
ومعناه: فادخلي في أجساد عبادي. وقرأ ابن عباس: فادخلي في عبدى. وقرأ ابن مسعود: في جسد عبدى. وقرأ أبى: ائتى ربك راضية مرضية. ادخلى في عبدى، وقيل: نزلت في حمزة ابن عبد المطلب. وقيل: في خبيب بن عدى الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير فحوّل وجهى نحو قبلتك، فحوّل الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوّله. والظاهر العموم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة» «١».
سورة البلد
مكية، وآياتها ٢٠ [نزلت بعد ق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)
أقسم سبحانه بالبلد الحرام وما بعده على أن الإنسان خلق مغمورا في مكابدة المشاق والشدائد، واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ يعنى: ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد الحرام كما يستحل الصيد في غير الحرم.
عن شرحبيل: يحرّمون أن يقتلوا بها صيدا ويعضدوا بها شجرة، ويستحلون إخراجك وقتلك وفيه تثبيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجيب من حالهم في عداوته. أو سلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالقسم

ببلده، على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد، واعترض بأن وعده فتح مكة تتميما للتسلية والتنفيس عنه. فقال: وأنت حل بهذا البلد، يعنى: وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر. وذلك أنّ الله فتح عليه مكة وأحلها له، وما فتحت على أحد قبله ولا أحلت له فأحل ما شاء وحرّم ما شاء. قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة. ومقيس بن صبابة وغيرهما، وحرّم دار أبى سفيان «١»، ثم قال: إنّ الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي ولن تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، فلا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر فإنه لقيوننا «٢» وقبورنا وبيوتنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر «٣» ». فإن قلت: أين نظير قوله وَأَنْتَ حِلٌّ في معنى الاستقبال؟ قلت:
قوله عز وجل إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ومثله واسع في كلام العباد، تقول لمن تعده الإكرام والحباء: أنت مكرم محبو، وهو في كلام الله أوسع، لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة. وكفاك دليلا قاطعا على أنه للاستقبال، وأن تفسيره بالحال محال: أن السورة بالاتفاق مكية، وأين الهجرة عن وقت نزولها، فما بال الفتح؟ فإن قلت: ما المراد بوالد وما ولد؟ قلت: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ولده، أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه وحرم أبيه ابراهيم ومنشأ أبيه إسماعيل، وبمن ولده وبه. فإن قلت: لم نكر؟ قلت: للإبهام المستقل بالمدح والتعجب. فإن قلت: هلا قيل ومن ولد؟ قلت: فيه ما في قوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ أى بأى شيء وضعت، يعنى موضوعا عجيب الشأن. وقيل: هما آدم وولده. وقيل:
كل والد وولد.
والكبد: أصله من قولك: كبد الرجل كبدا، فهو أكبد: إذا وجعت كبده وانتفخت، فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة. ومنه اشتقت المكابدة، كما قيل: كبته بمعنى أهلكه.
وأصله: كبده، إذا أصاب كبده. قال لبيد:
يا عين هلّا بكيت أربد إذ | قمنا وقام الخصوم في كبد «٤» |
(٢). قوله «فانه لقيوننا» القيون: جمع قين، وهو الحداد. كذا في الصحاح. (ع)
(٣). متفق عليه من حديث أبى سلمة عن أبى هريرة وله طرق وألفاظ.
(٤). للبيد برثى أخاه أريد. وكبد كبدا كتعب: وجعت كبده وانتفخت، فاتسع فيه حتى صار كتعب في المعنى أيضا. يقول: يا عين هلا بكيت أخى وقت قيامنا للحرب وقيام الخصوم معنا فيه. والعاملان تنازعا قوله فِي كَبَدٍ ونزل عينه منزلة من يعقل، فخاطبها. وهلا: حرف تحضيض.