آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يونس (١٠) : آية ٩٥]
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥)
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ هو أيضا من باب التهييج والإلهاب والتثبيت، وأجرى بعضهم هاهنا قاعدة، فقال: النهي عن كل شيء، إن كان لمن تلبس به فمعناه تركه، وإن كان لغيره فمعناه الثابت على عدمه، وألا يصدر منه في المستقبل كما هنا- انتهى- أو يأتي الوجهان الأخيران قبل هنا أيضا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ أي قوله الكريم، وأمره بعذابهم، كما قال:
وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة: ١٣].
لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أي كدأب آل فرعون وأضرابهم. أي: وعند رؤية العذاب يرتفع التكليف، فلا ينفعهم إيمانهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يونس (١٠) : آية ٩٨]
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨)
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ أي فهلا كانت قرية من القرى المهلكة آمنت قبل معاينة العذاب، ولم تؤخر إيمانها إلى حين معاينته، كما فعل فرعون، وفي هذا التخصيص معنى التوبيخ، فَنَفَعَها إِيمانُها بأن يقبله الله منها، ويكشف عنها بسببه العذاب. إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ أي لكنّ قومه لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ أي إلى آجالهم.
هذا، وقد جوز أن تكون الجملة في معنى النفي، لتضمن حرف التحضيض معناه، فيكون الاستثناء متصلا، لأن المراد من القرى أهاليها، كأنه قال: ما آمن أهل

صفحة رقم 63

قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس. ويؤيده قراءة الرفع على البدل.
روي أن يونس عليه السلام بعثه الله إلى نينوى، من أرض الموصل وكانت مدينة عظيمة، مسيرة ثلاثة أيام، وهي قصبة بلاد الآشوريين، بانيها آشور أو نينوس ابن نمرود، وكلاهما من أولاد بني نوح، وكانت من أقدم مدن العالم وأشهرها.
والمؤرخون الوثنيون يصفونها بأن ارتفاع اسوارها كان مائة قدم، ودائراتها ستون ميلا، وهي محصنة بألف وخمسمائة قلعة، طول الواحدة منهن مائتا قدم. قيل: أهلها كانوا يبلغون نحو ستمائة ألف. وخلفاء نمرود في هذه المدينة دأبوا على تحسينها، وتوسيع بنائها وقويت شوكة الآشوريين في تلك الأيام حتى خضع لهم أكثر ممالك آسيا، فتجبروا وتمردوا وكانوا كلما ظفروا في غاراتهم يستغرقون في النهب والمظالم، فأرسل الله تعالى إليهم يونس عليه السلام، واسمه في العبرية (يونان)، لينذرهم بأنهم لكفرهم واقترافهم الموبقات سيحل بهم العذاب بعد أربعين يوما فتنقلب بهم نينوى. ثم خرج يونس من بينهم فأصحر. فلما فقدوه، وبلغ أميرهم قول يونس، تخوفوا نزول العذاب الذي أنذروا به، فقذف الله في قلب أميرهم الإيمان والتوبة، فنزل عن عرشه، وألقى عنه حلته، والتف بمسح، وجلس على التراب، وآمن بالله، وآمن أهل نينوى كلهم، وأمر أن ينادى بنينوى بالصيام، فلا يذوق أحد طعاما ولا شرابا، ولا ترعى البهائم ولا تسقى، وأن يلبس الناس المسوح، صغيرهم وكبيرهم، وأن يجتمعوا في صعيد واحد، يجهرون بتسبيح الله. والإنابة إليه، والاستغفار له، والتوبة عما أسلفوا من الظلم والجرم، وأن يحضروا أطفالهم وذويهم ومواشيهم معهم. ففعلوا وتضرعوا إلى الله واستكانوا لجلاله، وسألوه أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيّهم. فلما علم منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف عنهم العذاب ورحمهم. وسيأتي في (سورة الصافات) زيادة في نبأ يونس عما هنا.
تنبيهات:
الأول: يروي بعض المفسرين هنا أن العذاب تدلى عليهم، وغشيهم، وجعل يدور على رؤوسهم، وغامت السماء غيما أسود، ونحو هذا. وليس في التنزيل بيان لهذا، ولا في صحيح السنة، وكأن من زعمه فهمه من لفظ كَشَفْنا، ولا صراحة فيه.
قال القرطبي: معنى كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ أي العذاب الذي وعدهم يونس أنه ينزل بهم لا أنهم رأوه حينئذ، فلا خصوصية، أي كما روي عن قتادة أن

صفحة رقم 64
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية