آيات من القرآن الكريم

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)
شرح الكلمات:
المنافقون: أي الذين يظهرون للمؤمنين الإيمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم.
بعضهم هن بعض١: أي متشابهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد.
بالمنكر: أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بالله ورسوله.
عن المعروف: أي ما عرفه الشرع نافعاً فأمر به من الإيمان والعمل الصالح.
يقبضون أيديهم: أي يمسكونها عن الإنفاق في سبيل الله.
نسوا الله فنسيهم: أي تركوا الله فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته.
عذاب مقيم: أي دائم لا يزول ولا يبيد.

١ ﴿بعضهم من بعض﴾ : أي: هم كالشيء الواحد في الخروج عن الدين، أو هم متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

صفحة رقم 392

بخلاقهم: أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا.
وخضتم: أي في الكذب والباطل.
والمؤتفكات: أي المنقلبات حيث صار عاليها سافلها وهي ثلاث مدن١.
بالبينات: الآيات الدالة على صدقهم في رسالاتهم إليهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في هتك استار المنافقين وبيان فضائحهم لعلهم يتوبون. قال تعالى ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض﴾ أي كأبعاض الشيء الواحد وذلك لأن أمرهم واحد لا يختلف بعضهم عن بعض في المعتقد والقول والعمل بيّن تعالى حالهم بقوله ﴿يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف﴾ وهذا دليل على انتكاسهم وفساد قلوبهم وعقولهم، إذ هذا عكس ما يأمر به العقلاء، والمراد من المنكر الذي يأمرون به هو الكفر والعصيان، والمعروف الذي ينهون عنه هو الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما. وقوله تعالى ﴿ويقبضون أيديهم﴾ كناية عن الإمساك وعدم البذل في الإنفاق في سبيل الله ٢. وقوله ﴿نسوا الله﴾ فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله ولم يطيعوا الله ورسوله ﴿فنسيهم﴾ الله بأن تركهم محرومين من كل هداية ورحمة ولطف. وقوله ﴿إن المنافقين هم الفاسقون﴾ نقرير لمعنى ﴿نسوا الله فنسيهم﴾، إذ كفرهم بالله وبرسوله هو الذي حرمهم هداية الله تعالى ففسقوا سائر أنواع الفسق فكانوا هم الفاسقين الجديرين بهذا الوصف وهو الفسق والتوغل فيه. وقوله تعالى في الآية (٦٨) ﴿وعد٣ الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم﴾ ٤ أي كافيهم ﴿ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم﴾ أي دائم لا يزول ولا يبيد ولا يفنى فقد حملت هذه الآية أشد وعيد لأهل النفاق والكفر إذ توعدهم الرب تعالى بنار جهنم خالدين فيها وبالعذاب المقيم الذي لا يبارحهم ولا يتركهم لحظة أبد الأبد وذلك بعد أن لعنهم الله فأبعدهم وأسحقهم من كل رحمة وخير. وفي الآية الثالثة (٦٩) يأمر

١ هي: سدوم، وعمورة، وأرمة، وكانت مدناً متتاخمة بعضها قريب من بعض.
٢ أي: وصفهم بالبخل والشح كما قال تعالى: ﴿أشحة على الخير﴾ كما أن امتناعهم عن الخروج إلى الجهاد يعتبر قبضاً لأيديهم.
٣ الأصل أن الوعد يكون في الخير والإيعاد يكون في الشر، وإطلاق الوعد على الوعيد كما هو هنا تهكم بهم.
٤ ﴿هي حسبهم﴾ مبتدأ وخبر ومعناه: أنها كافية ووفاء لجزاء أعمالهم.

صفحة رقم 393

تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بالله وآياته ورسوله؟ أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين كانوا من قبلكم في الاغترار بالمال والولد والكفر بالله والتكذيب لرسله حتى نزل بهم عذاب الله ومضت فيهم سنته في إهلاكهم هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى ﴿كالذين من قبلكم١ كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم﴾ أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا ﴿فأستمتعتم بخلاقكم﴾ أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا ﴿كما استمتع الذين من قبلكم﴾ أي سواء بسواء ﴿وخضتم﴾ في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب ﴿كالذي خاضوا٢﴾ أي كخوضهم سواء بسواء أولئك الهالكون ﴿حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة﴾ أي تلاشت وذهبت ولم ينتفعوا منها بشيء، ﴿وأولئك هم الخاسرون﴾. وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر والتكذيب والاغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين. وقوله تعالى في الآية الرابعة (٧٠) ﴿ألم يأتهم٣ نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم٤ رسلهم بالبينات﴾ أي الآيات الدالة على توحيد الله وصدق رسوله وسلامة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبينات فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب الله فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية، وثمود بالصاعقة، وقوم إبراهيم٥ بسلب النعم وحلول النقم، وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب الظلمة، والمؤتفكات٦ بالمطر والإئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلاث٧ أسافلها، وأسافلها أعاليها، وما ظلمهم الله تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وأنتم أيها المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لأنكم لم تعتبروا بما سبق.

١ الكاف: في محل نصب أي: وعدكم الله أيها المنافقون والمنافقات كما وعد الذين من قبلكم نار جهنم تخلدون فيها.
٢ الكاف: في محل نصب نعت لمصدر محذوف أي: وخضتم خوضاً كالذي خاضوا أي: في الباطل والشر والفساد. والذي بمعنى الجمع، ويحوز أن يكون الذين محذوف النون على لغةٍ هذيل قال شاعرهم:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
٣ الاستفهام للتقرير، والتحذير بمعنى: ألم يسمعوا بإهلاكنا الكفار من قبلهم؟
٤ أي بدلائل الحق والصدق، والجملة تعليلية.
٥ هم نمرود بن كنعان وقومه.
٦ قوم لوط عليه السلام.
٧ تقدمت أسماء هذه المدن قريباً.

صفحة رقم 394
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية