
وهكذا تكون الآيات احتوت تقريرا واضحا للدعوة النبوية. وحجة جدلية دامغة على الذين يطلبون البرهان من النبي على صحة دعوته. فدعوته هي إلى عبادة الله وحده والإخلاص له والصلاة إليه ومساعدة المحتاجين بالزكاة. ولا يطلب البرهان على صحة هذه الدعوة ويكفر بها إلا سيء النية خبيث الطوية.
[سورة البينة (٩٨) : الآيات ٦ الى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)
. الآيات معقبة على الآيات السابقة كما هو المتبادر. وقد تضمنت تنديدا لاذعا بالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وتنويها وبشرى عظيمة للذين آمنوا ووصفا لهم بأنهم خير خلق الله مقابل وصف الأولين بأنهم شرّ خلق الله. وتنبيها بأن ما احتوته الآيات هو لتذكير الذين يخافون الله ويحسبون حسابه. ووصف الأولين مستمد من موقفهم الجحودي الذي كشفوا به عن سوء نيتهم وخبث طويتهم لأنهم جحدوا بما جاءهم وكانوا يتمنونه.
وفي الآية الأولى دليل آخر جديد على أن الذين يكفرون برسالة النبي محمد من أهل الكتاب لا ينجيهم يوم القيامة لكونهم مؤمنين بكتبهم ورسالات أنبيائهم حتى ولو لم يكونوا منحرفين ومحرفين وهو ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
وهناك حديث رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديّ ولا نصرانيّ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النار» «١» مما فيه مصداق لهذا من وجهة النظر الإسلامية.

تعليق على روايات الشيعة في صدد الآية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
ورغم أن نصّ الآيات صريح بأن الآية [٧] قد جاءت مقابلة للآية [٦] لتكون شاملة لجميع الذين آمنوا وعملوا الصالحات مقابل الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فإن مفسري الشيعة لم يمنعوا أنفسهم من رواية روايتين في صدد الآية السابقة متسقتين مع هواهم لم يردا في كتاب من كتب الأحاديث الصحيحة. ونعتقد أنهما منحولتان أولاهما عن ابن عباس جاء فيها «أن جملة هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ نزلت في علي بن أبي طالب وأهل بيته». وثانيتهما عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي بن أبي طالب مرفوعة جاء فيها: «سمعت عليا يقول قبض رسول الله ﷺ وأنا مسنده إلى صدري فقال يا علي ألم تسمع قول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ هم شيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمعت الأمم للحساب يدعون غرّا محجلين» «١». ومما يبرز الهوى الحزبي قويا تعبير «شيعتك» إذ لم يكن لعلي في زمن النبي ما يصحّ أن يدعى شيعته!.

سورة النّور
في السورة فصول عديدة في التشريع والتأديب: حيث تتضمن تشريعات بشأن جريمة الزنا والقذف. وإشارة إلى حادث الإفك الذي قذفت به أم المؤمنين عائشة وآثاره ومواعظ وتنديدات وتنبيهات في سياقه. ودعوة إلى التعفف وتجنب أسباب الفتنة. وتعليمات في آداب الدخول على البيوت. واحتشام النساء في اللباس والتزين وتوقي أسباب الإغراء. وحثّا على تزويج العزاب من الرجال والنساء والمماليك. وتقريرات لعظمة الله وآثاره ونوره وهداه. وتنويها بالمخلصين المهتدين وتنديدا بالكافرين وما يرتكسون فيه من الظلمات التي تحبط أعمالهم.
وتنديدا بمواقف مرضى القلوب في التحاكم إلى النبي والدعوة إلى الجهاد والاستخفاف بمجالسه ودعوته وإنذارا لهم. وتوطيدا لسلطان النبي السياسي والقضائي. ووعدا بنصر الله وتمكينه في الأرض لمن آمن وأخلص وأحسن العمل.
وتعليمات في آداب الأكل وتيسيرا للناس فيها.
وفصول السورة على تعددها مترابطة ترابطا موضوعيا أو زمنيا. وهذا يسوغ القول إنها نزلت في ظروف متقاربة ورتبت على الوجه الذي جاءت عليه في السورة بسبب ذلك. هذا مع احتمال أن يكون بعض فصولها نزلت قبل بعض فصول في سور متقدمة عليها في الترتيب، حيث روي أن وقعة المريسيع مع بني المصطلق التي كان حديث الإفك في مناسبتها وقعت قبل وقعة الخندق مع أن وقعة الخندق أو الأحزاب ذكرت في سورة الأحزاب «١» وحيث يمكن أن يقال إذا صحت تواريخ