
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ.
[سورة البينة (٩٨) : الآيات ٦ الى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مآل الفجار من أهل كفرة الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ الْمُخَالِفِينَ لَكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَيْ مَاكِثِينَ لَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُولُونَ أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ أَيْ شَرُّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي بَرَأَهَا اللَّهُ وَذَرَأَهَا ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْأَبْرَارِ الَّذِينَ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِأَبْدَانِهِمْ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْبَرِيَّةِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ:
أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
ثم قال تعالى: جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أَيْ بِلَا انْفِصَالٍ وَلَا انْقِضَاءٍ وَلَا فَرَاغٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَمَقَامُ رِضَاهُ عَنْهُمْ أَعْلَى مِمَّا أُوتُوهُ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَرَضُوا عَنْهُ فِيمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ العميم.
وقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ أَيْ هَذَا الْجَزَاءُ حَاصِلٌ لِمَنْ خَشِيَ اللَّهَ وَاتَّقَاهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وعبده كأنه يراه وعلم أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرَهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُلَّمَا كَانَتْ هَيْعَةٌ اسْتَوَى عَلَيْهِ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «رَجُلٌ فِي ثُلَّةٍ مِنْ غَنَمِهِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ الْبَرِيَّةِ؟» قَالُوا: بَلَى قَالَ: «الَّذِي يَسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ».
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ لَمْ يكن، ولله الحمد والمنة.
تفسير
سورة الزلزلة
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ عباس عن
(٢) المسند ٢/ ١٦٩.

عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ لَهُ: «اقْرَأْ ثَلَاثًا من ذوات الراء» فقال له الرجل: كبر سني واشتد قلبي وغلظ لساني، قال: «فاقرأ من ذوات حم» فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، فَقَالَ «اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ» فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ سُورَةً جَامِعَةً فَأَقْرَأَهُ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحق نبيا لَا أَزْيَدُ عَلَيْهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرِّجْلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ- ثُمَّ قَالَ- عَلَيَّ بِهِ- فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ- أُمِرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا مَنِيحَةَ أُنْثَى فَأُضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: «لَا وَلَكِنَّكَ تَأْخُذُ من شعرك وتقلم أظافرك وَتَقُصُّ شَارِبَكَ وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ فَذَاكَ تَمَامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» «١» وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي من حديث أبي عبد الرّحمن المقرئي بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ «٢» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلْمِ بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتِ عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ» ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْحَرَشِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن، وإِذا زُلْزِلَتِ تَعْدِلُ رُبْعَ الْقُرْآنِ» هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ «٣» أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْعَنْزِيُّ، حَدَّثَنَا عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَمَانِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عُقَبَةُ بْنُ مُكَرَّمٍ الْعَمِّيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: «هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلَانُ» قَالَ:
لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ؟ - قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- قَالَ بَلَى- قَالَ- ثُلُثُ الْقُرْآنِ- قَالَ أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟ - قَالَ بَلَى. قَالَ رُبُعُ الْقُرْآنِ- قَالَ- أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ؟ - قَالَ بَلَى قَالَ- رُبُعُ الْقُرْآنِ- قَالَ- أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ- قَالَ بَلَى، قَالَ- رُبُعُ الْقُرْآنِ، تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، تَفَرَّدَ بِهِنَّ ثَلَاثَتِهِنَّ التِّرْمِذِيُّ لَمْ يَرْوِهِنَّ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الكتب.
(٢) كتاب ثواب القرآن باب ١٠.
(٣) كتاب ثواب القرآن باب ١٠.