[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٠ الى ٦٩]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩)
ثم بين [لمن] الصدقات فقال عز من قال إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ لا للمنافقين، واختلف العلماء في صفة الفقر والمسكين.
وقال ابن عباس والحسن وجابر بن زيد والزهري ومجاهد وابن زيد: الفقير: المتعفف عن المسألة، والمسكين: المحتاج السائل، وقال قتادة: الفقير: المؤمن المحتاج [الذي به زمانة] والمسكين: [الذي لا زمانة به] «١»، وقال الضحاك وإبراهيم النخعي: الفقراء فقراء المهاجرين، والمساكين من لم يهاجروا من المسلمين المحتاجين، وروى ابن سلمة عن ابن علية عن ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ليس الفقير الذي لا مال له ولكن الفقير الأخلق الكسب قال ابن علية: الأخلق المحارف عندنا «٢»، وقال عكرمة: الفقراء فقراء المسلمين، والمساكين من أهل الكتاب.
وقال أبو بكر العبسي: رأى عمر بن الخطاب ذميما مكفوفا مطروحا على باب المدينة فقال له عمر: ما لك؟ قال: استكروني في هذه الجزيرة حتى إذا كف بصري تركوني فليس لي أحد يعود عليّ بشيء، فقال: ما أنصفت إذا، فأمر له بقوته وما يصلحه، ثم قال: هذا من الذين قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وهم زمنى أهل الكتاب «٣»، وقال ابن عباس: المساكين:
[الطوافون]، والفقراء، من المسلمين «٤».
أخبرنا عبد الله بن حامد. أخبرنا محمد بن جعفر. حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب. حدّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ليس المسكين هذا الطوّاف الذي يطوف على الناس تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه «٥».
قال الفرّاء: الفقراء أهل الصفة لم يكن لهم عشائر ولا مال، كانوا يلتمسون الفضل ثم يأوون إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمساكين: الطوّافون على الأبواب «٦»، وقال عبد الله بن الحسن: المسكين الذي يخشع ويستكين وإن لم يسأل، والفقير الذي يحتمل ويقبل الشيء سرا ولا يخشع وقال [ابن السكيت والقتيبي ويونس] الفقير الذي له البلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له، واحتج بقول الشاعر:
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٠٤.
(٣) تفسير القرطبي: ٨/ ١٧٤، والمصنف لابن أبي شيبة: ٣/ ٦٨.
(٤) فتح القدير: ٢/ ٣٧٤.
(٥) تفسير ابن كثير: ١/ ٢١٤.
(٦) تاج العروس: ٣/ ٤٧٣. [.....]
إنّ الفقير الذي كانت حلوبته | وفق العيال فلم يترك له سبد «١» |
وقال محمد بن مسلمة: الفقير الذي له مسكن يسكنه، والخادم إلى [.......] «٣» لأن ذلك المسكين الذي لا ملك له. قالوا: وكل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنيا من غيره، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ، والمسكين المحتاج إلى كل شيء، ألا ترى كيف حضّ على إطعامه وجعل الكفّارة من الأطعمة له، ولا فاقة أعظم من [.....] «٤» في شدة الجوعة.
أما قوله: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ وإن مسكنتهم هاهنا مساكين على جهه الرحمة والاستعفاف لا بملكهم السفينة كما قيل لمن امتحن بنكبة أو دفع إلى بلية: مسكين،
وفي الحديث: «مساكين أهل النار»
[٢١] «٥» وقال الشاعر:
مساكين أهل الحبّ حتى قبورهم | [عليها] تراب الذل بين المقابر «٦» |
واختلفوا في قدر ما يعطون، فقال الضحّاك: يعطون: الثمن من الصدقة، وقال مجاهد:
يأكل العمال من السهم الثامن، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: يعطون على قدر عمالتهم، وهو قول الشافعي وأبي يعفور قالا: يعطون بقدر أجور أمثالهم، وإن كان أكثر من الثمن، يدلّ عليه قول عبد الرحمن بن زيد قال: لم يكن عمر ولا أولئك يعطون العامل الثمن إنما يفرضون له بقدر عمله «٧»، وقال مالك وأهل العراق: إنّما ذلك إلى الامام واجتهاده، يعطيهم الامام على قدر ما يرى.
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، قال قتادة: هم ناس من الأعراب وغيرهم كان النبي صلى الله عليه وسلّم يألفهم
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٠٤.
(٣) كلام غير مقروء في المخطوط.
(٤) كلام غير مقروء في المخطوط.
(٥) تفسير القرطبي: ٨/ ١٧٠.
(٦) تفسير القرطبي: ٨/ ١٧٠.
(٧) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٠٧.
بالعطية كيما يؤمنوا، وقال معقل بن عبد الله: سألت الزهري عن الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، قال: من أسلم من يهودي أو نصراني، قلت: وإن كان غنيا؟ قال: وإن كان غنيا،
وقال ابن عباس: هم قوم قد أسلموا، كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلّم يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرا قالوا: هذا دين صالح، فإن كان غير ذلك عابوه وتركوه.
وقال ابن كيسان: هم قوم من أهل الحرب كان النبي صلى الله عليه وسلّم يتألّفهم بالصدقات ليكفّوا عن حربه
، وقال الكلبي ويحيى بن أبي كثير وغيرهم: ذوو الشرف من الأحياء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعطيهم في الإسلام يتألّفهم وهم الذين قسم بينهم يوم حنين الإبل، وهم: من بني مخزوم الحرث ابن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع، ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ومنهم من بني جمح صفوان بن أمية، ومن بني عامر بن لؤي سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومن بني أسد بن عبد العزى حكيم بن خزام، ومن بني هاشم أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ومن بني فزارة عيينة بن حصين، وحذيفة بن بدر، ومن بني تميم الأقرع بن حابس، ومن بني النضر مالك بن عوف بن مالك ومن بني سليم العباس بن مرداس، ومن بني ثقيف العلاء بن خارجة، أعطى النبي صلى الله عليه وسلّم كل رجل منهم مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى، قال وفي رواية أخرى: مخرمة بن نوفل، وعمير بن وهيب وهشام بن عمرو.
وزاد الكلبي: أبا البعائل بن يعكل وجد بن قيس السهمي وعمرو بن مرداس وهشام بن عمرو. قال: أعطى كل واحد منهم خمسين ناقة «١»، فقال العباس بن مرداس في ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم:
فأصبح نهبي ونهب العبيد... بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس... يفوقان مرداس في المجمع
وقد كنت في الحرب ذا [قوّة]... فلم أعط شيئا ولم أمنع
الا أفائل أعطيتها... عديد قوائمه الأربع
وكانت نهابا تلافيتها... بكري على المهر في الأجرع
وايقاظي القوم أن يرقدوا... إذا هجع الناس لم أهجع
وما كنت دون امرئ منهما... ومن تضع اليوم لا يرفع «٢»
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلّم مائة ناقة، وأعطى حكيم بن حزام سبعين ناقة فقال: يا رسول الله ما كنت أدري أن أحدا أحق بعطائك مني فزاده عشرة أبكار، ثم زاده عشرة أبكار حتى أتمها له مائة، فقال حكيم: يا رسول الله أعطيتك التي رغبت عنها خير أم هذه التي زادت؟ قال: لا، بل هذه
(٢) تفسير القرطبي: ٨/ ١٨٠ وفيه تقديم وتأخير.
التي رغبت فيها. فقال: لا آخذ غيرها، فأخذ السبعين، فمات حكيم وهو أكثر قريش مالا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أعطي رجلا وأترك الآخر، والذي أترك أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أتألف هذا بالعطية، وأوكل المؤمن إلى إيمانه» [٢٢].
وقال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس اليّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
ثم اختلفوا في وجود المؤلّفة اليوم وهل يعطون من الصدقة وغيرها أم لا؟، فقال الحسن:
أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم، وقال الشعبي: إنه لم يبق في الناس اليوم من الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلمّا ولي أبو بكر انقطعت الرشى، وهذا تأويل أهل القرآن، يدل عليه حديث عمر بن الخطاب حين جاءه عيينة بن حصين، فقال الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إن الإسلام أجلّ من أن يرشى عليه، أي ليس اليوم مؤلّفة.
وروى أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن، قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فوجدت أبا وائل وحده فقال ردّها فضعها في مواضعها، قلت: فما أصنع بنصيب المؤلفة قلوبهم؟ فقال ردّه على الآخرين.
وقال أبو جعفر محمد بن علي: [في الناس] اليوم المؤلفة قلوبهم ثابتة
، وهو قول أبي ثور قال: لهم سهم يعطيهم الامام قدر ما يرى.
وقال الشافعي: المؤلّفة قلوبهم ضربان: ضرب مشركون فلا يعطون، وضرب مسلمون [إذا اعطاهم الإمام كفّوا شرهم عن المسلمين]، فأرى أن يعطيهم من سهم النبي وهو خمس الخمس ما يتألّفون به سوى سهمهم مع المسلمين، يدلّ عليه أن النبي صلى الله عليه وسلّم أعطى المؤلّفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وأعزّ أهله، وأمّا سهمهم من الزكاة فأرى أن يصرف في تقوية الدين وفي سدّ خلة الإسلام ولا يعطى مشرك تألّف على الإسلام، ألا إنّ الله تعالى يغني دينه عن ذلك، والله أعلم.
وَفِي الرِّقابِ مختصر أي في فك الرقاب من الرق، واختلفوا فيهم، فقال أكثر الفقهاء:
هم المكاتبون، وهو قول الشافعي والليث بن سعد، ويروى أنّ مكاتبا قام إلى أبي موسى الاشعري وهو يخطب الناس يوم الجمعة فقال له: أيها الأمير حثّ الناس عليّ، فحث أبو موسى، فألقى الناس ملاءة وعمامة وخاتما حتى ألقوا عليه سوادا كثيرا، فلمّا رأى أبو موسى ما ألقى الناس، قال أبو موسى: أجمعوه فجمع، ثم أمر به فبيع فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب ولم يردّه على الناس، وقال إنما أعطى الناس في الرقاب «١».
وقال الحسن وابن عباس: يعتق منه الرقاب وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور، وقال سعيد بن جبير والنخعي، لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة لكن يعطي منها في ميقات رقبة مكاتب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
قال الزهري: سهم الرقاب نصفان: نصف لكلّ مكاتب ممن يدّعي الإسلام، والنصف الثاني لمن يشتري به رقاب ممن صلّى وصام وقدّم إسلامه من ذكر وأنثى يعتقون لله «١».
وَالْغارِمِينَ قتادة: هم قوم غرقتهم الديون في غير إملاق ولا تبذير ولا فساد «٢».
وقال مجاهد: من احترق بيته وذهب السيل بماله، وأدان على عياله «٣»،
وقال أبو جعفر الباقر: الغارمون صنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم أو معروف أو غير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم، وصنف استدانوا في جمالات وصلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض إن بيعت أضرّ بهم فيعطى هؤلاء قدر عروضهم «٤».
وذلك إذا كان دينهم في غير فسق ولا تبذير ولا معصية، وأما من ادان في معصية الله فلا أرى أن يعطى، وأصل الغرم الخسران والنقصان، ومنه الحديث في الرحمن له غنمه وعليه غرمه، ومن ذلك قيل للعذاب غرام، قال الله تعالى إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً وفلان مغرم بالنساء أي مهلك بهنّ، وما أشدّ غرامه وإغرامه بالنساء.
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فيهم الغزاة والمرابطون والمحتاجون.
فأما إذا كانوا أغنياء فاختلفوا فيه، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا يعطى الغازي إلا أن يكون منقطعا مفلسا، وقال مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور: يعطى الغازي منها وإن كان غنيا، يدلّ عليه
قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها أو رجل اشتراها بماله، أو في سبيل الله أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدّق عليه فأهداها له» [٢٣] «٥».
وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر المجتاز، سمّي ابن السبيل للزومه إيّاه، كقول الشاعر:
أيا ابن الحرب رجّعني وليدا | إلى أن شبت فاكتملت لداتي |
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٢١١.
(٣) تفسير الطبري: ١٠/ ٢١١.
(٤) راجع كتاب الام للشافعي: ٢/ ٧٨. [.....]
(٥) تفسير الطبري: ١٠/ ٢١٢.
مالك وفقهاء العراق: هو الحاج المنقطع، وقال الشافعي: ابن السبيل من [جيران] الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون من بلوغ سفرهم إلا بمعونة، وقال قتادة: هو الضيف.
فَرِيضَةً واجبة مِنَ اللَّهِ وهو نصب على القطع في قول الكسائي، وعلى المصدر في قول سيبويه أي: فرض الله هذه الأشياء فريضة، وقال إبراهيم بن أبي عبلة: رفع فَرِيضَةٌ فجعلها خبرا كما تقول: إنّما يزيد خارج وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
واختلف العلماء في كيفية قسم الصدقات المذكورة في هذه الآية، [وهل] يجب لكل صنف من هؤلاء الأصناف الثمنية فيها حق، أو ذلك إلى رب المال ومن يتولى قسمها في أن له أن يعطي جميع ذلك من شاء من الأصناف الثمنية، فقال بعضهم: له قسمها ووضعها في أي الأصناف يشاء وإنما سمّى الله تعالى الأصناف الثمانية في الآية إعلاما منه إن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها لا إيجاد القسمة بينهم، وهو قول عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس وابن [جبير] وعطاء وأبي العالية وميمون بن مهران وأبي حنيفة.
أخبرنا عبد الله بن حامد. أخبرنا أبو بكر الطبري. حدّثنا علي بن حرب، أخبرنا ابن فضيل، حدّثنا عطاء عن سعيد إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ الآية، أيّ هذه الأصناف وجدت أجزاك أن تعطيه صدقتك، ويقول أبو حنيفة: يجوز الاقتصار على رجل واحد من الفقراء، وقال مالك يخصّ بأمسّهم حاجة.
كان الشافعي يجري الآية على ظاهرها ويقول: إذا تولّى رب المال قسمتها فإن عليه وضعه في ثلاثة أصناف لأن سهم المؤلّفة ساقط، وسهم العاملين يبطل بقسمته إياها، فإذا تولّى الإمام قسمتها فإن عليه أن يقسمها على سبعة أصناف، يجزيه أن يعطي من كل صنف منهم أقل من ثلاثة أنفس ولا يصرف السهم ولا شيئا منه عن أهله أحد يستحقه، ولا يخرج من بلد وفيه أحد يردّ حقه ممّن لم يوجد من أهل السهام على من وجد منهم، وهذا قول عمر بن عبد العزيز، وعكرمة والزهري.
ثمّ رجع إلى ذكر المنافقين وقال: وَمِنْهُمُ يعني من المنافقين الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
نزلت في حزام بن خالد، والجلاس بن سويد، وإياس بن قيس، ومخشي بن خويلد، وسمّاك بن يزيد، وعبيد بن هلال ورفاعة بن المقداد، وعبيدة بن مالك، ورفاعة بن زيد، كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلّم ويقولون ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا ما يقولون فيقع بنا، فقال الجلاس: بل نقول ما شئنا، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول: فإنّما محمد أذن سامعة فأنزل الله هذه الآية «١».
وقال محمد بن إسحاق عن يسار وغيره نزلت في رجل من المنافقين يقال له: نهشل بن الحرث، وكان حاسر الرأس أحمر العينين أسفح الخدين مشوّه الخلقة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«من أراد أن ينظر الى الشيطان فلينظر إلى نهشل بن الحرث» [٢٤] «١»، وكان ينمّ حديث النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المنافقين فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن، من حدّثه شيئا يقبل، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له ويصدقنا عليه، فأنزل: الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
يسمع من كل واحد ويقبل ما يقال له ومثله أذنة على وزن فعلة ويستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، وأصله: أذن يأذن أذنا إذا استمع، ومنه
قول النبي صلى الله عليه وسلّم: ما اذن الله لشيء كأذنه لنبي بمعنى القرآن
، وقال عدي بن زيد:
أيها القلب تعلل بددن | إن همي في سماع وأذن «٢» |
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به | وإن ذكرت بشرّ عندهم أذنوا «٣» |
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ قراءة العامة بالإضافة أي أذن خير لا أذن شرّ، وقرأ الحسن والأشهب العقيلي: والأعمش والبرجمي: أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ مرفوعا من المنافقين ومعناه: إن كان محمدا كما تزعمون بأن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم.
ثم كذّبهم فقال يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يعلمهم، وقيل: يقال أمنتك وأمنت لك بمعنى صدقتك كقوله: الَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ «٤» أي [..........] «٥» ربهم وَرَحْمَةٌ قرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة: (ورحمة) عطفا على معنى أذن خير وأذن شر في قول عبد الله وأبي، وقرأ الباقون: (وَرَحْمَةٌ) بالرفع أي: هو أذن خير، وهو رحمة، جعل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلّم مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ
قال قتادة والسدّي: [اجتمع نفر] من المنافقين منهم جلاس بن سويد وذريعة بن ثابت فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلّم
(٢) تاج العروس: ٩/ ١٢٠.
(٣) تاج العروس: ٩/ ١٢٠.
(٤) سورة المؤمنون: ٥٨.
(٥) كلمة غير مقروءة.
وقالوا: لئن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير، وكان سمعهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس، فحقروه وقالوا هذه المقالة، فغضب الغلام وقال: والله إنّ ما يقوله محمد حق وأنتم شر من الحمير، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره فدعاهم فسألهم فحلفوا إن عامرا كذّاب، وحلف عامر أنهم كذبة، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلّم فجعل عامر يقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب، وقد كان قال بعضهم في ذلك: يا معشر المنافقين والله إني شر خلق الله، لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية «١».
وقال مقاتل والكلبي: نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك، فلمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من تبوك أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلّفهم، ويطلبون ويحلفون، فأنزل الله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وقد كان حقه يرضوهما
وقد مضت هذه المسألة، قال الشاعر:
ما كان حبك والشقاء لتنتهي | حتى يجازونك في مغار محصد |
أَلَمْ يَعْلَمُوا وقراءة العامة بالياء على الخبر، وقرأ السلمي بالتاء على الخطاب أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إلى قوله يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ، قال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون: عسى الله أن لا يفشي سرّنا فقال الله لنبيّه متهددا قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة الفاضحة والمثيرة والمبعثرة، أثارت مخازيهم ومثالبهم. قال الحسن: كان المسلمون يسمّون هذه السورة الحفّارة، حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته.
قال ابن كيسان نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا حلأها، ومعهم رجل مسلم يخفيهم شأنه وتنكروا له في ليلة مظلمة فأخبر جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما قدموا له، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، وعمار بن ياسر يقود برسول الله صلى الله عليه وسلّم وحذيفة يسوق به.
فقال لحذيفة: اضرب بها وجوه رواحلهم، فضربها حتى نحاهم، فلمّا نزل قال لحذيفة:
هل عرفت من القوم؟ قال: لم أعرف منهم أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّهم فلان وفلان حتى عدهم كلّهم، فقال حذيفة ألا تبعث إليهم فتقتلهم، قال: «أكره أن يقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيكم الله الدبيلة» قيل: يا رسول الله وما الدبيلة؟ قال: «شهاب من جهنم يوضع على نياط فؤاد أحدهم حتى تزهق نفسه فكان كذلك» [٢٥] «٢».
(٢) انظر القصّة في: تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٨٧، بتفاوت.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ الآية،
قال ابن عمر وقتادة وزيد بن أسلم ومحمد ابن كعب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل [قرائنا] هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، فقال له عوف بن مالك:
كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد ارتحل وركب ناقة فقال: يا رسول الله إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ونتحدث بحديث الركب يقطع به عنا الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم والحجارة تنكبه وهو ويقول: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلّم أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ فالتفت إليه وما يزيده عليه «١».
وقال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسير في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا أيظن هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات هيهات، فأطلع الله نبيّه على ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: احبسوا عليّ الركب، فدعاهم فقال لهم: قلتم كذا وكذا، فقالوا يا نبي الله إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وحلفوا على ذلك، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال مجاهد: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا وما يدريه ما الغيب، فأنزل الله هذه الآية
، وقال ابن كيسان: نزلت في وديعة بن ثابت وهو الذي قال هذه المقالة،
وقال الضحاك: نزلت في عبد الله بن أبي ورهطه كانوا يقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه ما لا ينبغي، فإذا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذلك قالوا: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قال الله عز وجل: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ.
لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بقولكم هذا بَعْدَ إِيمانِكُمْ إقراركم إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً قراءة العامة بضم الياء والتاء على غير تسمية الفاعل، وقرأ عاصم: إِنْ نَعْفُ بنون مفتوحة وفاء مضمومة، نُعَذِّبْ بالنون وكسر الذال طائِفَةٍ بالنصب، والطائفة في هذه الآية رجل يقال له مخشي بن حمير الأشجعي، أنكر عليهم بعد ما سمع ولم يمالئهم عليه وجعل يسير مجانبا لهم، فلمّا نزلت هذه الآية تاب من نفاقه وقال: اللهم إني لا أزال أسمع آية تقرأ اعنى بها، تقشعر منها الجلود وتجل وتجب «٢» فيها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحد: أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت، فأصيب يوم اليمامة فيمن قتل فما أحد من المسلمين الا وجدوه وعرف مصرعه غيره «٣».
(٢) كذا في تفسير ابن كثير وفي المصدر: تجل.
(٣) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٢٠، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٣٨٢.
وقيل: معناه إن يتب على طائفة منكم فيعفو الله عنهم ليعذب طائفة بترك التوبة بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أي شكل بعض وعلى دين بعض، يعني إنهم صنف واحد وعلى أمر واحد، ثم ذكر أمرهم فقال يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ بالكفر والمعصية وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ عن الإيمان والطاعة وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ يمسكونها ويكفّونها عن الصدقة والنفقة في الحق ولا يبسطونها بالخير، وأصله: إنّ المعطي يمد يده ويبسطها بالخير، فقيل: لمن بخل ومنع قد قبض يده، ومنه قوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ أي ممسكة عن النفقة.
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ تركوا طاعة الله فتركهم الله من توفيقه وهدايته في الدنيا ومن رحمته المنجية من عذابه وناره في العقبى إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ كافيتهم عذابا وجزاء على كفرهم وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ طردهم وأبعدهم من رحمته وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني فعلتم كفعل الذين كانوا من قبلكم ولعنتم وعذّبتم كما لعن الذين كانوا من قبلكم من كفار الأمم الخالية كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً بطشا ومنعة وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا وتمتعوا وانتفعوا بِخَلاقِهِمْ بنصيبهم من الدنيا ورضوا به عوضا من الآخرة.
قال أبو هريرة: الخلاق «١» : الدين فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ في الباطل والكذب على الله وتكذيب رسله والاستهزاء بالمؤمنين كَالَّذِي خاضُوا أراد كالذين خاضوا وذلك أن (الذي) اسم ناقص مثل (ما) و (من) يعبّر بها عن الواحد والجميع نظير قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ثم قال: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ «٢» قال الشاعر:
وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم | هم القوم كل القوم يا أم خالد «٣» |
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم: لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع، حتى لو أن أحد من ثمّ أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه، قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً الآية، قالوا: يا رسول الله كما صنعت
(٢) سورة البقرة: ١٧. [.....]
(٣) كتاب العين للفراهيدي: ٨/ ٢٠٩، والبيت للأشهب بن زميلة كما في هامش الصحابة للجوهري: ١/ ٣٣٥.