
فارس والروم وأهل الكتاب، قال: «وهل الناس إلا هم» «١» [٢٦] «٢».
قال ابن عباس في هذه الآية: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم، وقال ابن مسعود: أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا، تتبعون عملهم حذو القذّة بالقذّة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا «٣».
وقال حذيفة: المنافقون الذين فيكم اليوم شرّ من المنافقين الذي كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم، قلنا: وكيف؟ قال: أولئك كانوا يخفون نفاقهم وهؤلاء أعلنوه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٠ الى ٧٢]
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)
أَلَمْ يَأْتِهِمْ يعني المنافقين والكافرين نَبَأُ خبر الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حين عصوا رسلنا وخالفوا أمرنا كيف أهلكناهم وعذّبناهم ثم ذكرهم. فقال قَوْمِ نُوحٍ بالمعنى بدلا من الذين أهلكوا بالطوفان وَعادٍ أهلكوا بالريح وَثَمُودَ أهلكوا بالرجفة وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ بسلب النعمة وهلاك نمرود وَأَصْحابِ مَدْيَنَ يعني قوم شعيب بعذاب يوم الظلّة وَالْمُؤْتَفِكاتِ المنقلبات التي جعلت عاليها سافلها، وهم قوم لوط أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فكذبوهم وعصوهم كما فعلتم يا معشر الكفّار فاحذروا بتعجيل النقمة فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ إلى قوله بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في الدين والملة والعون والنصرة والمحبة والرحمة.
قال جرير بن عبد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «المهاجرون والأنصار بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في الدنيا والآخرة»، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في الدنيا والآخرة» [٢٧] «٤»
، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالإيمان والخير وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة.
قال أبو العالية كلّما ذكر الله تعالى في كتابة من الأمر بالمعروف فهو رجوع من الشرك إلى
(٢) مسند أبي يعلى: ١١/ ١٨٢.
(٣) مجمع الزوائد: ٧/ ٢٦١ ورواه ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وسلّم).
(٤) المستدرك: ٤/ ٨١.

الإسلام، والنهي عن المنكر فهو النهي عن عبادة الأوثان والشيطان وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ المفروضة وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ إلى قوله وَمَساكِنَ طَيِّبَةً ومنازل طيبة.
قال الحسن: سألت أبا هريرة وعمران بن حصين عن قول الله وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ. قالا: على الخبير سقطت، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «قصر في الجنة من لؤلؤ فيه سبعون دار من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا، على كل فراش زوجة من الحور العين، وفي كل بيت مائدة وعلى كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت وصيفة، ويعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك أجمع» [٢٨] «١».
فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ في بساتين ظلال وإقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المعدن،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير ثلاثة مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ، يقول الله: طوبى لمن دخلك» [٢٩].
وقال عبد الله بن مسعود: هي بطنان الجنة أي وسطها، وقال ابن عباس: سألت كعبا عن جنات عدن فقال: هي الكروم والأعناب بالسريانية «٢»، وقال عبد الله بن عمر: إنّ في الجنة قصرا يقال له عدن، حوله البروج، والمروج، له خمسة آلاف باب، على كل باب [حبرة] لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.
قال الحسن: جَنَّاتِ عَدْنٍ، وما أدراك ما جَنَّاتِ عَدْنٍ، قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، ورفع به صوته. [في حديث آخر قصر] في الجنة يقال له: عدن، حوله البروج والمروج له خمسون ألف باب، وقال الضحاك: هي مدينة الجنة فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنان حولها.
وقال عطاء بن السائب: عدن نهر في الجنة جناته على حافتيه، وقال مقاتل والكلبي: أعلى درجة في الجنة وفيها عين التسنيم، والجنان حولها محدقة بها وهي مغطاة من يوم خلقها الله عز وجل حتى ينزلها أهلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن شاء الله، وفيها قصور الدرة والياقوت والذهب، فتهب الريح الطيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأحلى، وقال عطاء الخراساني في قوله: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ قال: قصر من الزبرجد والدرّ والياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام في جنات عدن، وهي قصبة الجنة وسقفها عرش الرحمن.
وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ رفع على الابتداء، أي رضا الله عنهم أكبر من ذلك كله.
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٣٠.