
محمد صلى الله عليه وسلّم يخوّف كفّار مكة عذاب الأمم الخالية المكذبة ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد القرون التي أهلكناهم لِنَنْظُرَ لنرى كَيْفَ تَعْمَلُونَ وهو أعلم بهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الدنيا خضرة حلوة وأن الله استخلفكم فيها فانظر كَيْفَ تَعْمَلُونَ» [٧٧].
قتادة: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلّا لينظر إلى أعمالنا فأروا الله من أعمالكم خيرا بالليل والنهار والسرّ والعلانية.
وروى ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عوف بن مالك قال لأبي بكر: رأيت فيما يرى النائم كأنّ شيئا دلّي من السماء فانتشط رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم أعيد فانتشط أبو بكر (رضي الله عنه) ثم ذرع الناس حول المنبر ففصّل عمر بثلاثة أذرع إلى المنبر، فقال عمر: دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها، فلما استخلف عمر قال: قل يا عوف رؤياك، قال: هل لك في رؤياي من حاجة؟
أو لم تنهوني؟ فقال: ويحك إني كرهت أن تنعى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفسه. فقصّ عليه الرؤيا حتى إذا بلغ ذرع الناس المنبر بهذه الثلاثة الأذرع. قال: أما إحداهن فإنّه كائن خليفة وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم، وأما الثالثة فإنّه شهيد، ثم قال: يقول الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فقد استخلفت يا ابن أم عمر فانظر كيف تعمل، وأما قوله: فإني لا أخاف في الله لومة لائم فيما شاء الله، وأما قوله: إني شهيد فإنّى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به، ثم قال: إن الله على ما يشاء لقدير.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٥ الى ٢٠]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا قتادة: يعني مشركي مكة، مقاتل:
هم خمسة نفر: عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر بن هاشم. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم: ائْتِ بِقُرْآنٍ ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وليس فيه عنهما أي بَدِّلْهُ تكلم به من تلقاء نفسك.

وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين، قالوا: يا محمد ائْتِ بِقُرْآنٍ غيره [ليس فيه ما يغيظنا، أَوْ بَدِّلْهُ] فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة أو آية رحمة آية عذاب أو حرام حلالا أو حلال حراما قُلْ لهم يا محمد ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسي ومن عندي إِنْ أَتَّبِعُ ما أطيع فيما آمركم وأنهاكم إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ أعلمكم بِهِ وقرأ الحسن: ولا أدراتكم «١» به، وهي لغة بني عقيل يحولون الياء ألفا فيقولون: أعطأت بمعنى أعطيت، ولبأت بمعنى لبّيت وجاراة وناصاة للجارية والناصية. فأنشد المفضل:
لقد أذنت أهل اليمامة طيّ | بحرب كناصاة الأغر المشهر |
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا | على الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا |
زجرت فقلنا لا نريع لزاجر | إن الغويّ إذا نها لم يعتب |
وروى البري عن ابن كثير ولا دراكم بالقصر على الإيجاب يريد: ولا عملكم به من غير قراءتي عليكم «٣». وقرأ ابن عباس: ولا أدراتكم «٤» من الإنذار، وهي قراءة الحسن فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً حينا وهو أربعون سنة مِنْ قَبْلِهِ من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء أَفَلا تَعْقِلُونَ انه ليس من قبلي.
قال ابن عباس: نبّئ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو ابن أربعون سنة وأقام بمكة ثلاثة عشرة وبالمدينة عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فزعم أنه له شريكا أو صاحبة أو ولدا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ محمد والقرآن إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ لا يأمن ولا ينجو المشركون وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ إن عصوه وَلا يَنْفَعُهُمْ أن أطاعوه يعني الأصنام وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ تخبرون اللَّهِ قرأه العامة:
بالتشديد، وقرأ أبو الشمال العدوي: أَتُنْبِئُونَ بالتخفيف وهما لغتان. نبأ ينبئ بنية، وأنبأني إنباء بمعنى فاعل جمعها.
٨/ ٣٢١.
(٢) تفسير الطبري: ١١/ ١٢٧.
(٣) وهي لام التأكيد دخلت على ألف أفعل.
(٤) بتحويل الياء ألفا فالأصل: أدريتكم.

قوله تعالى: قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ «١» بِما لا يَعْلَمُ بما لا يعلم الله تعالى صحته وحقيقته ولا يكون فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ومعنى الآية: أتخبرون الله أنّ له شريكا أو عنده شفيعا بغير إذنه ولا يعلم الله أنّ له شريكا في السماوات وَلا فِي الْأَرْضِ لأنه لا شريك له فلذلك لا يعلمه نظيره قوله عزّ وجلّ: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ «٢».
ثم نزّه نفسه فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ قرأ يحيى بن ثابت والأعمش وأبو حمزة والكسائي وخلف: تشركون بالتاء هاهنا وفي سورة النحل والروم، وهو اختيار أبي عبيد للمخاطبة التي قبلها، وقرأ الباقون كلها بالياء، واختارها أبو حاتم، وقال: كذلك تعلمناها.
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً على ملة واحدة الإسلام دين آدم (عليه السلام) إلى أن قتل أحد ابني آدم أخاه فَاخْتَلَفُوا. قاله مجاهد والسدي.
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فَاخْتَلَفُوا على عهد نوح فبعث الله إليهم نوحا، وقيل: كانوا أمة واحدة مجتمعة على التوحيد يوم الميثاق.
وقيل: أهل سفينة نوح «٣»، وقال أبو روق: كانوا أمة واحدة على ملّة الإسلام زمن نوح (عليه السلام) بعد الغرق، وقال عطاء: كانوا على دين واحد الإسلام من لدن إبراهيم (عليه السلام) إلى أن غيّره عمرو بن يحيى «٤»، عطاء: يدلّ على صحة هذه التأويلات قراءة عبد الله: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً على هدى فَاخْتَلَفُوا عنه، وقال الكلبي: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً كافرة على عهد إبراهيم فَاخْتَلَفُوا فتفرقوا، مؤمن وكافر.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بأن جعل للدنيا مدة لكل أمة أجلا لا تتعدى ذلك، قال أبو روق وقال الكلبي: هي أن الله أخّر هذه الأمة ولا يهلكهم بالعذاب في الدنيا، وقيل: هي أنه لا يأخذ إلّا بعد إقامة الحجة.
وقال الحسن، وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ مضت في حكمه أنه لا يقضي فيهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بأعمالهم والكافرين في النار بكفرهم ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.
(٢) سورة الرعد: ٣٣.
(٣) والقائل الواقدي.
(٤) هو أول من غير دين إبراهيم (عليه السلام) وعبد الصنم في العرب.