آيات من القرآن الكريم

۞ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى الأدلة على فساد عبادة الأوثان، وشبهات المشركين حول الرسالة والقرآن، ذكر هنا أن عادة هؤلاء الأشقياء المكرُ، والجحودُ، والعِنَاد، فإن أصابتهم الشدة تضرّعوا، وإن جاءتهم الرحمة بطروا وكفروا، ثم ضرب تعالى المثل بالحياة الدنيا في الزوال والفناء، ثم عاد إِلى ذكر الأدلة والبراهين، على وحدانية الله ربّ العالمين.
اللغَة: ﴿عَاصِفٌ﴾ العاصف: الريح الشديدة التي تعصف بالأوراق والأشجار، قال الفراء: يقال عصفت الريح وأعصفت أي اشتدت قال الشاعر:

إِن الرياح إذا ما أعصَفَتْ قَصَفَتْ عيدانَ نجدٍ ولا يَعْبأنَ بالرّتم
﴿الموج﴾ ما ارتفع من الماء فوق البحر، سُمّي موجاً لاضطرابه ﴿زُخْرُفَهَا﴾ الزخرف: كمالُ حسنِ الشيء ونضارتهُ، سُمّي زخرفاً لبهجته ونضارته ﴿تَغْنَ﴾ غني بالمكان إِذا أقام به وعَمره ﴿يَرْهَقُ﴾ يغشى ويعلو يقال: رهقه الذل أي غشيه ﴿قَتَرٌ﴾ القَتر والقترة: الغبار الذي معه سواد قال تعالى ﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ [عبس: ٤١] أي تعلوها غَبَرة جهنم، وقيل: القَتَر الغبارُ وإن لم يكن معه سواد قال الفرزدق:
متوّجٌ برداء الملك يتبعه موجٌ ترى فوقه الراياتِ والقَتَرا
﴿زَيَّلْنَا﴾ فرَّقنا وميّزنا ﴿تُؤْفَكُونَ﴾ تصرفون عن الحق إِلى الباطل.
التفسِير: ﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ﴾ المراد بالناس كفار مكة رُوي أن الله سلّط عليهم القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون فطلبوا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يدعو لهم بالخصب ووعدوه بالإِيمان فلما رحمهم الله بإنزال المطر رجعوا إلى الكفر والعناد والمعنى: وإذا أذقنا هؤلاء المشركين رخاءً بعد شدة، وخصباً بعد جدب أصابهم ﴿إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ في آيَاتِنَا﴾ قال مجاهد: استهزاءٌ وتكذيب ﴿قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً﴾ أي أعجل عقوبة على جزاء مكرهم ﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ أي إنَّ الملائكة الحفظة يكتبون مكركم ويسجّلون إجرامكم، وفيه تنبيهٌ على أن ما دبَّروه غير خاف على

صفحة رقم 539

الحفظة فضلاً عن العليم الخبير ﴿هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر﴾ أي هو تعالى بقدرته الذي يحملكم في البر على الدواب، وفي البحر على السفن التي تسير على وجه الماء ﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك﴾ أي حتى إذا كنتم في البحر على ظهور هذه السفن ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ فيه التفات أي وجرين بهم بالريح الليِّنة الطرية التي تسيَّر السفن ﴿وَفَرِحُواْ بِهَا﴾ أي فرح الركاب بتلك الريح الطيبة ﴿جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ أي وفجأةً جاءتها الريح الشديدة العاصفة المدمّرة ﴿وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي وأحاطت بهم أمواج البحار من كل جهة ﴿وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ أي أيقنوا بالهلاك ﴿دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي أخلصوا الدعاء لله وتركوا ما كانوا يعبدون، قال القرطبي: وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إِلى الله في الشدائد، وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافراً، لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى ربّ الأرباب ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾ أي لئن أنقذتنا من هذه الشدائد والأهوال لنكونن من الشاكرين لك على نعمائك، والعاملين بطاعتك ومرضاتك قال في البحر: ومعنى الإِخلاص إفراده بالدعاء من غير إشراك أصنام وغيرها وقال الحسن: مخلصين لا إخلاص إيمان ولكن لأجل العلم بأنهم لا ينجيهم من ذلك إلا الله فيكون ذلك جارياً مجرى الإِيمان الاضطراري ﴿فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ أي فلما خلّصهم وأنقذهم إذا هم يعملون في الأرض بالفساد والمعاصي قال ابن عباس: يبغون بالدعاء فيدعون غير الله ويعملون بالمعاصي قال تعالى رداً عليهم ﴿ياأيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ﴾ أي وبالُ البغي عليكم، ولا يجني ثمرته إلا أنتم ﴿مَّتَاعَ الحياة الدنيا﴾ أي تتمتعون في هذه الحياة بالشهوات الفانية، التي تعقبها الحسرات الباقية ﴿ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي مرجعكم بعد الموت إلينا فنجازيكم عليها، وفي هذا وعيدً وتهديد.
والآية الكريمة تمثيلٌ لطبيعة الإِنسان الجحود، لا يذكر الله إلا في ساعة العسرة، ولا يرجع إليه إلا وقت الكرب والشدة، فإِذا نجّاه الله من الضيق، وكشف عنه الكرب، رجع إلى الكفر والعصيان، وتمادى في الشرِّ والطغيان. ثم ضرب تعالى مثلاً للحياة الدنيا الزائلة الفانية وقصِّر مدة التمتع بها فقال ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السمآء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض﴾ أي صفة الحياة الدنيا وحالها العجيبة في فنائها وزوالها، وذهاب نعيمها واغترار الناس بها كمثل مطر نزل من السماء فنبت به أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض قال ابن عباس: اختلط فنبت بالماء كلُّ لون ﴿مِمَّا يَأْكُلُ الناس والأنعام﴾ أي مما يأكله الناس من الحبوب والثمار والبقول، والأنعامُ من الكلأ والتبن والشعير ﴿حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا﴾ أي أخذت حسنها وبهجتها ﴿وازينت﴾ أي تزينت بالحبوب والثمار والأزهار، وهو تمثيلٌ بالعروس إِذا تزينت بالحلي والثياب ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ﴾ أي وظنَّ أصحابها أنهم متمكنون من الانتفاع بها، محصّلون لثمرتها وغلّتها ﴿أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً﴾ أي جاءها قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات إمّا ليلاً وإمّا نهاراً ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً﴾ أي محصودة مقطوعة لا شيء فيها

صفحة رقم 540

كالذي حصد بالمناجل ﴿كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس﴾ أي كأنها لم تكن عامرة قائمة على ظهر الأرض قبل ذلك ﴿كذلك نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي مثل ما بينا هذا المثل الرائع للحياة الدنيا نبيّن الآيات ونضرب الأمثال لقوم يتفكرون فيعتبرون بهذه الأمثال قال الألوسي: وتخصيصُهم بالذكر لأنهم المنتفعون ﴿والله يدعوا إلى دَارِ السلام﴾ أي يدعو إلى الجنة دار السرور والإِقامة ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي يوصل من شاء هدايته إلى الطريق المستقيم وهو دين الإِسلام ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى﴾ أي للذين أحسنوا بالإِيمان والعمل الصالح لهم الحسنى أي الجنة ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ وهي النظر إلى وجه الله الكريم ﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ أي ولا يغشى وجوههم غبار ولا سواد كما يعتري وجوه أهل النار ﴿وَلاَ ذِلَّةٌ﴾ أي هوانٌ وصغار ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها ﴿والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ أي والذين عملوا السيئات في الدنيا فعصوا الله وكفروا فسيجزون على السيئةِ بمثلها لا يزادون على ذلك، فالحسنات مضاعفة بفضل الله، والسيئات جزاؤها بالمثل عدلاً منه تعالى ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي تغشاهم ذلة وهوان ﴿مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي ليس لهم أحد يعصمهم أو يمنعهم من سخط الله تعالى وعقابه ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً﴾ أي كأنما أُلبست وجوههم من فرط السواد والظلمة قطعاً من ظلام الليل ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي لا يخرجون منها أبداً ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ أي نجمع الفريقين للحساب: المؤمنين والكافرين ثم نقول للذين أشركوا الله ﴿مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ﴾ أي الزموا مكانكم أنتم والذين عبدتموهم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل الله بكم ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ أي ففرقنا وميزنا بينهم وبين المؤمنين كقوله
﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ [يس: ٥٩] ﴿وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ أي تبرأ منهم الشركاء وهم الأصنام الذين عبدوهم من دون الله قال مجاهد: يُنطق الله الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون وما أمرناكم بعبادتنا كقوله ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب﴾ [البقرة: ١٦٦] ﴿فكفى بالله شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ أي تقول الشركاء للمشركين يوم القيامة: حسبنا الله شاهداً بيننا وبينكم ﴿إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ أي ما كنا عن عبادتكم لنا إِلا غافلين، لا نسمع ولا نبصر ولا تعقل، لأنا كنا جماداً لا روح فينا ﴿هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ﴾ أي في ذلك الوقت تُختبر كلُّ نفسٍ بما قدمت من خير أو شر، وتنال جزاء ما عملت ﴿وردوا إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الحق﴾ أي ردّوا إلى الله تعالى المتولي جزاءهم بالعدل والقسط ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي ضاع وذهب عنهم ما كانوا يزعمونه م أن الأوثان تشفع لهم، وفي الآية تبكيتٌ شديدٌ للمشركين الذين عبدوا ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنهم شيئاً ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾ في هذه الآيات الأدلةُ على وحدانية الله وربوبيته أي قل يا محمد

صفحة رقم 541

لهؤلاء المشركين من ينزل لكم الغيث والقطر، ويخرج لكم الزروع والثمار؟ ﴿أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار﴾ أي من ذا الذي يملك أسماعكم وأبصاركم، التي تسمعون وتبصرون بها؟ ومن يستطيع أن يردها لكم إذا أراد الله أن يسلبكموها؟ كقوله
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] الآية ﴿وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي﴾ ؟ أي من يخرج الإِنسان من النطفة، والطير من البيضة، والسنبلة من الحبة، والنبات من الأرض، والمؤمن من الكافر؟ ﴿وَمَن يُدَبِّرُ الأمر﴾ أي ومن يدبّر أمر الخلائق، ويصرِّف شئون الكائنات؟ ﴿فَسَيَقُولُونَ الله﴾ أي فسيقرون بأن فاعل ذلك كلِّه هو الله ربُّ العالمين، إذ لا مجال للمكابرة والعناد لغاية وضوحه ﴿فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي قل لهم يا محمد أفلا تخافون عقابه ونقْمته بإِشراككم وعبادتكم غير الله؟ ﴿فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الحق﴾ أي هذا الذي يفعل هذه الأشياء الجليلة هو ربكم الحق، الثابت ربوبيتُه ووحدانيتُه بالبراهين القاطعة ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال﴾ استفهام انكاري أي ليس بعد الحق إلا الضلال، فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضلال ﴿فأنى تُصْرَفُونَ﴾ أي فكيف تُصرفون عن عبادة الله، إلى عبادة ما لا يخلق ولا يرزق، ولا يحيي ولا يميت؟ ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أي كذلك وجب قضاء الله وحكمه السابق ﴿عَلَى الذين فسقوا﴾ أي على الذين خرجوا عن الطاعة وكفروا وكذبوا ﴿أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لأنهم لا يصدّقون بوحدانية الله ورسالة نبيّه، فلذلك حقت عليهم كلمة العذاب لشقاوتهم وضلالتهم ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي قل لهم يا محمد على جهة التوبيخ والتقريع: هل من الأوثان والأصنام من ينشيء الخلق من العدم ثم يفنيه، ثم يعيده ويحييه؟ قال الطبري: ولما كانوا لا يقدرون على دعوى ذلك، وفيه الحجة القاطعة، والدلالة الواضحة على أنهم في دعوى الأرباب كاذبون مفترون، أُمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالجواب ﴿قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي قل لهم يا محمد: الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ويبدأ ويُعيد، وليس أحدٌ من هؤلاء الآلهة المزعومة يفعل ذلك ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف تنقلبون وتنصرفون عن الحق إلى الباطل؟ ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق﴾ توبيخٌ آخر في صورة استفهام أي قل لهؤلاء المشركين هل من هذه الآلهة التي تعبدونها من يرشد ضالاً؟ أو يهدي حائراً؟ أو يدل على طريق الحق وسبيل الاستقامة؟ ﴿قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ أي فقل لهم: إن عجزتْ آلهتكم عن ذلك فالله هو القادر على هداية الضالّ، وإنارة السبيل، وبيان الحق ﴿أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى﴾ أي أفمن يرشد إِلى الحق وهو سبحانه وتعالى أحقُّ بالاتباع أم هذه الأصنام التي لا تهدي أحداً؟ ولا تستطيع هداية نفسها فضلاً عن هداية غيرها؟ ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ أي ما لكم أيها المشركون تسوّون بين الأصنام وبين ربّ الأرباب، وتحكمون بهذا الباطل الصُراح؟ وهو استفهام معناه التعجب والإِنكار، ثم بيّن تعالى فساد نحلتهم بعد أن أفحمهم بالبراهين النيرة التي توجب التوحيد وتبطل التقليد فقال ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً﴾ أي وما يتبعون في اعتقادهم ألوهية الأصنام، إلا اعتقاداً غير

صفحة رقم 542

مستند لدليل أو برهان، بل مجرد أوهام باطلة، وخرافات فاسدة ﴿إِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً﴾ أي ومثل هذا الاعتقاد المبني على الأوهام والخيالات، ظنٌ كاذب لا يغني من اليقين شيئاً، فليس الظنُّ كاليقين ﴿إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ أي عالمٌ بما هم عليه من الكفر والتكذيب، وهو وعيدٌ على اتباعهم للظنّ، وإعراضهم عن البرهان، ثم بيَّن تعالى صدق النبوة والوحي فقال ﴿وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله﴾ أي لا يصح ولا يعقل، ولا يستقيم لذي عقل سليم، أن يزعم أن هذا القرآن مفترى مكذوب على الله، لأنه فوق طاقة البشر ﴿ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي ولكنّه جاء مصدقاً لما قبله من الكتب السماوية كالتوراة والإِنجيل ﴿وَتَفْصِيلَ الكتاب﴾ أي وفيه تفصيلُ وتبيينُ الشرائع والعقائد والأحكام ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين﴾ أي لا شك في أنه تنزيل ربّ العالمين ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ أي بل أيقولون اختلق محمد هذا القرآن من قبل نفسه؟ وهو استفهام معناه التقريع ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ أي إِن كان كما زعمتم فجيئوا بسورةٍ مثل هذا القرآن، وهو تعجيزٌ لهم وإقامة حجة عليهم ﴿وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله﴾ أي ادعوا من دونه تعالى من استطعتم من خلقه، من الإِنس والجن للاستعانة بهم ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي إن كنتم صادقين في أن محمداً افتراه قال الطبري: والمراد أنك إن لم تفعلوا فلا شك أنكم كذبة، لأن محمداً لن يَعْدو أن يكون بشراً مثلكم، فإذا عجز الجميعُ من الخلق أن يأتوا بسورةٍ مثلِه، فالواحد منهم أن يأتي بجميعه أعجز، قال تعالى ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ﴾ أي بل كذب هؤلاء المشركون بالقرآن العظيم، وساروا إلى الطعن به قبل أن يفقهوه ويتدبروا ما فيه، والناس دائماً أعداء لما جهلوا ﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ أي والحال لم يأتهم بعد عاقبة ما فيه من الوعيد ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي مثل تكذيب هؤلاء كذبت الأمم الخالية قبلهم ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين﴾ أي فانظر يا محمد كيف أخذهم الله بالعذاب والهلاك بسبب ظلمهم وبغيهم، فكما فعل بأولئك يفعل بهؤلاء الظالمين الطاغين.
البَلاَغَة: ١ - ﴿أَسْرَعُ مَكْراً﴾ تسمية عقوبة اله مكراً من باب «المشاكلة».
٢ - ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة وحكمته زيادة التقبيح والتشنيع على الكفار لعدم شكرهم النعمة.
٣ - ﴿أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا﴾ هذا من بديع الاستعارة شبّه الأرض حينما تتزين بالنبات والأزهار بالعروس التي تتزين بالحليّ والثياب واستعير لتلك البهجة والنضارة لفظ الزخرف.
٤ - ﴿أَتَاهَآ أَمْرُنَا﴾ الأمر هاهنا كناية عن العذاب والدمار.
٥ - ﴿أَحْسَنُواْ الحسنى﴾ بينهما جناس الإِشتقاق.
٦ - ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل﴾ فيه تشبيه مرسلٌ مجمل.
٧ - ﴿يَبْدَأُ... ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بينهما طباقٌ.
٨ - ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ الاستفهام للتوبيخ، ومثله ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.

صفحة رقم 543

٩ - ﴿بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ استعارة لطيفة والمراد لما سبقه من التوراة والإِنجيل فإِنها قد بشرت به.
لطيفَة: يقول شهيد الإِسلام «سيد قطب» في تفسيره الظلال: «ما يزال البشر يكشفون كلما اهتدوا إلى نواميس الكون عن رزقٍ بعد رزق في السماء والأرض، يستخدمونه أحياناً في الخير، ويستخدمونه أحياناً في الشر، حسبما تَسْلَم عقائدهم أو تعتل، وكلُّه من رزق الله المسخّر للإِنسان، فمن سطح الأرض أرزاق، ومن جوفها أرزاق، ومن سطح الماء أرزاق، ومن أعماقه أرزاق، ومن أشعة الشمس أرزاق، ومن ضوء القمر أرزاق، حتى عفن الأرض كشف فيه العلم عن دواء وترياق» وصدق الله ﴿مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾ ؟

صفحة رقم 544
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية