
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٦ الى ٣٦]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف بن يعقوب الفقيه في آخرين قالوا: حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار. الحسن بن عرفة العبدي حدثني سلم بن سالم البلخي عن نوح عن أبيّ عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن هذه الآية لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ فقال: «الذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنّة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم» [٧٩] ».
وهو قول أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) وحذيفة وأبي موسى وصهيب وعبادة بن الصامت وكعب ابن عجرة وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن سابط والحسن وعكرمة وأبي الجوزاء والضحاك والسدي وعطاء ومقاتل، يدلّ عليه:
ما
أخبرنا أبو إسحاق بن الفضل القهندري أخبرنا أبو علي الصفار. الحسن بن عرفة. يزيد ابن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال:
قال: رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا لم تروه، قال: فيقولون وما هو؟ ألم تبيضّ وجوهنا وتزحزحنا عن النار وتدخلنا الجنة. قال:
فيكشف الحجاب- تبارك وتعالى- فينظرون إليه- قال: فو الله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه [٨٠] «٢».
(٢) مسند أحمد: ٤/ ٣٣٢.

قال ابن عباس: الذين أَحْسَنُوا الْحُسْنى يعني الذين شهدوا أن لا إله إلّا الله الجنة.
وروى عطية عنه هي أن واحدة من الحسنات واحدة والزيادة التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف «١».
وروى جويبر عن الليث عن عبد الرحمن بن سابط قال: الحسنى: النظرة، والزيادة:
النظر. قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «٢».
وروى الحكم عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: الزيادة غرفة من لؤلؤ واحدة لها أربعة ألف باب.
مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة والزيادة مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ، ابن زيد:
الحسنى: الجنة والزيادة ما أعطاهم في الدعاء لا يحاسبهم به يوم القيامة.
حكى منصور بن عمار عن يزيد بن شجرة قال: الزيادة: هي أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتمطرهم من كل النوادر، وتقول لهم: ما تريدون ان أمطركم؟ فلا يريدون شيئا إلّا مطرتهم.
وَلا يَرْهَقُ يغشى ويلحق وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ غبار وهو جمع قترة. قال الشاعر:
متوج برداء الملك يتبعه | موج ترى فوقه الرايات والقترا «٣» |
وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ من عذاب الله مِنْ عاصِمٍ أي من مانع، ومن صلة كَأَنَّما أُغْشِيَتْ ألبست وُجُوهُهُمْ قِطَعاً أكثر القراء على فتح الطاء وهو جمع قطعة ويكون «مُظْلِماً» على هذه القراءة نصبا على الحال والقطع دون النعت كأنه أراد قطع من الليل المظلم فلما حذف الألف واللام نصب. يجوز أن يكون مُظْلِماً صفة لقطع- وسط الكلام- كقول الشاعر:
لو أن مدحة حي منشر أحدا
وقرأ أبو جعفر والكسائي وابن كثير قِطَعاً بإسكان الطاء وتكون مُظْلِماً على هذا نعت كقوله: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، اعتبارا بقراءة أبيّ: كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ
(٢) سورة القيامة: ٢٢. ٢٣.
(٣) البيت للفرزدق كما في الصحاح: ٢/ ٧٨٥.

اثبتوا وقفوا في موضعكم ولا تبرحوا أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ يعني الأوثان فَزَيَّلْنا ميّزنا وفرقنا بين المشركين وشركائهم وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا بذلك حين [اتخذوا] كل معبود من دون الله من خلقه وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ يقولون بلى كنا نعبدكم فيقول الأصنام: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ أي ما كنا عن عبادتكم إيّانا إلّا غافلين، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل. قال الله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا أي تخبر وقيل: تعلم، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى وحمزة والكسائي (تَبْلُوا) بالتاء «١»، وهي قراءة ابن مسعود في معنى: وتقرأ.
كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ صحيفتها، وقيل: معناه تتبع ما قدمت من خير وشرّ، وقال ابن زيد [تعاون] وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ [بطل] عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ [من الآلهة] قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ المطر وَالْأَرْضِ النبات أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ الذي فعل هذه الأشياء فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ أفلا تخافون عقابه في شرككم فَذلِكُمُ اللَّهُ الذي يفعل هذه الأشياء رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ فمن أين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرّون كَذلِكَ فسرها الكلبي هكذا في جميع القرآن حَقَّتْ وجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ حكمه وعلمه السابق.
وقرأ الأعرج: كلمات عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا كفروا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ينشئ من غير أصل ولا [مثال] ثُمَّ يُعِيدُهُ يحييه بهيئته بعد الموت [أي قل لهم يا محمد ذلك على وجهة التوبيخ والتقرير] «٢» فإن أجابوك وإلّا قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ تصرفون عن قصد السبيل قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ أوثانكم مَنْ يَهْدِي يرشد إِلَى الْحَقِّ فإذا قالوا: لا، فلا بدّ لهم منه قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أي إلى الحق أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي.
اختلف القراء فيه، فقرأ أهل المدينة: مجزومة الهاء مشدّدة الدال لأن أصله يهتدي فأدغمت التاء في الدال وتركت الهاء على [السكون] في قراءتهم بين ساكنين كما فعلوا في قوله:
(تَعُدُّوا ويَخِصِّمُونَ).
وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الهاء وتشديد الدال وقلبت الياء المدغمة الى الهاء، فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ عاصم وورش بكسر الهاء وتشديد الدال فرارا من التقاء الساكنين.
[لأن الجزم إذا اضطر إلى حركته] تحول إلى الكسر. قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر.
(٢) أثبتناه من تفسير القرطبي: ٨/ ٣٤١.