آيات من القرآن الكريم

وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

أي: مدفوق، وأصله لا عاصم أي: لا شيء يمنع اليوم من نزول عذاب الله عليهم ولا دافع لهم منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ... (٤٥) الآية، فقال: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).
هذا - واللَّه أعلم - كان عند نوح أن ابنه كان على دينه لما لعله كان يظهر الموافقة له، وإلا لا يحتمل أن يقول: إن ابني من أهلي ويسأله نجاته، وقد سبق منه النهي في سؤال مثله حيث قال: (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) ولا يحتمل أن يكون يعلم أنه على غير دينه، ثم يسأل له النجاة بعدما نهاه عن المخاطبة في الذين ظلموا، فقال: إنه ليس من أهلك في الباطن والسر، والإخرج هذا القول مخرج تكذيب رسوله، لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه كان في الظاهر عنده أنه على دينه لما كان يظهر له الموافقة، وكان لا يعرف ما يضمره فسأله على الظاهر الذي عنده؛ وكذلك أهل النفاق كانوا يظهرون الموافقة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه ويضمرون الخلاف له، وكانوا لا يعرفون نفاقهم إلا بعد إطلاع الله إياه؛ فعلى ذلك نوح كان لا يعرف ما كان يضمر هو لذلك خرج سؤاله فقال: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ (٤٦) الذي وعدت النجاة لهم، أو ليس من أهلك؛ لأنه لم يؤمن بي ولم يصدقك فيما أخبرت أنه عمل غير صالح.
روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ: (عَمِلَ غَيرَ صالِحٍ) بغير تنوين. وعن

صفحة رقم 136

ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قرأه: (عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) بالتنوين. فمن قرأ بالنصب: (عَمِلَ غيرَ صَالِحٍ) أي: أن ابنك عمل غير صالح، ومن قرأه: (عَمَلٌ) يكون معناه - واللَّه أعلم - أن سؤالك عمل غير صالح وكلا القراءتين يجوز أن يصرف إلى ابنه، أي: أنه عمل غير صالح وهو عمل الكفر، (عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) أي: الذي كان عليه عمل غير صالح، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ثم قال: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ): هذا في الظاهر يخرج على التكذيب له، لكن الوجه فيه أنه من أهلك على ما عندك، وليس هو من أهلك فيما بشرتك من نجاة أهلك.
وقوله: (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ): يحتمل وجهين:
يحتمل وأن وعدك بإغراق الظلمة حق.
والثاني: وإن وعدك بنجاة المؤمنين حق وأنت أحكم الحاكمين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ): يحتمل هذا نهيا عن سؤال ما لم يؤذن له من بعد؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا لا يسألون شيئًا إلا بعد الإذن لهم في السؤال، وإن كان يسع لهم السؤال، أو أن يكون عتابًا لما سبق، والأنبياء - عليهم السلام - كانوا يعاتبون في أشياء يحل لهم ذلك؛ نحو قوله لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا)، وقد كان له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الأمر بالقعود والنهي عن الخروج بقوله: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا)، ونحوه.

صفحة رقم 137
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية