آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

والبَنِينَ، إِذ مصيرُ ذلك إِلى الفَناءِ كمطرٍ نَزَلَ من السماءِ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ، أي: اختلط النباتُ بعْضُهُ ببعض بسَبَبِ الماء، ولفظ البخاريِّ: قال ابن عباس: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ: فنبت بالماء مِنْ كلِّ لونٍ «١» انتهى. وأَخَذَتِ الْأَرْضُ لَفْظَةٌ كثُرت في مثل هذا، كقوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ [الأعراف: ٣١] والزُّخْرُف: التزيينُ بالألوان، وقرأ ابن مسعود «٢» وغيره: «وتَزَيَّنَتْ»، وهذه أصل قراءة الجمهور.
وقوله: وَظَنَّ أَهْلُها: على بابها، وهذا الكلامُ فيه تشبيهُ جملة أمْرِ الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، وحَتَّى غايةٌ، وهي حرفُ ابتداء لدخولها على «إِذا»، ومعناهما متَّصِلٌ إِلى قوله: قادِرُونَ عَلَيْها، ومن بعد ذلك بدأ الجوابُ، والأمْرُ الآتي:
واحدُ الأمور كالرِّيحِ، والصِّرِّ، والسَّمُومِ، ونحوِ ذلك، وتقسيمُهُ لَيْلًا أَوْ نَهاراً، تنبيهٌ على الخَوْف وارتفاع الأمن في كلّ وقت، وحَصِيداً، بمعنى محصود، أي: تالفاً مستهلكاً، كَأَنْ لَمْ تَغْنَ: أي: لم تنضر، ولم تنعم، ولم تعمر بغَضَارتها، ومعنى الآية:
التحذير من الاغترار بالدنيا إِذ هي معرَّضة للتلف كنبات هذه الأرض وخَصَّ المتفكِّرين بالذكْر تشريفاً للمنزلة وليقَعَ التسابُقُ إِلى هذه الرتبة.
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ... الآية: نصٌّ أن الدعاء إِلى الشرْع عامٌّ في كل بَشَرٍ، والهداية التي هي الإِرشادُ مختصّة بمن قدّر إيمانه، والسَّلامِ هنا: قيل: هو اسم من أسماء اللَّه تعالى، والمعنَى: يدعو إِلى داره التي هي الجنّة، وقيل: السَّلامِ بمعنى السّلامة.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٦ الى ٣١]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ مَّا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١)

(١) أخرجه البخاري (٨/ ١٩٦) كتاب «التفسير» باب: «سورة يونس» وذكره معلقا بصيغة الجزم، ووصله ابن جرير من طريق آخر عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا... ، قال الحافظ: اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض، وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٥٤٦) برقم: (٣/ ١٧٦).
(٢) ينظر: «الكشاف» (٢/ ٣٤١)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ١١٤)، وزاد نسبتها إلى الأعمش وأبي بن كعب، وينظر: «البحر المحيط» (٥/ ١٤٥)، وزاد نسبتها إلى زيد بن علي، وهي في «الدر المصون» (٤/ ٢١).

صفحة رقم 243

وقوله سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ: قال الجمهور: الْحُسْنى:
الجنةُ، وال زِيادَةٌ: النَّظَر إِلَى وجهِ اللَّه عزَّ وجلَّ وفي «صحيح مسلمٍ» من حديثِ صُهَيْبٍ: «فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»، وفي رواية: ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وأخرج هذه الزيادةَ النَّسَائِيُّ عن صُهَيْبٍ، وأَخْرَجَهَا عن صُهَيْبٍ أَيضاً أَبو دَاوُدَ الطَّيَالِسي «١» انتهى من «التذكرة» «٢».
وقوله سبحانه: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ... الآية. ويَرْهَقُ معناه:
يَغْشَى مع غلبةٍ وتضييقٍ، وال قَتَرٌ: الغُبَار المُسْوَدُّ.
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها قالت فِرْقَةٌ: التقديرُ لهم جزاءُ سيئةٍ بمثلها، وقالت فرقة: التقديرِ جزاءُ سيِّئة مثلها، والباء زائدةٌ، وتعم السيئاتُ هاهنا الكفر والمعاصي، وال عاصِمٍ: المنجّي والمجير، وأُغْشِيَتْ: كسبت، و «القَطْع» :
جمع قِطْعة، وقرأ ابن كثيرٍ والكِسَائِيُّ: «قَطْعاً مِنَ اللَّيْلِ» - بسكون الطاء- «٣»، وهو الجُزْء من الليل، والمراد: الجُزْء من سواده، وباقي الآية بيّن.
ومَكانَكُمْ: اسم فعلِ الأَمْرِ، ومعناه: قِفُوا واسكنوا، ت: قال ص:
وقدِّر ب «اثبتوا» وأما من قدَّره ب «الزموا مكانَكُمْ»، فمردودٌ، لأن «الزموا» متعدّ، ومَكانَكُمْ: لا يتعدَّى، فلا يقدَّر به، وإلا لكان متعدياً، واسم الفعل عَلَى حَسَب الفعلِ إِنْ متعدياً فمتعدٍّ، وإِنْ لازماً فلازِمٌ، ثم اعتذر بأنه يمكن أن يكون تقديره ب «الزموا» تقديرَ معنًى، لا تقديرَ إِعرابٍ، فلا اعتراض، انتهى.
قال ع «٤» : فأخبر سبحانَهُ عن حالةٍ تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون

(١) أخرجه مسلم (١/ ٥٥٤- ٥٥٥) -، كتاب «الإيمان» باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم، حديث (٢٩٧- ٢٩٨/ ١٨١)، والنسائي في «التفسير» (٢٥٤)، وابن ماجه (١٨٧)، والترمذي (٢٥٥٢).
(٢) ينظر: «التذكرة» للقرطبي (٢/ ٦٥٣). [.....]
(٣) وتحتمل هذه القراءة أن تكون مفردا من الجمع، أو تخفيفا من قطع مثل نطع، ونطع.
ينظر: «الدر المصون» (٤/ ٢٥).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١١٧).

صفحة رقم 244
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية