آيات من القرآن الكريم

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ
ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

فليصم فيه، ولو نصبته مفعولا فالمسافر والمقيم كلاهما يشهدان الشهر، لا يشهده المقيم، ويغيب عنه المسافر:
[سورة هود (١١) : آية ١٠٤]
وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤)
الأجل: يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها، فيقولون: انتهى الأجل، وبلغ الأجل آخره، ويقولون: حل الأجل فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يراد آخر مدة التأجيل، والعدّ إنما هو للمدّة لا لغايتها ومنتهاها، فمعنى قوله وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف. وقرئ: وما يؤخره بالياء.
[سورة هود (١١) : آية ١٠٥]
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)
قرئ يَوْمَ يَأْتِ بغير ياء. ونحوه قولهم: لا أدر، حكاه الخليل وسيبويه. وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل. فإن قلت: فاعل يأتى ما هو؟ قلت: الله عز وجل، كقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ، وَجاءَ رَبُّكَ وتعضده قراءة: وما يؤخره، بالياء. وقوله بِإِذْنِهِ ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم، كقوله تعالى أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ. فإن قلت: بما انتصب الظرف؟ قلت: إمّا أن ينتصب بلا تكلم. وإمّا بإضمار «اذكر» وإمّا بالانتهاء المحذوف في قوله إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أى ينتهى الأجل يوم يأتى، فإن قلت: فإذا جعلت الفاعل ضمير اليوم، فقد جعلت اليوم وقتاً لإتيان اليوم وحدّدت الشيء بنفسه قلت: المراد إتيان هو له وشدائده لا تَكَلَّمُ لا تتكلم، وهو نظير قوله لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ. فإن قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله تعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وقوله تعالى هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، قلت: ذلك يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها: يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم فَمِنْهُمْ الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا، لأنّ ذلك معلوم، ولأنّ قوله لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قوله مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ والشقي الذي وجبت له النار لإساءته، والسعيد الذي وجبت له الجنة لإحسانه.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٦ الى ١٠٧]
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)

صفحة رقم 429

قراءة العامّة بفتح الشين. وعن الحسن شَقُوا بالضم، كما قرئ سُعِدُوا. والزفير: إخراج النفس. والشهيق: ردّه. قال الشماخ:

بَعِيدُ مَدَى التَّطْرِيبِ أَوَّلُ صَوْتِهِ زَفِيرٌ وَيَتْلُوهُ شَهِيقٌ مُحَشْرَجُ «١»
ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فيه وجهان، أحدهما: أن تراد سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد. والدليل على أن لها سموات وأرضاً قوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وقوله. وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ولأنه لا بدّ لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم: إمّا سماء يخلقها الله، أو يظلهم العرش، وكل ما أظلك فهو سماء. والثاني أن يكون عبارة عن التأييد ونفى الانقطاع، كقول العرب: ما دام تعار، وما أقام ثبير، وما لاح كوكب، وغير ذلك من كلمات التأبيد. فإن قلت: فما معنى الاستثناء؟ قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة: وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعاً منهم، وهو رضوان الله، كما قال وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء. والدليل عليه قوله عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ومعنى قوله في مقابلته إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أنه يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب، كما يعطى أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له، فتأمّله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا، ولا يخدعنك عنه قول المجبرة «٢». إنّ المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة، فإنّ الاستثناء الثاني ينادى على تكذيبهم ويسجل بافترائهم. وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت «٣»
(١). للشماخ يصف حمار وحشى. والمدى: المسافة والغاية. والتطريب: ترديد الصوت وترخيمه. والزفير:
إخراج النفس بشدة. والمحشرج اسم مفعول: الصوت الذي يردده في حلقه وصدره.
(٢). قوله «ولا يخدعنك عنه قول المجبرة» يريد أهل السنة. أما المعتزلة فيقولون: فاعل الكبيرة واسطة بين المؤمن والكافر وخلوده في النار أبدى، وتحقيق بطلانه في علم التوحيد. (ع)
(٣). قوله «لما روى لهم بعض النوابت» في الصحاح: إن بنى فلان لنابتة شر. والنوابت من الأحداث الأعمار. (ع)

صفحة رقم 430
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية