ [النور: ٣١]، ويجوز أن يكون الضيف مصدرًا مستغنى عن جمعه؛ كقولهم: رجال صوم، وسنذكر اشتقاق الضيف وفعله عند قوله: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾ [الكهف: ٧٧] إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾، قال الكلبي (٣) وابن إسحاق (٤): [يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو معنى قول ابن عباس (٥): رجل رشيد] (٦): يقول الحق ويرد هؤلاء عن أضيافي، وعلى هذا: (رشيد) بمعنى (مرشد)، قال أبو بكر (٧): ويجوز أن يكون (رشيد) بمعنى (مرشد) أي: أليس فيكم رجل مرشد قد أسعده (٨) الله بما منحه من
(٢) "زاد المسير" ٤/ ١٣٨.
(٣) "تنوير المقباس" ص ١٤٣.
(٤) الطبري ١٢/ ٨٦، البغوي ٤/ ١٩٢، وقد روى هذا القول عن ابن عباس وأبي مالك كما في "الدر" ٤/ ٤٥٨، "زاد المسير" ٤/ ١٣٩.
(٥) الثعلبي ٧/ ٥١ ب، البغوي ٤/ ١٩٢.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) "زاد المسير" ٤/ ١٣٩.
(٨) في (ب): (أستعده).