آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٠ الى ٥٩]

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤)
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ نصر وغنيمة تَسُؤْهُمْ [يعني] بهم المنافقين وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا عذرنا وأخذنا الجزم في القعود وترك الغزو مِنْ قَبْلُ من قبل هذه المصيبة.
قُلْ لهم يا محمد لَنْ يُصِيبَنا وفي مصحف عبد الله: قل هل يصيبنا، وبه قرأ طلحة ابن مصرف إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا في اللوح المحفوظ، ثم قضاه علينا هُوَ مَوْلانا وليّنا وناصرنا وحافظنا، وقال الكلبي: هو أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ تنتظرون بِنا أيها المنافقون إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ أما النصر والفتح مع الأجر الكبير، وأمّا القتل والشهادة وفيه الفوز الكبير.
أخبرنا أبو القاسم الحبيبي قال: حدّثنا جعفر بن محمد العدل، حدّثنا أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم العبدي، حدّثنا أبو بكر أمية بن بسطام، أخبرنا يزيد بن بزيع عن بكر بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يضمن الله لمن خرج في سبيله ألّا يخرج إيمانا بالله وتصديقا برسوله أن [يرزقه] الشهادة، أو يردّه إلى أهله مغفورا له مع ما نال من أجر وغنيمة.
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ إحدى الحسنيين أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ فيهلكهم الله كما أهلك الأمم الخالية. قال ابن عباس: يعني الصواعق، قال ابن جريج يعني الموت [والعقوبة] بالقتل بأيدينا كما أصاب الأمم الخالية من قبلنا فَتَرَبَّصُوا هلاكنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ وقال الحسن: فَتَرَبَّصُوا مواعيد الشيطان إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ مواعيد الله من إظهار دينه واستئصال من خالفه، وكان الشيطان يمنّي لهم بموت النبي (صلى الله عليه وسلّم).
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نزلت في منجد بن قيس حين استاذن النبي صلى الله عليه وسلّم في القعود عن الغزوة، وقال: هذا مالي أعينك به، وظاهر الآية أمر معناه خبر وجزاء تقديره: إن أنفقتم طوعا أو كرها فليس بمقبول منكم كقول الله عز وجل: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ الآية. قال الشاعر:

صفحة رقم 53

إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ منافقين وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ قرأ نافع وعاصم ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي: (أن يقبل) بالياء لنعتهم الفعل، الباقون بالتاء نَفَقاتُهُمْ صدقاتهم إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ الاولى في موضع نصب، و «أن» الثانية في محل رفع تقديره:
وما منعهم قبول نفقاتهم إلّا كفرهم وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى مستاؤون لأنهم لا يرجون بأدائها ثوابا، ولا يخافون بتركها عقابا وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ لأنهم يتخذونها مغرما ومنعها مغنما.
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ لأن العبد إذا كان من الله تعالى في استدراج [..........] «١» إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال مجاهد وقتادة والسدّي:
في الآية تقديم وتأخير تقديرها: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.
وقال الحسن: إنما يريد الله أن يعذبهم في الحياة الدنيا بالزكاة والنفقة في سبيل الله، وقال ابن زيد: بالمصائب فيها، وقيل التعب في جمعه، والوجل في حفظه وحبه. وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ أي تخرج وتذهب أنفسهم على الكفر: يقال: زهقت الخيول أي خرجت عن الحلبة، وزهق السهم إذا خرج عن الهدف، وزهق الباطل أي اضمحل، قال المبرّد: وفيه لغتان: زهق يزهق وزهيق يزهق.
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ على دينكم وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ يخافون لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً يعني حرزا وحصنا ومعقلا، وقال عطاء مهربا، وقال ابن كيسان: قوما يأمنون فيهم أَوْ مَغاراتٍ غيرانا في الجبال، وقال عطاء: سرادب، وقال الأخفش: كلّ ما غرت فيه فغبت فهو مغارة، وهي مفعلة من غار الرجل في الشيء يغور فيه إذا دخل، ومنه غار الماء وغارت العين إذا دخلت في الحدقة، ومنه غور تهامة، والغور: ما انخفض من الأرض، وقرأ عبد الرحمن بن عوف مُغارات بضم الميم جعله مفعلا من أغار يغير إذا أسرع ومعناه موضع فرارا، قال الشاعر:

أسيئي بنا أو أحسني لا ملامة لدينا ولا مقلية إن تفلت
فعدّ طلابها وتعدّ عنها بحرف قد تغير إذ تبوع «٢»
أَوْ مُدَّخَلًا موضع دخول، وهو مفتعل من تدخّل يتدخّل متدخّل، وقال مجاهد:
مُدَّخَلًا: محرزا. قتادة: سردابا، وقال الكلبي وابن زيد: نفقا كنفق اليربوع، وقال الضحاك:
مأوىّ يأوون إليه، وقال الحسن: وجها يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال ابن كيسان:
دخلا من مدخلا لا ينالهم منكم ما يخافون [منه] وقرأ الحسن: أَوْ مَدْخَلًا، مفتوحة الميم خفيفة
(١) كلام غير مقروء في المخطوط. [.....]
(٢) لسان العرب: ٥/ ٣٥.

صفحة رقم 54

الدال من دخل يدخل، وقرأ مسلمة بن محارب مُدْخَلًا بضم الميم وتخفيف الدال من دخل يدخل، وقرأه أبيّ مندخلا، منفعل من اندخل. كما قال:
فلا يدي في حميت السكن تندخل «١»
وقرأ الأعرج بتشديد الدال والخاء [............] «٢» جعله متّفعلا ثم أدغم التاء في الدال كالمزمّل والمدّثّر لَوَلَّوْا إِلَيْهِ لأدبروا إليه هربا منكم، وفي حرف أبي: لولّوا وجوههم إليه، وقرأ الأعمش والعقيلي: لوالوا إليه بالألف من الموالاة أي تابعوا وسارعوا.
وروى معاوية بن نوفل عن أبيه عن جده- وكانت له صحبة- لَوَلَوْا إِلَيْهِ بتخفيف اللام لأنها من التولية يقال: ولي إليه بنفسه إذا انصرف ولولّوا إليه من المولي وَهُمْ يَجْمَحُونَ يسرعون في الفرار [لا يردهم شيء]. قال الشاعر أبان بن ثعلب:

سبوحا جموحا وإحضارها كمعمعة السعف الموقد «٣»
وقيل: إن الجماح مشي بين مشيين وهو مثل [الصماح]. قال مهلهل:
لقد جمحت جماحا في دمائهم حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا «٤»
وقرأ الأعمش: وهم يجمزون أي يسرعون ويشدّون وَمِنْهُمْ يعني من المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ.
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقسم قسما- قال ابن عباس كانت غنائم هوازن يوم حنين- جاء ابن ذي الخريصر التميمي وهو حرقوص بن زهير اصل الخوارج فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك ومن يعدل أن لم أعدل.
فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: دعه فأن له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر فلا يوجد فيه شيء، وقد سبق الفرث والدم، أشبههم برجل أسود في إحدى يديه، أو قال: أحدى ثدييه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على فترة من الناس، وفي غير هذا الحديث: وإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا
(١) الصحاح: ٤/ ١٦٩٦.
(٢) كلام غير مقروء في الأصل.
(٣) لسان العرب: ٢/ ٤٢٧ وفيه: جموحا مروحا وإحضارها.
(٤) جامع البيان للطبري: ١٠/ ١٩٨.

صفحة رقم 55

فاقتلوهم، ثم إذا اخرجوا فاقتلوهم.
فنزل، وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ «١» أي يعيبك في أمرها، ويطعن عليك فيها يقال: هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. قال الشاعر:

إذا لقيتك عن شحط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة «٢»
وقال مجاهد: يهمزك: يطعنك، وقال عطاء: يغتابك، وقال الحسن والأعرج وأبو رجاء وسلام ويعقوب: يُلْمِزُكَ بضم الميم، وروى عوف بن كثير يَلْمِزْكَ بكسر الميم خفيفة فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ وقرأ [إياد بن لقيط] : ساخطون «٣». قال ابن زيد: هؤلاء المنافقون قالوا: والله لا يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثر بها إلّا هواه.
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ إلى قوله راغِبُونَ في أن يوسع علينا من فضله فيغنينا عن الصدقة وغيرها من أموال الناس، وقال ابن عباس: راغبون إليه فيما يعطينا من الثواب، ويصرف عنا من العقاب.
(١) مسند أحمد: ٣/ ٥٦.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٤٢٦.
(٣) راجع تفسير الدر المنثور: ٣/ ٢٤٠.

صفحة رقم 56
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية