آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ

في شر أو مطلقا لحقه ذم إذ ليس من أفعال الآخرة بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنة على ذنبه وخوفه لربه، وقوله: مِمَّا يَجْمَعُونَ يريد من مال الدنيا وحطامها الفاني المؤذي في الآخرة.
قوله عز وجل:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠)
هذه المخاطبة لكفار العرب الذين جعلوا البحائر والسوائب والنصيب من الحرث والأنعام وغير ذلك مما لم يأذن الله به، وإنما اختلقوه بأمرهم، وقوله تعالى: أَنْزَلَ لفظة فيها تجوز، وإنزال الرزق، إما أن يكون في ضمن إنزال المطر بالمئال، أو نزول الأمر به الذي هو ظهور الأثر في المخلوق منه المخترع، ثم أمر الله نبيه بتوقيفهم على أحد القسمين، وهم لا يمكنهم ادعاء إذن الله تعالى في ذلك، فلم يبق إلا أنهم افتروه، وهذه الآية نحو قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ [الأعراف: ٣٢]، ذكر ذلك الطبري عن ابن عباس، وقوله وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الآية، وعيد، لما تحقق عليهم، بتقسيم الآية التي قبلها، أنهم مفترون على الله، عظم في هذه الآية جرم الافتراء، أي ظنهم في غاية الرداءة بحسب سوء أفعالهم، ثم ثنى بإيجاب الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء، والعصيان: والإمهال داعية إلى التوبة والإنابة، ثم استدرك ذكر من لا يرى حق الإمهال ولا يشكره ولا يبادر به فيه على جهة الذم لهم، والآية بعد هذا تعم جميع فضل الله وجميع تقصير الخلق في شكره، لا رب غيره.
قوله عز وجل:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣)
قصد الآية وصف إحاطة الله تعالى بكل شيء، ومعنى اللفظ وَما تَكُونُ يا محمد، والمراد هو وغيره فِي شَأْنٍ من جميع الشؤون وَما تَتْلُوا مِنْهُ الضمير عائد على شَأْنٍ أي فيه وبسببه من قرآن، ويحتمل أن يعود الضمير على جميع القرآن، ثم عم بقوله وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ، وفي قوله إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً، تحذير وتنبيه، وتُفِيضُونَ تنهضون بجد، يقال: أفاض الرجل في سيره وفي حديثه، ومنه الإفاضة في الحج ومفيض القدام، ويحتمل أن «فاض» عدي بالهمزة، ويَعْزُبُ معناه: يغيب حتى

صفحة رقم 127

يخفى حتى قالوا للبعيد عازب، ومنه قول الشاعر [ابن مقبل] :[الطويل]

عوازب لم تسمع نبوح مقامه ولم تر نارا تم حول محرم
وقيل للغائب عن أهله: عازب، حتى قالوه لمن لا زوجة له، وفي السير أن بيت سعد بن خيثمة كان يقال: بيت العزاب، وقرأ جمهور السبعة والناس «يعزب» يضم الزاي، وقرأ الكسائي وحده منهم: «يعزب» بكسرها وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة بن مصرف، قال أبو حاتم: القراءة بالضم، والكسر لغة، و «المثقال» : الوزن، وهو اسم، لا صفة كمعطار ومضراب، والذر: صغار النمل، جعلها الله مثالا إذ لا يعرف في الحيوان المتغذي المتناسل المشهور النوع والموضع أصغر منه، وقرأ جمهور الناس وأكثر السبعة: «ولا أصغر ولا أكبر» بفتح الراء عطفا على ذَرَّةٍ في موضع خفض لكن منع من ظهوره امتناع الصرف، وقرأ حمزة وحده: «ولا أصغر ولا أكبر» عطفا على موضع قوله مِثْقالِ، لأن التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة، و «الكتاب المبين» : اللوح المحفوظ، كذا قال بعض المفسرين، ويحتمل أن يريد تحصيل الكتبة، ويكون القصد ذكر الأعمال المذكورة قبل، وتقديم «الأصغر» في الترتيب جرى على قولهم:
القمرين والعمرين، ومنه قوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف: ٤٩] والقصد بذلك تنبيه، الأقل وأن الحكم المقصود إذا وقع على الأقل فأحرى أن يقع على الأعظم، وأَلا استفتاح وتنبيه، وأَوْلِياءَ اللَّهِ هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنّما نبهنا هذا التنبيه حذرا من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي، وروي عن النبي ﷺ أنه إذ سئل عن أولياء الله؟
فقال: الذين إذا رأيتهم ذكرت الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون، وروي عن النبي ﷺ أيضا أنه قال: «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه وقوله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يحتمل أن يكون في الآخرة، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذابا ولا عقابا ولا يحزنون لذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحدا من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر الله، وروي فيهم حديث: «إن أولياء الله هم قوم يتحابون في الله وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون»، وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ قال: «إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال: «قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال»، الحديث، ثم قرأ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
، وقوله الَّذِينَ آمَنُوا يصح أن يكون في موضع نصب على البدل من الأولياء، ويصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء على تقديرهم الذين، وكثيرا ما يفعل ذلك بنعت ما عملت فيه «أن» إذا جاء بعد خبرها، ويصح أن يكون الَّذِينَ ابتداء وخبره في قوله هُمُ الْبُشْرى

صفحة رقم 128
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية