آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﰿ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

هؤلاء وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ بشرط الإيمان من نعيم الجنان ولقاء الرحمن أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فنبلغك أقصى المراتب ومقامك المحمود فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ رجوعا اضطراريا لا اختياريا ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ من خسارة الدارين وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ في الظاهر من الأنبياء وفي الباطن من إلهام الحق. لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ في استكمال السعادة والشقاوة بَياتاً أي في الأزل أَوْ نَهاراً أي يظهر الآن ما قدّر لكم في الأزل.
قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ أي أقسم بربك الذي يريك أن وقوع الأمور الأخروية حق لأنك عبرت على الجنة والنار ليلة المعراج ظلمت بإفساد الاستعدادات. أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ الأرواح وأرض القلوب والنفوس أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ لأهل السعادة ولأهل الشقاوة في الأزل حَقٌّ... هُوَ يُحيِي قلوب بعضهم بالمعرفة وَيُمِيتُ قلوب آخرين بالجهل، أو يحيي بالنور ويميت بالظلمة، أو يحيي بصفة الجمال ويميت بصفة الجلال يا أَيُّهَا النَّاسُ يا أهل النسيان قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ هي خطاب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] وهو داء العشق وشفاء من ذلك الداء وهو توفيق إجابة بَلى لِما فِي الصُّدُورِ وهو القلب فإنها درة صدف الصدر وهدى عناية خاصة إذ الدعوة عامة والهداية خاصة. ورحمة اتصال إمداد الفيض إلى أن يبلغ غاية الكمال ويفوز بالوصول والوصال قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وهو إسماع الخطاب ورحمته وهو الإبقاء على مدلول الخطاب فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يجمعه أهل الدنيا في دنياهم ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ القلوب والأرواح فضلا عن النفوس والأشباح من الواردات والشواهد فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً على أنفسكم وَحَلالًا على غيركم أي حدثت أنفسكم بأن تحصيل هذه السعادات ونيل تلك الكرامات ليس من شأننا وإنما هو من شأن الأنبياء وخواص الأولياء قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أن تعرضوا عن هذه المقامات وتحيلوها إلى غيركم وتركنوا إلى الدنيا وزخارفها أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ بأن الدعوة اختصت بهم دوننا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ بتسوية الاستعداد الفطري.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦١ الى ٧٠]
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)

صفحة رقم 593

القراآت:
شَأْنٍ بغير همز حيث كان: أبو عمرو غير شجاع والأعشى ويزيد والأصفهاني عن ورش وحمزة في الوقف يَعْزُبُ بالكسر حيث كان: علي. الباقون بالضم. وَلا أَصْغَرَ وَلا أَكْبَرَ بالرفع فيهما: حمزة وخلف وسهل ويعقوب والمفضل.
الآخرون بالنصب.
الوقوف:
تُفِيضُونَ فِيهِ ط مُبِينٍ هـ يَحْزَنُونَ هـ ج لأن الَّذِينَ يصلح صفة ل أَوْلِياءَ ويصلح نصبا أو رفعا على المدح فيوقف على يَتَّقُونَ أو مبتدأ خبره هُمُ الْبُشْرى
فلا يوقف على يَتَّقُونَ فِي الْآخِرَةِ
طكَلِماتِ اللَّهِ
طْعَظِيمُ
هـ ط لأنه لو وصل لأوهم أن الضمير عائد إلى أَوْلِياءَ وقول الأولياء لا يحزن الرسول.
قَوْلُهُمْ م لئلا يوهم أن قوله: إِنَّ الْعِزَّةَ مقول الكفار. جَمِيعاً ط الْعَلِيمُ هـ الْأَرْضِ ط شُرَكاءَ ط يَخْرُصُونَ هـ مُبْصِراً ط يَسْمَعُونَ هـ سُبْحانَهُ ط الْغَنِيُّ ط وَما فِي الْأَرْضِ ط بِهذا ط ما لا تَعْلَمُونَ هـ لا يُفْلِحُونَ هـ ط، يَكْفُرُونَ هـ.
التفسير:
لما بين فساد طريقة الكفار في عقائدهم وأحكامهم بيّن كونه سبحانه عالما بعمل كل أحد وبما في قلبه من الدواعي والصوارف والرياء والإخلاص وغير ذلك فقال:
وَما تَكُونُ يا محمد فِي شَأْنٍ أي أمر من الأمور. وأصله الهمز بمعنى القصد من شأنت شأنه إذا قصدت قصده. قال ابن عباس: أي في شأن من أعمال البر. وقال الحسن: في شأن الدنيا وحوائجها و «ما» في وَما تَكُونُ وما يتلوا نافية والضمير في مِنْهُ إما لله عز وجل أي نازل من عنده، وإما للشأن لأن تلاوة القرآن شأن من شؤون رسول الله صلّى الله عليه وسلم بل هو معظم شأنه ولهذا أفرد بالذكر كقوله: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة: ٩٨] وإما للقرآن والإضمار قبل الذكر تفخيم له كأنه قيل: وما تتلو من التنزيل من قرآن لأن كل جزء منه قرآن. ثم عمم الخطاب فقال: وَلا تَعْمَلُونَ أيها المكلفون مِنْ

صفحة رقم 594

عَمَلٍ
أيّ عمل كان إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً شاهدين رقباء والجمع للتعظيم أو لأن المراد الملائكة الموكلون إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ الإفاضة الشروع في العمل على جهة الانصباب والاندفاع ومنه قوله: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ [البقرة: ١٩٨] قيل: شهادة الله علمه فيلزم أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وجودها. والجواب أن الشهادة علم خاص ولا يلزم منه امتناع تقدم العلم المطلق على الشيء كما لو أخبرنا الصادق أن زيدا يفعل كذا غدا فنكون عالمين بذلك لا شاهدين. ثم زاد في التعميم فقال: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ أي لا يبعد ولا يغيب ومنه كلأ عازب أي بعيد، والرجل العزب لبعده عن الأهل. ومعنى مِثْقالِ ذَرَّةٍ قد مر في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء: ١٤٠]. وذلك في سورة النساء. والمقصود أنه لا يغيب عن علمه شيء أصلا وإن كان في غاية الحقارة. وإنما قال هاهنا فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ خلاف ما في سورة سبأ وهو المعهود في القرآن لأن الكلام سيق لشهادته على شؤون أهل الأرض فناسب أن يقدم ذكر ما في الأرض، هذا بعد تسليم أن الواو تفيد الترتيب. ثم بالغ في تعميم علمه فقال: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ من قرأ بالنصب على نفي الجنس أو بالرفع على الابتداء ليكون كلاما برأسه فلا إشكال، وأما من جعله منصوبا معطوفا على لفظ مثقال لأنه في موضع الجر بالفتح لامتناع الصرف، أو جعله مرفوعا معطوفا على محل مِنْ مِثْقالِ لأنه فاعل يَعْزُبُ فأورد عليه الإشكال وهو أنه يصير تقدير الآية لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب، ويلزم منه أن يكون ذلك الشيء الذي في الكتاب خارجا عن علم الله وإنه محال.
ويمكن أن يجاب عنه بأن الأشياء المخلوقة قسمان: قسم أوجده الله تعالى ابتداء من غير واسطة كخلق الملائكة والسموات والأرض، وقسم آخر أوجده بواسطة القسم الأول من حوادث عالم الكون والفساد، ولا شك أن هذا القسم الثاني متباعد في سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة واجب الوجود، فالمراد من الآية أنه لا يبعد عن مرتبة وجوده شيء في الأرض ولا في السماء إلا هو في كتاب مبين. وهو كتاب أثبت فيه صور تلك المعلومات، والغرض الرد على من يزعم أنه تعالى غير عالم بالجزئيات. أو نقول: إن الاستثناء منقطع بمعنى لكن هو في كتاب مبين. وذكر أبو علي الجرجاني صاحب النظم أن «إلا» بمعنى الواو على أن الكلام قد تم عند قوله: وَلا أَكْبَرَ ثم وقع الابتداء بكلام آخر فقال: إِلَّا فِي كِتابٍ أي وهو أيضا في كتاب مُبِينٍ والعرب تضع «إلا» موضع واو النسق كثيرا ومنه قوله: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ [النمل: ١١] يعني ومن ظلم. وقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني والذين ظلموا.

صفحة رقم 595

ثم إنه لما بين إحاطته بجميع الأشياء وكان في ذلك تقوية قلوب المطيعين وكسر قلوب المذنبين أتبعها تفصيل حال كل فريق فقال: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ الآية. والتركيب يدل على القرب فكأنهم قربوا منه تعالى لاستغراقهم في نور معرفته وجماله وجلاله. قال أبوبكر الأصم: هم الذين تولى الله هدايتهم بالبرهان وتولوا القيام بحق عبوديته والدعوة إليه. وقال المتكلمون: ولي الله من يكون آتيا بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل، ويكون آتيا بالأعمال الصالحة الواردة في الشريعة وعنوا بذلك قوله تعالى في وصفهم الَّذِينَ آمَنُوا وهو إشارة إلى كمال حال القوة النظرية. وَكانُوا يَتَّقُونَ وهو إشارة إلى كمال حال القوة العملية. وهاهنا مقام آخر وهو أن يحمل الإيمان على مجموع الاعتقاد والعمل ويكون الولي متقيا في كل الأحوال، أما في موقف العلم فبأن يقدس ذاته عن أن يكون مقصورا على ما عرفه أو يكون كما وصفه، وأما في مقام العمل فأن يرى عبوديته وعبادته قاصرة عما يليق بكبريائه وجلاله فيكون أبدا في الخوف والدهشة. وأما نفي الخوف والحزن عنهم فقد مر تفسيره في أوائل سورة البقرة.
وعن سعيد بن جبير أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سئل من أولياء الله؟ فقال: هم الذين يذكر الله برؤيتهم.
يعني أن مشاهدتهم تذكر أمر الآخرة لما فيهم من آثار الخشوع والإخبات والسكينة.
وعن عمر سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله. قالوا: يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم.
قال: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فو الله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس. ثم قرأ الآية»
«١».
يحكى أن إبراهيم الخواص كان في البادية ومعه واحد يصحبه، فاتفق في بعض الليالي ظهور حالة قوية وكشف تام له فجلس في موضعه وجاءه السباع ووقفوا بالقرب منه والمريد تسلق على رأس شجرة خوفا منها والشيخ كان فارغا من تلك السباع، فلما أصبح زالت تلك الحالة. ففي الليلة الثانية وقعت بعوضة على بدنه فأظهر الجزع من تلك البعوضة فقال المريد: كيف تليق هذه الحالة بما قبلها؟ فقال الشيخ: تحملنا البارحة ما تحملناه بسبب قوة الوارد الغيبي، فلما غاب ذلك الوارد فإنا أضعف خلق الله. ثم أخبر الله سبحانه عنهم بأن هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
فقيل: بشراهم في الدنيا ما

(١) رواه الترمذي في كتاب الزهد باب ٥٣. أحمد في مسنده (٥/ ٢٢٩، ٢٣٩، ٢٤١).

صفحة رقم 596

بشر الله به المؤمنين المتقين في غير مكان من كتابه وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ [البقرة: ٢٥] يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ [التوبة: ٢١] وقيل: إنها عبارة عن محبة الناس لهم وعن ذكرهم إياهم بالثناء الحسن.
عن أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله إن الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس. قال: تلك عاجل بشرى المؤمن.
والدليل العقلي عليه أن الكمال محبوب لذاته فكل من اتصف بصفة الكمال كان محبوبا لكل أحد إذا أنصفه ولم يحسده، ولا كمال للعبد أعلى وأشرف من كونه مستغرق القلب في معرفة الله معرضا عما سواه. ونور الله مخدوم بالذات ففي أي قلب حصل كان مخدوما بالطبع لما سوى الله. وقيل: هي الرؤيا الصالحة.
وعنه صلّى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» «١»
وسبب تخصيص هذا العدد أن النبي صلّى الله عليه وسلم استنبىء بعد أربعين سنة إلى كمال عمره- وهو ثلاث وستون سنة- وكان يأتيه الوحي أوّلا بطريق المنام ستة أشهر. ونسبة هذه المدة إلى ثلاث وعشرين سنة التي هي جميع مدة الوحي نسبة الواحد إلى ستة وأربعين. وأما أن الرؤيا الصادقة توجب لبشارة فلأنها دليل صفاء القلب واتصال النفس إلى عالم القدس والاطلاع على بعض ما هنالك. وعن عطاء: البشرى في الدنيا هي البشارة عند الموت تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ [فصلت: ٣٠] وأما البشرى في الآخرة فتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرأون منها إلى آخر أحوالهم في الجنة تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده وقد مر مثله في «الأنعام» لِكَ
إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين، وكلتا الجملتين اعتراض ولا يجب أن يقع بعد الاعتراض كلام. تقول: فلان ينطق بالحق والحق أبلج، قال القاضي: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
يدل على أنها قابلة للتبديل، وكل ما يقبل العدم امتنع أن يكون قديما ومحل المنع ظاهر فإن نفي شيء عن شيء لا يلزم منه إمكانه له كقول الموحد: لا شريك لله. ثم سلى رسوله عن صنيع الفريق المكذبين فقال:
وَلا يَحْزُنْكَ أو نقول: إنه كما أزال الحزن عنه في الآخرة بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ أزال الحزن عنه في الدنيا بقوله: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ أي تكذيبهم لك وتهديدهم بالخدم

(١) رواه البخاري في كتاب التعبير باب ٢، ٤، ١٠. مسلم في كتاب الرؤيا حديث ٦، ٧، ٨، ٩. أبو داود في كتاب الأدب باب ٨٨. الترمذي في كتاب الرؤيا باب ١، ٢، ٦، ابن ماجه في كتاب الرؤيا باب ١، ٣، ٩. الدارمي في كتاب الرؤيا باب ٢. الموطأ في كتاب الرؤيا حديث ١، ٣. أحمد فى مسنده (٢/ ١٨، ٥٠). [.....]

صفحة رقم 597

والأموال وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك، وبالجملة كل ما يتكلمون به في شأنك من المطاعن والقوادح. ثم استأنف قوله: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ كأنه قيل: ما لي لا أحزن؟
فقيل: لأن العزة لله. جَمِيعاً إن الغلبة والقهر له ولحزبه كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: ٢١] وقرىء «أن» بالفتح لا على أنه بدل فإن ذلك يؤدي إلى أن القوم كانوا يقولون إن العزة لله جميعا والرسول كان يحزنه ذلك وهذا كفر، بل لأن التقدير لأن العزة على صريح التعليل، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم واثقا بوعد الله تعالى في جميع الأحوال وإن كان قد يقع في بعض الحروب والوقائع انكسار وهزيمة فإن الأمور بخواتيمها. ثم أكد الوعد بقوله: هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع ما يقولون ويعلم ما يدبرون فيكفيك شرهم.
ثم زاد في التأكيد مع إشارة إلى فساد عقيدة المشركين فقال: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ فخصص ذوي العقول إما للتغليب وإما لأن الآية سيقت لبيان فساد عقائد أهل الشرك، فذكر أن العقلاء المميزين- وهم الملائكة والثقلان- كلهم عبيد له ولا يصلح أحد منهم لأن يكون شريكا له فما وراءهم ممن لا يسمع ولا يعقل كالأصنام أولى بأن لا يكون ندا له. ثم أكد هذا المعنى بقوله وَما يَتَّبِعُ «ما» نافية ومفعول يَدْعُونَ محذوف أي ليس يتبع الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ شركاء في الحقيقة إنما هي أسماء لا مسميات لها لأن شركة الله في الربوبية محال. وإنما حذف أحد المكررين للدلالة، فالأول مفعول يَدْعُونَ والثاني مفعول يَتَّبِعُ ويجوز أن تكون «ما» استفهامية بمعنى أي شيء يتبعون. وشُرَكاءَ على هذا نصب ب يَدْعُونَ ولا حاجة إلى إضمار. ويجوز أن تكون «ما» موصولة معطوفة على «من» كأنه قيل: ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي وله شركاؤهم. ثم زاد في التأكيد فقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ وقد مر مثله في سورة الأنعام. ثم ذكر طرفا من آثار قدرته مع إشارة إلى بعض نعمه فقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ طلبا للراحة وَالنَّهارَ مُبْصِراً ذا إبصار باعتبار صاحبه أي جعله مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم وهذان طرفان من منافع الليل والنهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تأمل وتدبر وقبول.
ثم حكى نوعا آخر من أباطيلهم فقال: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ وقد مر في «البقرة». ولما نزه نفسه عن اتخاذ الولد برهن على ذلك بقوله: هُوَ الْغَنِيُّ وتقريره أن الغنى التام يوجب امتناع كونه ذا أجزاء، وحصول الولد لا يتصور إلا بعد انفصال جزء منه يكون كالبذر بالنسبة إلى النبات، وأيضا إنما يحتاج إلى الولد وإلى توليد المثل الذي يقوم

صفحة رقم 598

مقامه من يكون بصدد الانقضاء والانقراض فالأزلي القديم لا يفتقر إلى الولد ولا يصح له مثل. وأيضا الغني لا يفتقر إلى الشهوة ولا إلى إعانة الولد، ولو صح أن يتولد منه مثله لصح أن يكون هو أيضا متولدا من مثله ولا يشكل هذا بالولد الأول من الأشخاص الحيوانية فإن المدعي هو الصحة لا الوقوع. ثم بالغ في البرهان فقال: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وإذا كان الكل ملكه وعبيده فلا يكون شيء منها ولدا له لأن الأب يساوي الابن في الطبيعة بخلاف المالك. ثم زيف دعواهم الفاسدة فقال: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أي ما عندكم من حجة بهذا القول. قال في الكشاف: والباء حقها أن تتعلق بقوله: إِنْ عِنْدَكُمْ على أن يجعل القول مكانا للسلطان كقولك: ما عندكم بأرضكم موز. كأنه قيل: إن عندكم فيما تقولون سلطان. أقول: كأنه نظر إلى أن استعمال الباء بمعنى «في» أكثر منه بمعنى «على». ثم وبخهم على القول بلا دليل ومعرفة فقال: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. ثم أوعدهم على افترائهم فقال: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ الآية. ثم بين أن ذلك المفتري إن فاز بشيء من المطالب العاجلة والمآرب الخسيسة من رياسة ظاهرة وغرض زائل فذلك مَتاعٌ قليل فِي الدُّنْيا. ثم لا بد من الموت والرجوع إلى حكم الله ثم حصول الشقاء المؤبد والعذاب الأليم أعاذنا الله منه.
التأويل:
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ من النبوة وَما تَتْلُوا من شأن النبوة مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ يا أمة محمد صلّى الله عليه وسلم مِنْ عَمَلٍ من الأعمال من قبول القرن ورده من مثقال ذرة مما أظهر من حركة في أرض البشرية بعمل من أعمال الخير والشر. وَلا فِي السَّماءِ أي في سماء القلوب بالنيات الصالحة والفاسدة وَلا أَصْغَرَ من الحركة وهو القصد دون الفعل وَلا أَكْبَرَ من النية وهو العمل أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ الذين هم أعداء النفوس لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من تمني النظر بنفوسهم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من شهوات النفوس للعداوة القائمة بينهم هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
بالوقائع والمبشرات فِي الْآخِرَةِ
بكشف القناع عن جمال العزة. تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
لأحكامه الأزلية حيث قال للولي كن وليا وللعدوّ كن عدوا وَلا يَحْزُنْكَ يا رسول القلب قول مشركي النفوس في تزيين شهوات الدنيا ولذاتها في نظرك إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً يعز من يشاء في الدنيا وفي الآخرة جميعا فلا يمنعه نعيم الدنيا عن نعيم الآخرة بل ربما يعينه على الآخرة كما
جاء في الحديث الرباني «وإن من عبادي من لا يصلحه الا الغنى فإن أفقرته يفسده ذلك»
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أي القلوب السماوية والنفوس الأرضية إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أي يظنون أنهم يتبعون شركاء الدنيا والهوى باختيارهم لا باختيارنا

صفحة رقم 599
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية