اى على مشركى مكة آياتُنا القرآنية الدالة على حقيقة التوحيد وبطلان الشرك حال كونها بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على ذلك قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا: يعنى [اميد ندارند ديدار ما را ورسيدن بما] وهو عبارة عن كونهم مكذبين للحشر قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى انه ليس لهم شوق الى الله وطلبه إذ الشوق من شان القلب الحي وقلوبهم ميتة ونفوسهم حية فلما فى القرآن مما يوافق القلوب ويخالف النفوس ما قبله ارباب النفوس ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا القرآن المنزل بان لا يكون على ترتيب هذا ونظمه وبان يكون خاليا عما نستبعده من امر البعث والجزاء وعما نكرهه من ذم آلهتنا وتحقيرها أَوْ بَدِّلْهُ بان يكون هذا القرآن المنزل باقيا على نظمه وترتيبه لكن يوضع مكان الآيات الدالة على ما نستبعده ونستكرهه آيات اخر موافقة لطريقتنا كما بدل أحبار اليهود التوراة ورهبان النصارى الإنجيل بما كان موافقا لهواهم ولعلهم سألوا ذلك طمعا فى ان يسعفهم الى إتيانه من قبل نفسه فيلزموه بان يقولوا قدتبين لنا انك كاذب فى دعوى ان ما تقرأه علينا كلام الهى وكتاب سماوى اوحى إليك بواسطة الملك وانك تقوله من عند نفسك وتفترى على الله كذبا قُلْ ما يَكُونُ لِي اى ما يصح لى ولا يمكننى أصلا أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي اى من قبل نفسى وانما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر كذا قال البيضاوي وهو اولى مما فى الكشاف. والبيان ان التبديل داخل تحت قدرة الإنسان واما الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للانسان وذلك لان التبديل ربما يحتاج الى تغيير سورة او مقدارها واعجاز القرآن يمنع من ذلك كما لا يخفى وهو اللائح بالبال إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ تعليل لما يكون فان المتبع لغيره فى امر لم يستبد بالتصرف فيه بوجه اى ما اتبع فى شىء الا ما يوحى الى من غير تغيير له فى شىء أصلا على معنى قصر حاله عليه السلام على اتباع ما يوحى اليه لا قصر اتباعه على ما يوحى اليه كما هو المتبادر من ظاهر العبارة كأنه قيل ما افعل الا اتباع ما يوحى الىّ وقد مر تحقيق المقام فى سورة الانعام إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي اى بالتبديل عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هو يوم القيامة وفيه اشارة الى ان التبديل إذا كان عصيانا مستوجبا للعذاب يكون اقتراحه كذلك لانه نتيجته والنتيجة مبنية على المقدمة فعلم منه ان المؤدى الى المكروه او الحرام مكروه او حرام ألا ترى ان بعض الكيوف التي يستعملها ارباب الشهوات فى هذا الزمان مؤد الى استثقال الصوم الفرض واستثقال امر الله تعالى ليس من علامات الايمان تسأل الله تعالى ان يجذب عناننا من الوقوع فى مواقع الهلاك قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ان لا اتلو عليكم ما اوحى الىّ من القرآن ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ لانى أمي وليس التلاوة والقراءة من شأنى كما كان حالى مع جبريل أول ما نزل فقال (اقرأ قلت لست بقارئ فغطنى جبريل ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأته لما جعلنى قارئا ولو شاء الله ان لا اقرأه ما كنت قادرا على قرآته عليكم) - حكى- ان واحدا من المشايخ الأميين استدعى منه بعض المنكرين الوعظ بطريق التعصب والعناد زعما منهم انه لا يقدر عليه فيفتضح لانه كان كرديا لا يعرف لسان العرب ولا يحسن الوعظ والتذكير فنام بالغم فاذن له صلى الله تعالى عليه وسلم فى المنام بذلك فلما أصبح جلس
صفحة رقم 23
عليه حزنا شديدا فاجتمعوا حول قبره لا يكادون يفارقونه وذلك بأرض بابل فلما رأى إبليس ذلك جاء إليهم فى صورة انسان وقال لهم هل لكم ان اصور لكم صورة إذا نظرتم إليها ذكرتموه قالوا نعم فصور لهم صورته ثم صار كلما مات منهم واحد صور صورته وسموا تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وتناست الآباء والأبناء وأبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم ان الذين كانوا قبلكم يعبدون هذه الصور فعبدوها فارسل الله إليهم نوحا فنهاهم عن عبادتها فلم يجيبوه لذلك وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ثم ان تلك الصور دفنها الطوفان فى ساحل جدة فاخرجها اللعين وأول من نصب الأوثان فى العرب عمرو بن لحى من خزاعة وذلك انه خرج من مكة الى الشام فى بعض أموره فرأى بأرض البلقاء العماليق ولد عملاق بن لاود بن سام ابن نوح وهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه قالوا هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطوننى منها صنما فاسير به الى ارض العرب فاعطوه سنما يقال له هبل من العقيق على صورة انسان فقدم به مكة فنصبه فى بطن الكعبة على يسراها وامر الناس بعبادته وتعظيمه فكان الرجل إذا قدم من سفره بدأ به قبل اهله بعد طوافه بالبيت وحلق رأسه عنده كذا فى انسان العيون وكان اهل الطائف يعبدون اللات واهل مكة العزى ومناة وهبل واسافا قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ أتخبرونه بِما لا يَعْلَمُ اى بالذي لا يعلمه كائنا فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ فما عبارة عن ان له شريكا والظرف حال من العائد المحذوف وفى الاستفهام الإنكاري تقريع لهم وتهكم بهم حيث نزلوا منزلة من يخبر علام الغيوب بما ادعوه من المحال الذي هو وجود الشركاء وشفاعتهم عند الله. وفى الظرف تنبيه على ان ما يعبدونه من دون الله اما سماوى. كالملائكة والنجوم واما ارضى كالاصنام المنحوتة من الشجر والحجر لا شىء من الموجودات فيهما الا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق ان يشرك به سبحانه قال الكاشفى [انتفاء علم بجهت معلومست يعنى شما ميگوييد كه خدايرا شريك هست. واثبات بشفاعت بتان ميكنيد وخداوند كه عالمست بجميع معلومات اين را نمى دانيد پس معلوم شد كه شريك نيست وشفاعت نخواهد بود] كما قال ابن الشيخ فان شيأ من ذلك لو كان موجودا لعلمه الله وما لا يعلمه الله استحال وجوده سُبْحانَهُ [پاكست] وَتَعالى [برترست] عَمَّا يُشْرِكُونَ لما كان المنزه للذات الجليلة هو نفس الذات آل التنزيه الى معنى التبري اى تبرأ وجل عن اشراكهم
واحد اندر ملك او را يار نى
بندگانش را جز او سالار نى
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً اى على ملة واحدة فى عهد آدم عليه السلام الى ان قتل قابيل هابيل او فى زمن نوح بعد الطوفان حين لم يبق على وجه الأرض من الكافرين ديارا فان الناس كانوا متفقين على الدين الحق فَاخْتَلَفُوا اى تفرقوا الى مؤمن وكافر وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ اى لولا الحكم الأزلي بتأخير العذاب الفاصل بينهم الى يوم القيامة فانه يوم الفصل والجزاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ عاجلا فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ باهلاك المبطل وابقاء المحق قال الكاشفى [هر آينه حكم كرده شدى ميان ايشان ران چيزى كه ايشان در ان اختلاف
صفحة رقم 26
ميكنند عذاب بيامدى ومبطل هلاك شدى ومحق بماندى] ويحتمل ان يكون المعنى ان الناس كانوا امة واحدة فى بدء الخلقة موجودين على اصل الفطرة التي فطر الناس عليها فاختلفوا بحسب تربية الوالدين كما قال عليه السلام (كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) ثم اختلفوا بعد البلوغ بحسب المعاملات الطبيعية والشرعية ثم هذا الاختلاف كما كان بين الأمم السالفة كذلك كان بين هذه الامة فمن مؤمن ومن كافر ومن مبتدع وفى اختلافهم فائدة جليلة وحكمة عظيمة حيث ان الكمال الإلهي انما يظهر بمظاهر جماله وجلاله لكن ينبغى للناس ان يكونوا على التآلف والتوافق دون التباغض والتفرق لان يد الله مع الجماعة وانما يأكل الذئب الشاة المنفردة- واوصى حكيم- أولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتوني بعصى فجمعها وقال اكسروها وهى مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقها وقال لهم خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا أنتم بعدي لن تغلبوا ما اجتمعتم فاذا
تفرقتم تمكن منكم عدوكم فاهلككم وفى الحديث (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد وانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) والمراد بالخلفاء ابو بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم أجمعين. والراشدون جمع راشد اسم فاعل وهو الذي اتى بالرشد واتصف به وهو ضد الغى فالراشد ضد الغاوي والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه. والنواجذ آخر الأسنان والمعنى واظبوا على السنة والزموها واحرصوا عليها كما يفعل العاض على الشيء بنواجذه خوفا من ذهابه وتفلته وقد وقع هذا الاختلاف وسيقع الى ان يقوم المهدى وينزل عيسى عليه السلام: قال الحافظ
تو عمر خواه وصبورى كه چرخ شعبده باز
هزار بازي ازين طرفه تر بر انگيزد
: وقال
روزى اگر غمى رسدت تنگ دل مباش
روشكر كن مباد كه از بد بتر شود
قال بعض العلماء فى هذه الامة فرقة مختلفة تبغض العلماء وتعادى الفقهاء ولم يكن ذلك فيمن تقدم قبلنا من الأمم بل كانوا منقادين لهم محبين كما وصفهم الله تعالى فى كتابه اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والفقيه إذا كان مبغوضا بين الناس فما ظنك بالعالم بالله ألا تراهم إذا وجدوا الرجل كاملا فى العلوم الظاهرة والباطنة متفردا فى فنه متميزا من جنسه متفوقا على اقرانه فمن قائل فى حقه انه زنديق ومن قائل انه مبتدع وقلما تسمع من يقول انه صديق فانظر الى غيرة الله تعالى كيف ستره عن الأغيار وأخفى سره عن الأشرار: قال الحافظ
معشوق عيان ميگذرد بر تو وليكن
اغيار همى بيند از آن بسته نقابست
قال رويم من المشايخ الكرام لا يزال الصوفية بخير ما تنافروا فاذا اصطلحوا هلكوا وذلك لانه لو قبل بعضهم بعضا لبقى بعضهم مع بعض وسكن بعضهم الى بعض والسكون الى غير الله تعالى عند الخواص من قبيل عبادة الأصنام عند العوام وهذا التبري بين الصوفية المحققين ليس كالتبرى بين اليهود والنصارى لان تبريهم فى الحق للحق وتبرى هؤلاء فى الباطل للباطل والحاصل ان من الاختلاف ما كان مذموما وما كان ممدوحا فالمذموم هو ما كان فى العقائد واصول
صفحة رقم 27