آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

ويحتمل اللفظ أن يريد ب مِمَّا أَنْزَلْنا/ جميعَ الشرع.
ت: وهذا التأويلُ عندي أُبَيْنُ إِذَا لُخِّص، وإِن كان قد استبعده ع «١» :
ويكون المراد ب مِمَّا أَنْزَلْنا: مَا ذكره سبحانه من قصصهم، وذِكْرِ صفته عليه السلام، وذكْرِ أنبيائهم وصِفَتِهم وسيرهم وسائِرِ أخبارهم الموافِقَةِ لِمَا في كتبهم المنزَّلة على أنبيائهم كالتوراة والإِنجيل والزَّبُور والصُّحُف، وتكون هذه الآية تَنْظُر إِلى قوله سبحانه: مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ... [يوسف: ١١١]، فتأمَّله، واللَّه أعلم.
وأما قوله: هذا قولُ أهْل التأويل قاطبةً، فليس كذلكَ، وقد تكلَّم صاحب «الشفا» على الآية، فأحْسَنَ، ولفظهُ: واختلف في معنى الآية، فقيلَ: المرادُ: قل يا محمّد للشاكّ:
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ... الآية، قالوا: وفي السورة نَفْسِهَا ما دلَّ على هذا التأويل، وهو قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي... الآية [يونس: ١٠٤]، ثم قال عياضٌ: وقيل: إِن هذا الشكّ: الذي أمر غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسؤالِ الذين يقرؤون الكتاب عنه، إِنما هو في ما قصَّهُ اللَّه تعالى من أخبار الأمم، لا فيما دعا إِلَيْه من التوحيد والشريعة. انتهى.
وقوله سبحانه: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ... الآية: مما خوطب به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمراد سواه.
قال ع «٢» : ولهذا فائِدةٌ ليست في مخاطبة الناس به، وذلك شدَّة التخويفِ لأنه إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُحَذَّرُ مِنْ مثل هذا، فغيره من النَّاسِ أَوْلَى أَن يحذَّر ويتقى على نفسه.
وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ: أي: حقَّ عليهم في الأزل وخلقهم لعذابه لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ إِلا في الوقت الذي لا يَنْفَعهم فيه الإِيمان كما صنع فرعون وأشباهه، وذلك وقتُ المُعَايَنَةِ.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠)

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٣).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٣).

صفحة رقم 267

وقوله سبحانه: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ... الآية: وفي مصحف أُبيٍّ وابنِ «١» مسعودٍ: «فَهَلاَّ»، والمعنى فيهما واحدٌ، وأصل «لولا» التحضيضُ، أو الدلالةُ علَى مَنْعِ أَمرٍ لوجودِ غيرِهِ، ومعنى الآية: فَهَلاَّ آمَنَ أهْلُ قريةٍ، وهم على مَهَلٍ لم يتلبَّس العذابُ بهم، فيكون الإِيمان نافعاً لهم في هذا الحال، ثم استثنى قومَ يُونُسَ، فهو بحَسَب اللفظ استثناء منقطعٌ، وهو بحسب المعنَى متَّصلٌ لأن تقديره: ما آمن أهْلُ قريةٍ إِلا قَوْمَ يُونُسَ، وروي في قصَّة قوم يونُسَ: أن القوم لَمَّا كَفَروا، أي: تمادَوْا على كفرهم، أوحَى اللَّه تعالى إِليه أَنْ أَنذِرْهم بالعذاب لثالثة، فَفَعَلَ، فقالوا: هو رَجُلٌ لا يَكْذِب، فارقبوه فَإِن أَقام بَيْنَ أَظْهُرِكم، فلا عليكم، وإِن ارتحل عنكم، فهو نزولُ العَذَابِ لا شَكَّ فيه، فلَمَّا كان الليلُ، تزوَّد يُونُسُ، وخَرَجَ عنهم، فأصبحوا فَلَمْ يجدُوهُ، فتابوا ودَعُوا اللَّه، وآمنُوا، ولَبِسُوا المُسُوحَ، وفَرَّقوا بين الأُمَّهات والأولادِ من النَّاسِ والبهائمِ، وكان العذَابُ فيما رُوِيَ عن ابن عباس:
علَى ثُلُثَيْ مِيلٍ منهم «٢»، وروي: على مِيلٍ «٣»، وقال ابن جبير «٤» : غشيهمُ العذابُ كما يَغْشَى الثوبُ القَبْرَ، فرفَع اللَّه عنهم العذابَ، فلمَا مضَتِ الثالثة، وعَلِمَ يونُسُ أن العذاب لم يَنْزِلْ بهم، قال: كَيْفَ أنصَرِفُ، وقد وجَدُوني في كَذِبٍ، فذهب مغاضباً كما ذكر اللَّه سبحانه في غير هذه الآية، وذهب «٥» الطبريُّ إِلى أَنَّ قوم يونُسَ خُصُّوا من بين الأُمَمِ بِأَنْ تِيبَ عليهم مِنْ بَعْد معاينة العذاب، وذكر ذلك عن جماعة من المفسِّرين، وليس كذلك، والمعاينةُ التي لا تَنْفَعُ التوبةُ معها هي تلبُّس العذاب أو الموتِ بشَخْصِ الإِنسانِ، كقصَّة فرعون، وأمَّا قوم يونس فلم يَصِلُوا هذا الحَدِّ.
ت: وما قاله الطبريُّ عندي أبْيَنُ، وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ: يريد: إِلى آجالهم المقدَّرة في الأزل، وروي أن قوم يونس/ كانوا ب «نِينَوَى» من أرض المَوْصِلِ.
وقوله سبحانه: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ: المعنى: أفأنت تكره

(١) ينظر: «الكشاف» (٢/ ٣٧١)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٣)، و «البحر المحيط» (٥/ ١٩٢)، و «الدر المصون» (٤/ ٦٩).
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٦١٣) برقم: (١٧٩١٥)، وذكره ابن عطية (٣/ ١٤٤)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٧٣)، وعزاه لأحمد، وابن جرير.
(٣) ذكره ابن عطية (٣/ ١٤٤).
(٤) أخرجه الطبري (٦/ ٦١٣) برقم: (١٧٩١٤)، وذكره ابن عطية (٣/ ١٤٤) والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٧٣)، وعزاه لأحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(٥) ينظر: «تفسير الطبري» (٦/ ٦١٤) بنحوه.

صفحة رقم 268
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية