٢- إن الله تعالى كما أخذ الأمم المتقدمة كقوم نوح، وعاد وثمود، يأخذ جميع الظالمين على النحو ذاته، كما أفاده قوله: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ... ثم زاده تأكيدا وتقوية بقوله: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ فوصف العذاب بالإيلام والشدة، والألم وشدته سبب المنغصة في الدنيا والآخرة. والآية تفيد أن كل من شارك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي، فلا بد وأن يشاركهم في الأخذ الأليم ٣- لم يكن عقاب تلك الأمم الظالمة إلا بما بدر منهم من ظلم وهو الكفر والمعاصي، وكان عقابهم عدلا وحكمة.
٤- كل من أقدم على ظلم، يجب عليه أن يتدارك ظلمه بالتوبة والإنابة، لئلا يقع في الأخذ الذي وصفه الله تعالى بأنه أليم شديد.
٥- لم تنفع المشركين والكافرين آلهتهم المزعومة بل أضرت بهم، وما زادتهم عبادة الأصنام إلا خسارة ثواب الآخرة.
العبرة في قصص القرآن بجزاء الآخرة
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٩]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)
الإعراب:
مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ مَجْمُوعٌ خبر المبتدأ أو نعت ليوم، وقوله: ذلِكَ يَوْمٌ مبتدأ وخبر، والنَّاسُ مرفوع لمجموع، أي يجمع له الناس، لأن اسم المفعول بمنزلة اسم الفاعل في العمل لشبه الفعل.
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ابتداء وخبر.
يَوْمَ يَأْتِ فيه ضمير يعود إلى قوله: يَوْمٌ مَشْهُودٌ. ولا تَكَلَّمُ إما صفة ليوم، أي يوم يأتي لا تكلّم نفس فيه، كقوله تعالى: يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ [البقرة ٢/ ٤٨] أي فيه، وإما حال من ضمير يَأْتِ أي يوم يأتي اليوم المشهود غير متكلم فيه نفس، وتكلم: حذف منه إحدى التاءين. ويوم: منصوب بما دل عليه قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ أي شقي حينئذ من شقي، وسعد من سعد.
ما دامَتِ السَّماواتُ.. ما ظرفية زمانية مصدرية في موضع نصب، تقديره: مدة دوام السموات والأرض.
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ما في موضع نصب لأنه استثناء منقطع.
عَطاءً.. منصوب على المصدر المؤكد، أي أعطوا عطاء، أو منصوب على الحال من الْجَنَّةِ.
غَيْرَ مَنْقُوصٍ حال من النصيب.
البلاغة:
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ بينهما طباق.
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فيه لف ونشر مرتب.
المفردات اللغوية:
إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من القصص أو ما نزل بالأمم الهالكة. لَآيَةً لعبرة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ أي يعتبر بتلك القصص من خاف العذاب الأخروي، لعلمه بأن ما نزل بتلك الأقوام أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة. ذلِكَ يَوْمٌ أي يوم القيامة، دل عليه عذاب الآخرة. يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ أي يجمع له الناس، واستعمل صيغة مَجْمُوعٌ للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه من شأنه لا محالة، وأن الناس لا ينفكون عنه، فهو أبلغ من قوله:
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن ٦٤/ ٩] ومعنى الجمع له: الجمع لما فيه من الحساب والجزاء.
وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يشهده جميع الخلائق، والمعنى الأدق: مشهود فيه أهل السموات والأرضين، ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه، لبطل المقصود من تعظيم اليوم وتمييزه، فإن سائر الأيام كذلك.
وَما نُؤَخِّرُهُ أي اليوم. إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أي لوقت معلوم عند الله، فهو على حذف مضاف، أي إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية. يَوْمَ يَأْتِ ذلك اليوم والجزاء. إِلَّا بِإِذْنِهِ بإذن الله تعالى. فَمِنْهُمْ أي من الخلق أهل الموقف. شَقِيٌّ وجبت له النار بمقتضى الوعيد، فالشقي: من استحق النار لإساءته. وَسَعِيدٌ وجبت له الجنة، بموجب الوعد، والسعيد: من استحق الجنة لعمله مع فضل الله ورحمته فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا في علم الله تعالى.
زَفِيرٌ صوت شديد. وَشَهِيقٌ صوت ضعيف، والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم.
وأصل الزفير: إخراج النّفس، الشهيق: إدخال النفس مع السرعة والجهد.
خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي مدة دوامهما في الدنيا، وليس المراد ارتباط دوامهم في النار بدوام السموات والأرض، فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم، وانقطاع دوامهما.
والمقصود التعبير عن التأبيد بما كانت العرب يعبرون به على سبيل التمثيل. والمفهوم لا يقاوم المنطوق. إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ غير ما شاء الله من الزيادة على مدتها، مما لا منتهى له، والمعنى:
خالدين فيها أبدا. أو أن هذا استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم وهم فسّاق الموحدين يخرجون منها.
والخلاصة: إن خلود أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار ثابت بنصوص القرآن العديدة، وأما الاستثناء بالمشيئة هنا، فيراد به الدلالة على الثبوت والاستمرار، وعبر بذلك لبيان أن هذه القضايا بمشيئة الله تعالى إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أي من غير اعتراض أحد.
عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ غير مقطوع، وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع.
فَلا تَكُ يا محمد. فِي مِرْيَةٍ شك. مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ من الأصنام، إنا نعذبهم، كما عذبنا من قبلهم، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم. كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ أي كعبادتهم، والاستثناء بقوله:
إِلَّا كَما يَعْبُدُ معناه تعليل النهي عن المرية، أي هم وآباؤهم سواء في الشرك. نَصِيبَهُمْ حظهم من العذاب. غَيْرَ مَنْقُوصٍ أي تاما.
المناسبة:
الآيات متصلة بما قبلها من أجل بيان العبرة من قصص الأمم الظالمة، فبعد أن ذكر الله تعالى العبرة من إهلاك الأمم الظالمة في الدنيا، ذكر هنا العبرة بجزاء الآخرة لكل من الأشقياء والسعداء، وهي إقامة الدليل على صدق الأنبياء وصدق
وعد الله في الآخرة، والترهيب من عصيان الله والكفر به، لئلا يكون الإنسان من الأشقياء الذين يصلون النار، والترغيب بالإيمان وطاعة الله ليصير المؤمن الطائع مع السعداء الذين يتمتعون بالجنة.
التفسير والبيان:
إن في ذلك القصص المتقدم المتضمن إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين لدليلا واضحا وحجة قوية على صدق وعد الله في الآخرة، لمن يؤمن بها ويخاف عذابها، فيتقي الكفر والظلم والعصيان في الدنيا لأنه يعلم أن ما أخبر به الأنبياء من البعث والجزاء صدق لا شك فيه، وأن من عذب الظالمين في الدنيا قادر أن يعذبهم في الآخرة، وأن ما أصاب المجرمين في الدنيا ما هو إلا أنموذج لعذاب الآخرة.
قال الزمخشري: قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ إشارة إلى ما قص الله من قصص الأمم الهالكة بذنوبهم وقوله: لَآيَةً أي لعبرة لمن خاف عذاب الآخرة لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وما هو إلا أنموذج مما أعدّ لهم في الآخرة، فإذا رأى عظمه وشدته، اعتبر به عظم العذاب الموعود، فيكون له عبرة وعظة ولطفا في زيادة التقوى والخشية من الله تعالى، ونحوه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى [النازعات ٧٩/ ٢٦] «١».
ذلك اليوم يوم عذاب الآخرة يجمع فيه الناس جميعا أولهم عن آخرهم، ليحاسبوا على أعمالهم، ثم يجازوا عليها، كقوله تعالى: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف ١٨/ ٤٧] وذلك يوم مشهود، أي عظيم تحضره الملائكة، ويجتمع فيه الرسل، وتحشر فيه الخلائق بأسرهم من الإنس والجن والطير والوحوش والدواب، ويحكم فيه العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها.
والتصرف في الخلائق، سواء في الدنيا بإهلاك تلك الأمم وأمثالها، أو في الآخرة، إنما هو بإرادة الله واختياره لتربية الأمم، لا بالطبيعة كما يزعم الماديون الذين قالوا: إن الطوفان أو الغرق، والصاعقة، وخسف الأرض أو الزلازل أمور طبيعية غير إلهية. وأبسط رد عليهم أن تلك العقوبات حدثت بعد إنذار الرسل لأقوامهم، وحددوا لهم وقتا معلوما، كما قال صالح عليه السّلام: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود ١١/ ٦٥] وقال لوط: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ [هود ١١/ ٨١].
ثم أخبر الله تعالى عن تأخير يوم القيامة وعذابه إلى أجل معين: وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أي ما نؤخر إقامة القيامة إلا لانتهاء مدة محدودة في علمنا، لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وهي عمر الدنيا، لإعطاء الفرصة الكافية للناس لإصلاح أعمالهم، وتصحيح عقيدتهم، كقوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا، لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ، لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف ١٨/ ٥٨].
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ.. أي يوم يأتي يوم القيامة، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى، فهو صاحب الأمر والنهي، ولا يملك أحد فيه قولا ولا فعلا إلا بإذنه، كقوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا، لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ، وَقالَ صَواباً [النبأ ٧٨/ ٣٨] وقوله سبحانه: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ، وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ، فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه ٢٠/ ١٠٨].
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ.. أي فمن أهل الجمع من الناس في ذلك اليوم شقي معذّب لكفره وعصيانه، ومنهم سعيد منعّم في الجنان لإيمانه واستقامته، كما أخبر تعالى:
فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى ٤٢/ ٧] فمن أريد له الشر فعمل
الشر فهو من أهل الشقاوة، ومن أريد له الخير فعمل الخير، فهو من أهل السعادة، وكل ميسر لما خلق له.
روى الترمذي والحافظ أبو يعلى في مسنده عن عمر قال: لما نزلت:
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، علام نعمل؟
على شيء قد فرغ منه، أم على شيء لم يفرغ منه؟ فقال: «على شيء قد فرغ منه يا عمر، وجرت به الأقلام، ولكن كل ميسّر لما خلق له، وقرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى [الليل ٩٢/ ٥- ١٠].
ثم بيّن الله تعالى حال الأشقياء وحال السعداء فقال عن الفريق الأول:
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا.. أي فأما الأشقياء فهم في جهنم مستقرهم ومثواهم، بسبب اعتقادهم الفاسد وعملهم السيء، لهم من الهم والكرب وضيق الصدر زفير وشهيق، تنفسهم زفير، وإخراجهم النّفس، وشهيق، لما هم فيه من العذاب، كما ذكر ابن كثير، مع أن الزفير في العادة هو إخراج النّفس، والشهيق: ردّه.
خالِدِينَ فِيها.. أي ماكثين فيها على الدوام، مدة بقاء السموات والأرض، والمراد التأبيد ونفي الانقطاع، على سبيل التمثيل وقول العرب:
أفعل كذا أو لا أفعله ما أقام ثبير، وما لاح كوكب، وما تغنّت حمامة. ويجوز أن يكون المراد سماء الآخرة وأرضها، وهي دائمة مخلوقة للأبد، والدليل على أن للآخرة سموات (ما هو فوق الخلائق) وأرض (ما هم مستقرون عليه) وقوله:
تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [إبراهيم ١٤/ ٤٨] وقوله:
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر ٣٩/ ٧٤] ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلّهم ويظلهم، وكل ما أظلك فهو سماء. قال ابن عباس: لكل جنة أرض وسماء.
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ يراد بهذا الاستثناء الدلالة على الثبوت والاستمرار لأنه ثبت خلود أهل الجنة والنار فيهما إلى الأبد من غير استثناء، والمقصود بذلك بيان أن الخلود بمشيئة الله تعالى، ولا يخرج شيء في الدنيا والآخرة عن المشيئة الإلهية. وهو كقوله تعالى: النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام ٦/ ١٢٨] وقوله: قُلْ: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعراف ٧/ ١٨٨] وقوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى ٨٧/ ٦- ٧] والمراد بذلك كله تقييد الأحكام بمشيئة الله تعالى فقط، لا لإفادة عدم عمومها.
وهذا هو الظاهر الراجح. قال ابن جرير: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليل والنهار.
وللعلماء المفسرين أحد عشر قولا ذكرها القرطبي «١»، قال الزمخشري: هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة، وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار، بما هو أغلظ منها كلها، وهو سخط الله عليهم وإهانته إياهم. وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها، وأجلّ موقعا منهم وهو رضوان الله، ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة، مما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء، والدليل عليه قوله: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ «٢».
أي أنهم خالدون في كل من الجنة والنار إلا ما شاء ربك من تغيير هذا
(٢) الكشاف: ٢/ ١١٦
النظام المعدّ، أو الإضافة أو النقص منه، ويكون المراد أن كل شيء في قبضته وتحت تصرفه، إن شاء أبقاه وإن شاء منعه.
وقال أبو حيان: والظاهر أن قوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ استثناء من الزمان الدال عليه قوله: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ والمعنى إلا الزمان الذي شاءه الله تعالى، فلا يكون في النار ولا في الجنة، ويمكن أن يكون هذا الزمان المستثنى هو الزمان الذي يفصل الله بين الخلق يوم القيامة، إذا كان الاستثناء من الكون في النار والجنة لأنه زمان يخلو فيه الشقي والسعيد من دخول النار أو الجنة.
وأما إن كان الاستثناء من الخلود، فيمكن ذلك بالنسبة إلى أهل النار، ويكون الزمان المستثنى هو الزمان الذي فات أهل النار العصاة من المؤمنين الذين يخرجون من النار، ويدخلون الجنة، فليسوا خالدين في النار إذ قد أخرجوا منها، وصاروا في الجنة. وأما بالنسبة إلى أهل الجنة فلا يتأتى منهم ما تأتى في أهل النار إذ ليس منهم من يدخل الجنة، ثم لا يخلد فيها «١».
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أي يفعل ما يشاء، على وفق علمه ومقتضى حكمته، فهو يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له.
ثم ذكر الله تعالى جزاء الفريق الثاني وهم السعداء: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا أي وأما أهل السعادة وهم أتباع الرسل، فمأواهم الجنة، خالدين فيها، أي ماكثين فيها أبدا، مدة دوام السماء والأرض، بمشيئة الله تعالى، عطاء غير منقطع ولا ممنوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية، كقوله تعالى: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق ٨٤/ ٢٥].
قال ابن كثير: معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرا واجبا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى، فله المنة عليهم دائما، ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النّفس».
فكل من جزائي أهل النار وأهل الجنة دائم بمشيئة الله تعالى، فعذاب أهل النار في النار دائما مردود إلى مشيئته تعالى، وأنه بعدله وحكمته موافق لأعمالهم، وثواب أهل الجنة في الجنة بحسب مشيئته تعالى أيضا جزاء بما كانوا يعملون، إلا أنه تعالى أورد فرقا في ختام آية كل من الفريقين، فقال عقب بيان حال الأشقياء: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ كما قال: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء ٢١/ ٢٣] وقال عقب بيان حال السعداء: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ لتطييب القلوب، والإشارة إلى أن جزاء المؤمنين هبة منه تعالى وإحسان دائم،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟
قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».
وجاء في الصحيحين: «يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت»
وفي الصحيح أيضا: «فيقال: يا أهل الجنة، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا، فلا تيأسوا أبدا».
وبعد ذكر أحوال الأشقياء والسعداء، أنذر الله تعالى أعداء النبي صلى الله عليه وسلّم بتعذيبهم كما عذب الأمم المهلكة المتقدمة، فقال: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ أي إذا علمت يا محمد كل ما ذكر، وعرفت سنة الله في عباده، فلا تك في شك في عاقبة
ما يعبد المشركون، وفي نهايتهم، فكل ما يعبدون باطل وجهل وضلال، وعذابهم محقق لا شك فيه، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم ووعيد لقومه.
إنهم يعبدون الأوثان والأصنام مثلما يعبد آباؤهم، فهم مثلهم في الجهل، وهم مقلدون لهم، فليس لهم مستند فيما هم فيه إلا اتباع الآباء في الجهالات، وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء، فيعذبهم عذابا لا يعذبه أحدا، أما حسنات أعمالهم في الدنيا فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة تماما غير منقوص، فإذا كانوا محسنين فيها كبّر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء، وفعل الخير، فإن الله تعالى يوفيهم جزاءهم عليها في الدنيا بسعة الرزق والصحة، والسرور، ودفع الضرر، وهو جزاء عاجل زائل، وتمام غير نقص بمقتضى العدل الإلهي، فلا يغترن أحد بما يراه في الكفار أحيانا من نعمة ورخاء في الدنيا، فإن لهم الدنيا فقط، ويحرمون من نعيم الآخرة، وليس لهم فيها إلا العذاب الشديد بسبب كفرهم بالله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على الأحكام التالية:
١- الأنبياء على صدق تام فيما أخبروا به من أخبار الماضين، ومغيبات المستقبل، سواء في عالم الدنيا، أو في عالم الآخرة، من وقوع العذاب والعقاب، والحشر والحساب: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ أي لعبرة وموعظة لمن يخشى عذاب القيامة. وقوله: مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ يدل على إثبات الحشر، فالجمع: الحشر، أي يحشرون ليوم القيامة. وهو يوم يشهده البر والفاجر، ويشهده أهل السماء.
٢- البعث حق، ولكن اقتضت حكمة الله تأخير يومه لأجل معلوم معدود سبق به قضاؤه.
٣- السلطان المطلق في يوم القيامة لله عز وجل، فلا يتكلم فيه أحد بحجة ولا شفاعة إلا بإذنه تعالى. قال قوم: ذلك اليوم طويل، وله مواطن ومواقف، في بعضها يمنعون من الكلام، وفي بعضها يطلق لهم الكلام. وهذا يدل على أنه لا تتكلم نفس إلا بإذنه.
٤- الناس يوم القيامة صنفان: شقي وسعيد، الأشقياء في النار، والسعداء في الجنة، وكلاهما خالد مخلد فيما هم فيه، من العذاب أو الثواب، بمشيئة الله وإرادته.
وهذا الحكم من الله لا يتغير ولا يتبدل، فمن حكم الله عليه بحكم، وعلم منه عمله وأمره، امتنع أن يصير بخلافه، وإلا لزم أن يصير خبر الله تعالى كذبا، وعلمه جهلا، وذلك محال، فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا، وأن الشقي لا ينقلب سعيدا.
٥- اتفق الجمهور الأعظم من الأمة على أن عذاب الكافر دائم لأن الخلود المذكور في الآية المرتبط بدوام السموات والأرض يقصد به الدوام، على نحو تعبير العرب الذين يعبرون عن الدوام والأبد بقولهم: ما دامت السموات والأرض، وقولهم: ما اختلف الليل والنهار، وما طما البحر، وما أقام الجبل. أو أن المراد سموات الآخرة وأرضها، وفي الآخرة سماء وأرض، بدليل قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَالسَّماواتُ [إبراهيم ١٤/ ٤٨] وقوله: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر ٣٦/ ٧٤] وأيضا لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، وذلك هو الأرض والسموات.
٦- قوله تعالى: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ يدل على أن خلود أهل النار فيها وخلود أهل الجنة فيها حاصل بمشيئة الله تعالى، ولا يخرج شيء في الدنيا والآخرة عن المشيئة الإلهية، والمراد بالآية الدلالة على الثبوت والاستمرار. واستدل الرازي
بالآية على أنه تعالى يخرج الفساق المؤمنين من أهل الصلاة من النار، وهو المراد بهذا الاستثناء في ترجيحه المشابه له ترجيح أبي حيان، فالآية استثناء من الخلود، وهي في الذين زال حكم الخلود عنهم وهم عصاة المؤمنين.
وأما الاستثناء بالنسبة لأهل السعادة فيراد به في وجه ذكره الرازي رفع المنازل، فقد يرفع الله من الجنة إلى العرش، وإلى المنازل الرفيعة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، قال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة ٩/ ٧٢].
٧- نعيم أهل الجنة دائم غير منقطع ولا ممنوع، لقوله تعالى: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقوله: لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [الواقعة ٥٦/ ٣٣].
٨- إن عبادة المشركين أوثانهم وأصنامهم لا دليل عليها من العقل والمنطق، وإنما صادرة عن محض الجهل وتقليد الآباء والأسلاف، كما قال تعالى: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ.. الآية، أي فلا تك في شك من حال ما يعبدون في أنها لا تضر ولا تنفع، وأن الله عز وجل ما أمرهم بعبادتها، وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا لهم.
٩- الله تعالى عادل أيضا في حق الكفار، فيوفيهم ثواب أعمالهم الحسنة، في الدنيا، ولا يكون لهم ثواب عليها في الآخرة لأن قبول الأعمال حينئذ منوط بالإيمان، ولقوله تعالى: وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ أي أنهم وإن كفروا وأعرضوا عن الحق فإنا موفوهم نصيبهم من الرزق والخيرات الدنيوية.
ويحتمل أن يكون المراد: ما وعدوا به من خير أو شر، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ويحتمل أيضا إرادة أنه يوفيهم نصيبهم من العذاب، وربما كان الكل مرادا.
أهداف القصة في القرآن:
قد يتكرر إيراد القصة الواحدة في القرآن بأساليب مختلفة، لمناسبات متعددة، وتأثير نفسي متفاوت، وإيحاء متنوع الهدف. ويظهر لنا من بيان قصص الأمم السابقة في هذه السورة وغيرها من السور المكية غالبا أنها تهدف إلى تحقيق أغراض معينة أهمها ما يأتي:
١- الإخبار عن تواريخ بعض الأمم الماضية، وإلقاء الأضواء على حوادث غيبية مهمة جدا، لم يكن يدري بها النبي صلى الله عليه وسلّم ولا أحد من قومه ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ، وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف ١٢/ ١٠٢]، فيكون ذلك دليلا على صدق نبوته، وأن هذا القرآن من عند الله، وليس افتراء منه، كما زعم المشركون إذ قالوا كما حكى القرآن الكريم:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ، وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «١» اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان ٢٥/ ٤- ٦].
٢- إخبار الناس جميعا عن جهود الأنبياء والرسل في سبيل نشر دعوتهم، وصراعهم مع أقوامهم، ومجادلاتهم ومناقشاتهم السديدة المتنوعة لإظهار الحق وإبطال الباطل، ومدى استجابة أقوامهم لهم وإعراضهم عنهم، وتسلية لنبيا صلى الله عليه وسلّم عما كان يؤلمه من صدود الناس عن الإيمان برسالته، كما قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ، وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود ١١/ ١٢٠] وفيها بيان كونهم الأسوة الحسنة للجهاد والصبر
الشديد على الدعوة: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف ٤٦/ ٣٥].
٣- إظهار كون الأنبياء متفقين في أصول رسالتهم، وتأييد بعضهم بعضا في الدعوة إلى توحيد الله، والإيمان بالبعث والجزاء واليوم الآخر، وتبيان أصول الخير المشترك من الفضائل والأخلاق والقيم العليا: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ، ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف ١٢/ ١١١].
٤- القصة عنصر مشوق، جذاب محبب، مرغوب فيه في التربية والتعليم وإثبات البراهين العقلية بالوقائع الحسية، لا يختلف في التأثير بأسلوبها وحكاية عناصرها الكبار والشباب، والنساء والفتيات، وذلك يؤدي إلى غرس بذور الإيمان، والترغيب في الطاعة، والترهيب من المعصية، مما يجعل القصة مدرسة إلهية للمؤمنين، أساتذتها الأنبياء، وواقعها الأقوام، وتاريخها قديم عريق، وموضوعها إهلاك الظالمين، وغايتها التهذيب والإصلاح والتربية الحسنة.
٥- تهدف القصة القرآنية في المرتبة الأولى إلى إثبات توحيد الله وتقرير وجوده، وإثبات النبوة، والبعث، ويتخللها أحكام تشريعية هادفة مفيدة للفرد والجماعة، وللأمة والدولة، ولكل الشعوب والحكام.
٦- تبين القصة أن مهمة النبي مجرد تبليغ الوحي، وإعلام الناس بالإنذارات الإلهية بوقوع العذاب قريبا أم بعيدا، دون أن يكون لديه سلطان ما في التأخير والتغيير، والنفع والضر.
٧- تظهر القصة أيضا مدى التماثل في طباع البشر، ومدى استعدادهم للإيمان والكفر، والخير والشر.
٨- في القصة إظهار سلطان الله وقدرته وقوته القاهرة في تعجيل العذاب، الذي هو أنموذج عن عذاب الآخرة.
٩- تتضمن القصة التأييد الإلهي للرسل، وإظهار آيات الله ومعجزاته وحججه على الناس، مما يحمل على الإقناع بصحة الدعوة الإلهية، والإيمان بأصحابها الرسل.
١٠- كان لكل قصة مواعظ وعبر خاصة، تختلف باختلاف أصحابها، فقصة قوم نوح مثلا تمثل الغرور المستحكم والإصرار على الوثنية، وقصة قوم عاد تظهر مدى الاعتداد بالبطش والقوة والتجبر والعتو، وقصة قوم لوط تدل على انحطاط المستوى الإنساني، والشذوذ الجنسي، والفحش الأخلاقي، وقصة قوم شعيب مظهر من مظاهر الانحراف الاجتماعي أو الظلم الاجتماعي وأخذ حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل، وقصة قوم فرعون مثل بارز للاعتماد على السلطان والثروة والجاه، تهز عروش وكيان المتفرعنين الجبابرة في كل زمان ومكان، وجميع تلك القصص لمقاومة الوثنية والفوضى في نظام المجتمع، فإن كل أولئك الأمم كانوا وثنيين عبدة أصنام، وكانت جهود الأنبياء المكثفة مركزة على تخليص الناس من عبادة الأوثان والأصنام.
١١- القصة في الجملة عظة وعبرة، وعلاج للنفوس، واعتبار بما حل بالعصاة والكفار المتمردين، مما يذهل العقل، ويشيب الرأس، ويقطّع نياط القلب، ويجعل الإنسان في دهشة وخوف ورعب.
١٢- إن إخبار نبي أمي غير كاتب ولا قارئ، ولا راو ولا حافظ، وهو نبينا عليه الصلاة والسلام، عن تلك القصص، دليل قاطع على نبوته، وسمو رسالته، وحرصه على نشر العلوم والمعارف، وخفق ألوية الهدى والرشاد، ودليل قبل كل شيء على أن هذا القرآن كلام الله ودستوره لبني البشر إلى يوم القيامة.