آيات من القرآن الكريم

وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

فاعِلٍ على بابه، وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ: يريد: إِلا اللَّهَ الرَّاحِمَ، ف «مَنْ» كنايةٌ عن اللَّه، المعنى: لا عاصِمَ اليَوْم إِلا الذي رحمنا.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤٤ الى ٤٨]
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨)
وقوله سبحانه: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ... الآية: البَلْع: تجرُّع الشيء وازدراده، والإقلاع عن الشيء: تركه، وغِيضَ معناهُ: نَقَصَ، وأكْثَرُ ما يجيء فيما هو بمعنى الجُفُوف، وقوله: وَقُضِيَ الْأَمْرُ: إِشارة إِلى جميع القصَّة: بعثِ الماء، وإِهلاكِ الأُممِ، وإِنجاءِ أَهْلِ السفينة.
قال ع «١» : وتظاهرت الرواياتُ وكُتُبُ التفسير بأَنَّ الغرق نَالَ جميعَ أَهْلِ الأَرْضِ، وعَمَّ الماءُ جَمِيعَهَا قاله ابن عباس وغيره، وذلك بَيِّن من أمْرِ نوحٍ بحمل الأزواجِ مِنْ كلِّ الحيوانِ، ولولا خَوْفُ فنائها مِنْ جميعِ الأرضِ، ما كان ذلك، وروي أنَّ نوحاً عليه السلام رَكِبَ في السفينةِ مِنْ عَيْنِ الوَرْدَةِ بالشامِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، واستوت [السفينة] على الجودِيِّ في ذي الحِجَّة، وأقامَتْ عليه شهراً، وقيل له: اهْبِطْ في يوم عاشُورَاءَ، فصامه هو ومَنْ معه، وروي أنَّ اللَّه تعالى أَوحى إِلى الجبالِ أَنَّ السفينة تَرْسِي على واحد منها، فتطاوَلَتْ كلُّها، وبقي الجُودِيُّ، وهو جبلٌ بالمَوْصِل في ناحيةِ الجزيرةِ، لم يتطاوَلْ تواضعاً للَّه فاستوت السفينةُ بأمْر اللَّهِ عليه، وقال «٢» الزَّجَّاجُ: الجُودِيُّ: هو بناحية «آمد»، وقال قوم: هو عند باقردي، وأكْثَرَ النَّاسُ في قصص هذه الآية، واللَّه أعلم بما صَحَّ من ذلك.
وقوله: وَقِيلَ بُعْداً: يحتمل أنْ يكون من قول اللَّه عزَّ وجلَّ عطفاً على قوله:
وَقِيلَ الأولِ، ويحتملُ أن يكون من قول نوحٍ والمؤمنين، والأول أظهر.
وقوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي... الآية: احتجاج من نوحٍ عليه السلام أَنَّ الله أمره

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٧٥).
(٢) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (٣/ ٥٥).

صفحة رقم 285

بحَمْلِ أهله، وابنه من أهله، فينبغي أن يُحْمَلَ، فأظهر اللَّه له أنَّ المراد مَنْ آمَنَ من الأهْلِ، وهذه الآية تقتضي أن نوحاً عليه السلام ظَنَّ أنَّ ابنه مؤمنٌ/.
وقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي: الذين عَمَّهم الوعْد لأنه ليس على دينِك، وإِن كان ابنك بالولادة.
وقوله: عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ: جعله وصفاً له بالمصدر على جهة المبالغة في وصفه بذلك كما قالت الخَنْسَاءُ تصفُ ناقَةً ذَهَبَ عنْها ولَدُها: [البسيط]

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ادكرت فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ «١»
أي: ذاتُ إِقبالٍ وإِدبارٍ ويبيِّن هذا قراءةُ الكسَائِيِّ «إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالحٍ» فعلاً ماضياً، ونصب «غير» على المفعول ل «عَمِلَ»، وقولُ من قال: «إِن الولد كان لِغِيَّةٍ» خطأ محضٌ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ «٢» والجمهور قالوا: وأما قوله تعالى: فَخانَتاهُما [التحريم: ١٠] فإِن الواحدة كانَتْ تقول للناس: هو مجنونٌ، والأخرَى كانت تنبِّه على الأضيافِ، وأما خيانة غَيْرُ هذا، فلا ويَعْضُدُه المعنَى، لشرف النبوَّة، وجوَّز المَهْدَوِيُّ أَنْ يعود الضمير في «إِنَّهُ» على السؤال، أي: إِن سؤالك إِيَّايَ ما ليس لَكَ به علْم عملٌ غَيْرُ صالحٍ قاله النَّخَعِيُّ وغيره. انتهى. والأولُ أبينُ وعليه الجمهورُ، وبه صدّر المهدويّ، ومعنى قوله: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: إِذَا وَعَدتكَ، فاعلم يقيناً أَنه لا خُلْفَ في الوعد، فإِذا رأيتَ ولدك لم يُحْمَلْ، فكان الواجبُ عليك أنْ تقف، وتَعْلَم أَنَّ ذلك بحقٍّ واجبٍ عند اللَّه.
قال ع «٣» : ولكنَّ نوحاً عليه السلام حملته شفقةُ الأُبوَّة وسجيَّة البَشَر على التعرُّض لنفَحَاتِ الرحْمة، وعَلَى هذا القَدْر وقَع عتابُهُ ولذلك جاء بتلطُّف وترفيع في قوله سبحانه: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، ويحتمل قوله: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: لا تطلُبْ منِّي أمراً لا تعلم المصلحة فيه عِلْمَ يقينٍ، ونحا إِلى هذا أبو عليٍّ
(١) ينظر: «ديوانها» ص: (٣٨٣)، و «الأشباه والنظائر» (١/ ١٩٨)، و «خزانة الأدب» (١/ ٤٣١)، (٢/ ٣٤)، و «شرح أبيات سيبويه» (١/ ٢٨٢)، و «الشعر والشعراء» (١/ ٣٥٤) و «الكتاب» (١/ ٣٣٧) و «لسان العرب» (٧/ ٣٠٥) (رهط) (١١/ ٥٣٨) (قبل)، (١٤/ ٤١٠) (سوا)، و «المقتضب» (٤/ ٣٠٥)، و «المنصف» (١/ ١٩٧)، بلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (٢/ ٣٨٧)، (٤/ ٦٨) و «شرح الأشموني» (١/ ٢١٣)، و «شرح المفصّل» (١/ ١١٥)، و «المحتسب» (٢/ ٤٣).
(٢) ذكره البغوي (٢/ ٣٨٧)، وابن عطية (٣/ ١٧٧) بنحوه.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٧٧- ١٧٨).

صفحة رقم 286
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية