آيات من القرآن الكريم

جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

اضافة الدين الى الملة باعتبار التغاير الاعتباري بينهما فان الشريعة المبلغة الى الامة بتبليغ الرسول إياها من قبل الله تسمى ملة باعتبار أنها تكتب وتملى ودينا باعتبار أنها تطاع فان الدين الطاعة يقال دان له اى أطاعه وقال بعضهم اضافة الدين الى القيمة اضافة العام الى الخاص كشجر الأراك ولا حاجة الى تقدير الملة فان القيمة عبارة عن الملة كما يشهد له قراءة ابى رضى الله عنه وذلك الدين القيم انتهى (وقال الكاشفى) دين القيمة يعنى دين وملت درست است و پاينده. يعنى أضاف الدين الى القيمة وهى نعته لاختلاف اللفظين والعرب تضعيف الشيء الى نعته كثيرا ونجد هذا فى القرآن فى مواضع منها قوله ولدار الآخرة وقال فى موضع وللدار الآخرة لأن الدار هى الآخرة وقال عذاب الحريق اى المحرق كالاليم بمعنى المؤلم وتقول دخلت مسجد الجامع ومسجد الحرام وأدخلك الله جنة الفردوس هذا وأمثاله وانث القيمة لأن الآيات هائية فرد الدين الى الملة كما فى كشف الاسرار والقيمة بمعنى المستقيمة التي لا عوج فيها وقال الراغب القيمة هنا اسم الامة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله كنتم خير امة قال ابن الشيخ بعض اهل الأديان لما بالغوا فى باب الأعمال من غير احكام الأصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فانهم ربما اتعبوا أنفسهم فى الطاعات ولكنهم ما حصلوا الدين الحق بتحصيل الاعتقاد المطابق وبعضهم حصلوا الأصول وأهملوا الفروع وهم المرجئة الذين يقولون لا تضر المعصية مع الايمان فالله تعالى خطأ الفريقين فى هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والإخلاص فى قوله مخلصين ومن العمل فى قوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قال وذلك المجموع كله هو دين الملة المستقيمة المعتدلة فكما أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذلك هذا المجموع دين واحد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ بيان لحالهم الأخروي بعد بيان حالهم الدنيوي وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة فى الكتاب بهم ومعنى كونهم فيها انهم يصيرون إليها يوم القيامة وإيراد الجملة الاسمية للايذان بتحقق مضمونها لا محالة أو أنهم فيها الآن اما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم لها واما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار الا أنها ظهرت فى هذه النشاة بصورة عرضية وستخلعها فى النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية خالِدِينَ فِيها حال من المستكن فى الخبر واشتراك الفريقين فى دخول دار العذاب بطريق الخلود لاجل كفرهم لا ينافى تفاوت عذابهم فى الكيفية فان جهنم دركات وعذابها ألوان فالمشركون كانوا ينكرون الصانع والنبوة والقيامة واهل الكتاب نبوة محمد عليه السلام فقط فكان كفرهم أخف من كفر المشركين لكنهم اشتركوا فى أعظم الجنايات التي هى الكفر فاستحقوا أعظم العقوبات وهو الخلود ولما كفروا طلبا للرفعة صاروا الى سفل السافلين فان جهنم نار فى موضع عميق مظلم هائر يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر واشتراكهم فى هذا الجنس من العذاب لا يوجب اشتراكهم فى نوعه أُولئِكَ البعداء المذكورون هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ البرية جميع الخلق لأن الله برأهم اى أوجدهم بعد العدم

صفحة رقم 489

والمعنى شر الخليقة اى أعمالا وهو الموافق لما سيأتى فى حق المؤمنين فيكون فى حيز التعليل لخلودهم فى النار او شرهم مقاما ومصيرا فيكون تأكيدا لفظاعة حالهم وتوسيط ضمير الفصل لأفادة الحصر اى هم شر البرية دون غيرهم كيف لاوهم شر من السراق لأنهم سرقوا من كتاب الله نعوت محمد عليه السلام وشر من قطاع الطريق لأنهم قطعوا الدين الحق على الخلق وشر من الجهال الأجلاف لأن الكفر مع العلم يكون كفر عناد فيكون أقبح من كفر الجهال وظهر منه أن وعيد العلماء السوء أعظم من وعيد كل أحد ومن تاب منهم واسلم خرج من الوعيد وقيل لا يجوز ان يدخل فى الآية ما مضى من الكفار لأن فرعون كان شرامنهم واما الآية الثانية الدالة على ثواب المؤمنين فعامة فيمن تقدم وتأخر لأنهم أفضل الأمم والبرية مخففة من المهموز من برا بمعنى خلق فهو البارئ اى الموجد والمخترع من العدم الى الوجود وقد قرأ نافع وابن ذكوان على الأصل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يفهم من مقابلة الجمع بالجمع انه لا يكلف الواحد بجميع الصالحات بل لكل مكلف حظ فحظ الغنى الإعطاء وحظ الفقير الاخذ والصبر والقناعة أُولئِكَ المنعوتون بما هو فى الغاية القاصية من الشرف والفضيلة من الايمان والطاعة هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ استدل بالآية على ان البشر أفضل من الملك لظهور أن المراد بقوله ان الذين آمنوا هو البشر والبرية يشمل الملك والجن سئل الحسن رحمه الله عن قوله أولئك هم خير البرية أهم خير من الملائكة قال ويلك وانى تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات

ملائك را چهـ سود از حسن طاعت چوفيض عشق بر آدم فرو ريخت
جَزاؤُهُمْ بمقابلة مالهم من الايمان والطاعات وهو مبتدأ عِنْدَ رَبِّهِمْ ظرف للجزاء جَنَّاتُ عَدْنٍ اى دخول جنات عدن وهو خبر للمبتدأ والعدن الاقامة والدوام وقال ابن مسعود رضى الله عنه عدن بطنان الجنة اى وسطها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ميرود از زير أشجار آن چويها چهـ بستان بي آب روان نشايد. وفى الإرشاد ان أريد بالجنات الأشجار الملتفة الاغصان كما هو الظاهر فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وان أريد بها مجموع الأرض وما عليها فهو باعتبار الجزء الظاهر وأيا ما كان فالمراد جريانها بغير أخدود وجمع جنات يدل على أن للمكلف جنات كما يدل عليه قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال ومن دونها جنتان فذكر للواحد اربع جنات والسبب فيه أنه بكى من خوف الله تعالى وذلك البكاء انما نزل من اربعة أجفان اثنان دون اثنين فاستحق به جنتين دون جنتين فحصل له اربع جنان لبكائه باربعة أجفان وقيل أنه تعالى قابل الجمع بالجمع فى قوله جزاؤهم عند ربهم جنات وهو يقتضى مقابلة الفرد بالفرد فيكون لكل مكلف جنة واحدة لكن ادنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات كذا روى مرفوعا ويدل عليه قوله تعالى وملكا كبيرا او الالف واللام فى الأنهار للتعريف فتكون منصرفة الى الأنهار المذكورة فى القرآن وهى نهر الماء ونهر اللبن ونهر العسل ونهر

صفحة رقم 490

الحمر وفى توصيفها بالجري بعد ما جعل الجنات الموصوفة جزاء اشارة الى مدحهم بالمواظبة على الطاعات كأنه تعالى يقول طاعتك كانت جارية مادمت حيا على ما قال واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فلذلك كانت انهار كرمى جارية الى الابد خالِدِينَ فِيها أَبَداً متنعمين بفنون النعم الجسمانية والروحانية وهو حال وذو الحال وعامله كلاهما مضمران يدل عليه جزاؤهم والتقدير يجزون بها خالدين فيها وقوله ابدا ظرف زمان وهو تأكيد للخلوداى لا يموتون فيها ولا يخرجون منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ استئناف مبين لما يتفضل به عليهم زيادة على ما ذكر من اجزية أعمالهم اى استئناف اخبار كأنه قيل تزاد لهم أو استئناف دعاء من ربهم فلذا فصل وقد يجعل خبرا بعد خبر وحالا بتقدير قد قال ابن الشيخ لما كان المكلف مخلوقا من جسد وروح وانه اجتهد بهما فى طاعة ربه اقتضت الحكمة ان يجزيه بما يتنعم ويستريح به كل واحد منهما فجنة الجسد هى الجنة الموصوفة وجنة الروح هى رضى الرب (مصراع) چيست جنت روح را رضوان اكبر از خدا وَرَضُوا عَنْهُ حيث بلغوا من المطالب قاصيتها وملكوا من المآرب ناصيتها وأبيح لهم ما لا عين رأت
ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا سيما انهم اعطوا لقاء الرب الذي هو المقصد الأقصى

دارند هر كس از تو مرادى ومطلبى مقصود ما ز دينى وعقبى لقاى تست
ذلِكَ المذكور من الجزاء والرضوان وقال بعضهم الأظهر أنه اشارة الى ما ترتب عليه الجزاء والرضوان من الايمان والعمل الصالح لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ براى آنكس كه بترسد از عقوبت پروردگار خود وبموجبات ثواب اشتغال نمايد وذلك الخشية التي هى من خصائص العلماء بشؤون الله تعالى مناط لجميع الكمالات العلمية والعملية المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء والتعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية والتربية للاشعار بعلة الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية وعن انس رضى الله عنه قال عليه السلام لابى بن كعب رضى الله عنه ان الله أمرني أن اقرأ عليك لم يكن الذين كفروا إلخ قال أو سمانى لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم فذرفت عيناه اى سال دمع عينيه وعن السنة أن يستمع القرآن فى بعض الأوقات من غيره فانه قال عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال لى رسول الله عليه السلام وهو على المنبر اقرأ على قلت اقرأ عليه وعليك انزل قال انى أحب أن أسمعه من غيرى فقرأت سورة النساء حتى أتيت هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال حسبك الآن فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان اى تقطران وكان عمر رضى الله عنه يقول لأبى موسى الأشعري رضى الله عنه ذكرنا ربنا فيقرأ حتى يكاد وقت الصلاة يتوسط فيقول يا امير المؤمنين الصلاة الصلاة فيقول انا فى الصلاة وفى الحديث من استمع آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة فظهر أن استماع القرآن من الغير

صفحة رقم 491
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية