
ينتقم منهم في العاجل انتقم منهم في الآجل (١).
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾، ذكر المفسرون (٢)، وأصحاب المعاني (٣) في هذه الآية قولين:
أحدهما: أن مجيء الرسول والقضاء بينهم في الدنيا، وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: فإذا كذبوا رسولهم قضي بينهم بالعدل (٤)، وقال عطية العوفي: يقول الله تعالى: أرسلت إلى كل أمة رسولاً، فإذا جاء رسولهم وبلغهم الكتاب وكذبوه قضي بينهم وبين رسولهم في الدنيا بالعدل؛ فعُذب المكذبون (٥)، ونجا (٦) الرسل (٧) والمؤمنون.
القول الثاني: أن المراد بمجيء الرسول والقضاء ما يكون في القيامة، وهو قول مقاتل ومجاهد وابن عباس في بعض الروايات (٨)، قال مجاهد: فإذا جاء رسولهم يوم القيامة (٩)، وقال مقاتل: فإذا جاء رسولهم في الآخرة (١٠).
(٢) انظر: "تفسير السمرقندي" ٢/ ١٠٠، والثعلبي ٧/ ١٦ ب، والبغوي ٤/ ١٣٦.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٦٣.
(٤) ذكره ابن الجوزي ٤/ ٣٧ بنحوه، عن عطاء بن السائب.
(٥) في (ح) و (ز): (المكذبين).
(٦) في (ى): (ونجي).
(٧) في (ى): (الرسول).
(٨) منها رواية الكلبي كما في "تفسير الماوردي" ٢/ ٤٣٧.
(٩) رواه ابن جرير ١١/ ١٢١، وابن أبي حاتم ٦/ ١٩٥٥، والثعلبي ٧/ ١٢ ب، والبغوي ٤/ ١٣٦.
(١٠) "تفسير مقاتل" ١٤١ أ، والثعلبي ٧/ ١٢ ب، والبغوي ٤/ ١٣٦.

وقال ابن عباس: إن الله تعالى يقول لهم يوم القيامة: ألم يأتكم رسلي بكتبي؟ فيقولون: ما أتانا لك رسول ولا كتاب (١)، ثم يؤتى بالرسول فيقول: قد أبلغتهم كتابك، فذلك قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ (٢).
قال أبو إسحاق: ودليل القول الأول: قوله: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [النساء: ١٦٥] الآية، أعلم أنه لا يعذب قومًا إلا بعد الإعذار والإنذار، ودليل القول الثاني قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠]، أعلَم الله أن كل رسول شاهد على أمته بإيمانهم وكفرهم (٣).
وزاد ابن الأنباري بيانًا ومعنى فقال في القول الأول: ولكل أمة رسول يرسله الله إليهم سفيرًا بينه وبينهم، مبشرًا ومنذرًا، فإذا جاءهم الرسول في الدنيا ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ أي: حكم عليهم عند اتباعه وعناده (٤) بالمعصية والطاعة والضلالة والهدى (٥)، فالقضاء بالقسط على
(٢) أورده القرطبي في "تفسيره" ٨/ ٣٤٩ بمعناه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٣/ ٢٤ بتصرف بالزيادة وترتيب الجمل، وقد يكون ذلك بسبب اختلاف النسخ، كما أشار إليه الأزهري في "مقدمة التهذيب" ١/ ٢٧.
(٤) في "الوسيط" عند اتباع المؤمنين وعناد الكافرين.
(٥) ذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٤٩، أشار إليه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٤/ ٣٧ دون تعيين القاتل.