
وهي الأصنام، لا يضرهم ترك عبادتها، ولا تنفعهم عبادتها.
وقال الطبري: المعنى: " ولا تنفعهم عبادتها في الدنيا، ولا في الآخرة.
ثم قال عنهم: ﴿وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله﴾: كانوا يعبدون الأصنام، رجاء أن تشفع لهم عند الله سبحانه.
ثم قال: (قل) - يا محمد - ﴿أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض﴾: أي: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات، ولا في الأرض أن تشفع الآلهة لأحد.
﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾: أي تنزيهاً له وعلوّاً عن شركهم.
قوله: ﴿وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا﴾ إلى قوله: ﴿مِّنَ المنتظرين﴾
المعنى: ما كان الناس إلا أهل دين واحد، فافترقت بهم السبل.
﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي: لولا أنه سبق في علمه ألا

يهلك قوماً إلا بعد أن يملي لهم، فتنقضي آجالهم " ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾: بأن يهلك أهل الباطل منهم، وينجي أهل الحق ".
قال مجاهد: كان الناس وقت آدم على دين واحدٍ، ثم اختلفوا إذ قتل أحدهم ابْنَيْ آدم أخاه.
وقيل: يراد بالناس هنا: العرب.
وقيل المعنى: إن كل مولود يولد على الفطرة، ثم يختلفون بعد ذلك.
والأُمة: على خمسة أوجه:
- الأُمة: " العُصْبة، والجماعة نحو ﴿أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ﴾ [المائدة: ٦٦]
ونحو: ﴿وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٩].
- والثاني: أن تكون بمعنى " الملة "، نحو: ﴿وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾. ومثله الحرف الذي في هذه السورة.

﴿وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: أي: على ملة الإسلام، ومنه: ﴿وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً﴾ [المؤمنون: ٥٢]، ومنه ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الشورى: ٨]: أي: أهل ملة.
- والثالث: أن تكون بمعنى " السنين والحين " نحو: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] ونحوه ﴿وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥].
والرابع: أن تكون الأُمة بمعنى " قوم " نحو قوله: ﴿أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أربى مِنْ أُمَّةٍ﴾ [النحل: ٩٢] أي: قوم أكرم من قوم ومنه ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾ [الحج: ٣٤] أي قوم.
- والخامس: أن تكون الأُمة بمعنى " الإمام ". نحو قوله:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ﴾ [النحل: ١٢٠] أي: إماماً، يقتدى به في الخير.
ثم أخبر عنهم تعالى فقال: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي: يقول

هؤلاء المشركون: هلا نزل عليه آية من ربه، يعلم بها أنه محقٌّ، صادق قال الله تعالى: قل لهم يا محمد: ﴿إِنَّمَا الغيب للَّهِ﴾: أي لا يعلم أحد، لو لم يفعل ذلك إلا هو، لأنه عالم الغيب.
﴿فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين﴾: أي: انتظروا قضاء الله سبحانه بيننا وبينكم، بتعجيل العقوبة للمبطل /، وإظهار الحق للمحق.
وقيل: المعنى: فانتظروا نصر الله المحق، وخذلانه المبطل. ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين﴾: أي: إني معكم منتظر من المنتظرين. لذلك. قوله: ﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً﴾ إلى قوله ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ جواب إذا محذوف عند سيبويه. والتقدير: من بعد ضراء مستهم مكروا. والعرب تجتزئ بإذا في جواب الشرط عن " فعلتُ وفعلوا ".
والناس هنا: المشركون كما قال: ﴿إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ [العاديات: ٦].

قال الحسن: هو المنافق، والمعنى وإذا أذقنا الكفار فرجاً من بعد كرب أصابهم، ورخاء بعد شدة أصابتهم ﴿إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ في آيَاتِنَا﴾ قال مجاهد: " استهزاء، وتكذيب ".
وقيل: يحتالون حتى يجعلوا سبب الرحمة في غير موضعه. قل لهم يا محمد: ﴿الله أَسْرَعُ مَكْراً﴾ أي: أسرع استدراجاًَ لكم وعقوبة.
﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ أي: إن الحفظة يكتبون عليكم ما تمكرون في آياتنا.
ثم عدد تعالى نعمه فقال: ﴿هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر﴾ وقرأ ابن عباس: " يَنْثُرُكم " من النثر: أيْ: يبسطكم براً وبحراً.
﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك﴾: وهي السفن ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ يعني: السفن

بالناس. ﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾، وفرح بذلك الناس ﴿جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾، أي: جاءت السفن ريح.
وقيل: جاءت الريح الطيبة ريحٌ عاصف، والعاصف: الشديدة.
﴿وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي: من كل جانب.
﴿وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ أي: أيقنوا بالهلاك.
﴿دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي: أخلصوا الدعاء له تعالى، دون أوثانهم، وآلهتهم.
(و) قيل: (لأنهم) يقولون: " آهيا شَرَاهِيّاًً ": تفسيره: يا حيُّ يا قيومُ ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾ على نعمك (وتخليصك) (إيانا مما نحن فيه).
﴿فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض﴾، والفلك تذكر، وتؤنث، وتكون واحداً

وجمعاً (فمن جعلهما جمعاً) جعل واحدهما فلكاً كوُثْنٍ ووثَنٍ.
وقوله: ﴿إِذَا كُنتُمْ﴾، ثم قال: ﴿وَجَرَيْنَ﴾ فهذا من الرجوع من المخاطبة إلى الإخبار، ثم قال إخباراً عن فعلهم:
﴿فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ أي: يكفرون، ويعملون بالمعاصي على ظهر الأرض.
وأصل النجاء: البعد من المكروه ومنه الاستنجاء، لأن الإنسان يبعد به عن نفسه الأذى.
ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ﴾:
أي: عليها يرجع. وإياها تظلمون. وهذا الذي أنتم فيه متاع الحياة الدنيا.
والبغي في اللغة: التطارُحُ في الفساد.
ومن قرأ ﴿مَّتَاعَ﴾ بالرفع احتمل أن يكون خبر بغيكم، ويجوز أن يكون

خبر ابتداء محذوف، وتكون ﴿على أَنفُسِكُمْ﴾ خبر بغيكم. وتقدير ذلك " متاع الحياة الدنيا " أو هو متاع الحياة الدنيا، وبَيْنَ الرفعين فرق: وذلك أنك إذا رفعت " متاع " على أنه خبر " بغيكم "، كان المعنى: إنما بغي بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا مثل: ﴿فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١]، و ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨].
وإذا رفعتَ " المتاع " على إضمار مبتدأ، وجعلت " على أنفسكم " خبر بغيكم كان المعنى: إنما فسادكم راجعٌ عليكم مثل: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: ٧] وهو معنى قراءة / من قرأ بالنصب. ويكون النصب على المصدر أي: تمتعون متاع الحياة الدنيا.
﴿ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: أي: إلينا ترجعون في الآخرة، فنخبركم بعلمكم، ونجازيكم عليه.