آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

وكان ابن أبي ليلى يقول في قوله: (ولا يرهق وجوههم قتر) ما:-
١٧٦٤٣- حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال، حدثنا عفان قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة)، قال: بعد نظرهم إلى ربِّهم. (١)
١٧٦٤٤- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج، ومعلَّى بن أسد قالا حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بنحوه.
١٧٦٤٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: (ولا يرهق وجوههم قتر)، قال: سوادُ الوجوه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين عملوا السيئات في الدنيا، فعصوا الله فيها، وكفروا به وبرسوله (٢) = (جزاء سيئة)، من عمله السيئ الذي عمله في الدنيا = (بمثلها)، من عقاب الله في الآخرة = (وترهقهم ذلة)، يقول: وتغشاهم ذلة وهوان، بعقاب الله إياهم (٣)
= (ما لهم من الله من عاصم)، يقول: ما لهم من الله من مانع يمنعهم، إذا عاقبهم، يحول بينه وبينهم.
* * *

(١) الأثر: ١٧٦٤٣ - " محمد بن منصور بن داود الطوسي "، شيخ الطبري، مضى برقم: ٦٦٥٣.
(٢) انظر تفسير " كسب " فيما سلف من فهارس اللغة (كسب)، (سوأ).
(٣) انظر تفسير " الرهق " فيما سلف قريبًا ص: ٧٢.
= وتفسير " ذلة " فيما سلف ص: ٧٢، تعليق: ٣، والمراجع هناك.

صفحة رقم 73

وبنحو الذي قلنا قوله:"وترهقهم ذلة" قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٦٤٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وترهقهم ذلة)، قال: تغشاهم ذلة وشدّة.
* * *
واختلف أهل العربية في الرافع ل "لجزاء".
فقال بعض نحويي الكوفة: رُفع بإضمار "لهم"، كأنه قيل: ولهم جزاء السَّيئة بمثلها، كما قال: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ)، [سورة البقرة: ١٩٦]، والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام، قال: وإن شئت رفعت الجزاءَ بالباء في قوله: (وجزاء سيئة بمثلها). (١)
* * *
وقال بعض نحويي البصرة: "الجزاء" مرفوع بالابتداء، وخبره (بمثلها). قال: ومعنى الكلام: جزاء سيئة مثلها، وزيدت "الباء"، كما زيدت في قوله: " بحسبك قول السُّوء".
وقد أنكر ذلك من قوله بعضُهم، فقال: يجوز أن تكون "الباء" في "حسب" [زائدة (٢) ]
لأن التأويل: إن قلت السوء فهو حسبك = فلما لم تدخل في الخبر، (٣) أدخلت في "حسب"، "بحسبك أن تقوم": إن قمت فهو حسبك. (٤) فإن مُدح ما بعد "حسب" أدخلت "الباء"، فيما بعدها، كقولك: "حسبك بزيد"،

(١) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٤٦١، وفي المطبوعة: " وجزاء سيئة بمثلها " بالواو، وفي معاني القرآن للفراء " فجزاء " بالفاء، ولا أجد في القرآن آية فيها مثل ذلك بالواو أو بالفاء، وإنما عني هذه الآية بعينها.
(٢) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: " لم تدخل في الجزاء "، وهو خطأ لا ريبة فيه.
(٤) أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.

صفحة رقم 74

ولا يجوز "بحسبك زيد"، لأن زيدًا الممدوح، فليس بتأويل خبَرٍ. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يكون "الجزاء" مرفوعًا بإضمارٍ، بمعنى: فلهم جزاء سيئة بمثلها، لأن الله قال في الآية التي قبلها: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، فوصف ما أعدَّ لأوليائه، ثم عقب ذلك بالخبر عما أعدّ الله لأعدائه، فأشبهُ بالكلام أن يقال: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة، وإذا وُجِّه ذلك إلى هذا المعنى، كانت الباء صلة للجزاء.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات (٢)
= (قِطَعًا من الليل)، وهي جمع "قطعة".
* * *
وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما:-
١٧٦٤٧- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلمًا)، قال: ظلمة من الليل.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: (قطعًا) فقرأته عامة قراء الأمصار: (قِطَعًا) بفتح الطاء، على معنى جمع "قطعة"،

(١) في المطبوعة والمخطوطة في هذا الموضع أيضًا: " فليس بتأويل جزاء "، وهو فساد لا شك فيه.
(٢) انظر تفسير " الإغشاء " فيما سلف ١٢: ٤٨٣، تعليق: ٢، والمراجع هناك.

صفحة رقم 75

وعلى معنى أنَّ تأويل ذلك: كأنما أُغشِيَت وَجْه كل إنسان منهم قطعةٌ من سواد الليل، ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد، إذ جُمِع "الوجه".
* * *
وقرأه بعض متأخري القراء: "قِطْعًا" بسكون الطاء، بمعنى: كأنما أغشيت وجوههم سوادًا من الليل، وبقيةً من الليل، ساعةً منه، كما قال: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ)، [سورة هود: ٨١ /سورة الحجر: ٦٥]، أي: ببقية قد بقيت منه.
ويعتلُّ لتصحيح قراءته كذلك، أنه في صحف أبيّ: (وَيَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ). (١)
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي، قراءةُ من قرأ ذلك بفتح الطاء، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها، وشذوذ ما عداها. وحسبُ الأخرى دلالةً على فسادها، خروج قارئها عما عليه قراء أهل أمصار الإسلام. (٢)
* * *
فإن قال لنا قائل: فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت، فما وجه تذكير "المظلم" وتوحيده، وهو من نعت "القطع"، و"القطع"، جمع لمؤنث؟
قيل: في تذكير ذلك وجهان: (٣)
أحدهما: أن يكون قَطْعًا من "الليل" (٤). وإن يكون من نعت "الليل"، فلما كان نكرةً، و"الليل" معرفةً، نصب على القَطْع،
فيكون معنى الكلام حينئذ: كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل المظلم = ثم حذفت الألف واللام

(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٦٢.
(٢) في المطبوعة: " أهل الأمصار والإسلام "، وهو عبث سخيف.
(٣) في المطبوعة: " في تذكيره "؛ بالهاء مضافة، وهو عبث أيضًا.
(٤) " القطع " (بفتح فسكون)، الحال، كما سلف مرارًا شرحه وبيانه، وانظر ما سلف ١١: ٤٥٥ / ١٢: ٤٧٧، وفهارس المصطلحات. وقد بين الطبري في هذا الموضع بأحسن البيان عن معنى " القطع "، وقد سلف كلامنا فيه مرارًا.

صفحة رقم 76
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية