
غاية وجر أي الى أن يتبين لك من صدق في عذره ممن كذب فيه ولك متعلقان بيتبين والذين فاعل وجملة صدقوا صلة وتعلم عطف على يتبين والكاذبين مفعول به.
الفوائد:
قصة والي حمص والدمشقي:
ونروي بصدد الجهاد والدعوة الى الاستنفار القصة الرائعة التالية ونكتفي بها لأن مباحث الجهاد والاستنفار مبسوطة في المطولات:
فعن صفوان بن عمر قال: كنت واليا على حمص فلقيت شيخا كبيرا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو فقلت:
يا عم لقد أعذر الله إليك فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا، إلا أن من يحبه الله يبتليه.
تكثير السواد وحفظ المتاع:
وعن الزهري: خرج سعيد بن المسيب الى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: انك عليل صاحب ضرر فقال: استنفرنا الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)

اللغة:
(وَلَأَوْضَعُوا) أي لسعوا بينكم بالنمائم وإفساد ذات البين، وأصل الإيضاع الإسراع.
الإعراب:
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الجملة استئنافية مسوقة لتقرير ما يستدل منه على أن المؤمنين ليس من عادتهم أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ويستأذنك فعل مضارع ومفعول به والذين فاعل وجملة يؤمنون صلة وبالله جار ومجرور متعلقان بيؤمنون واليوم الآخر معطوف على الله. (أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) أن وما في حيزها منصوب بنزع الخافض أي في الجهاد وهو متعلق بيستأذنك وبأموالهم جار ومجرور متعلقان بيجاهدوا وأنفسهم عطف على أموالهم والله مبتدأو عليم خبر وبالمتقين متعلقان بعليم.

(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إنما كافة ومكفوفة وما بعده تقدم إعرابه والمعنى إن الذين يستأذنون هم المترددون المتحيرون، أما المستبصرون المؤمنون فهم مستقرون على ما عزموا عليه وما هو واجب عليهم، وهذا من أرقى أفانين الأدب الواجبة الاحتذاء، فانه لا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدي إليه معروفا كما لا يليق بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه، فإن الاستئذان في هذا الموطن دليل التكلف، وخليق بذوي المروءة وأرباب الفتوة أن لا يتثاقلوا إذا ندبوا الى أمر جدير بالمروءة قال طرفة:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني | عنيت فلم أكسل ولم أتبلد |
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة | تلق السوابق منا والمصلينا |
(وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) عطف على لا يؤمنون وارتابت قلوبهم فعل وفاعل أي شكت في الدين، فهم الفاء عاطفة وهم مبتدأ وفي ريبهم جار ومجرور متعلقان بيترددون وجملة يترددون خبر.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) كلام معطوف أيضا ولك أن تجعله مستأنفا ولو شرطية وأرادوا الخروج فعل وفاعل ومفعول به واللام واقعة في جواب لو وأعدوا فعل وفاعل وله متعلقان بأعدوا وعدة مفعول به. (وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ) الواو عاطفة على محذوف كأنه صفحة رقم 107

قيل ما خرجوا ولكن كره الله انبعاثهم. (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) الفاء عاطفة وثبطهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به وقيل فعل ماض مبني للمجهول لأن القائل محتمل أن يكون عائدا الى الله ويحتمل أن يكون عائدا الى ما ركز في أنفسهم من الشقاء وسوء المصير واقعدوا فعل أمر وفاعل ومع ظرف متعلق باقعدوا والقاعدين مضاف إليه وسيرد في باب البلاغة سر قوله مع القاعدين. (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا) كلام مستأنف مسوق لتقرير المفاسد المترتبة على خروجهم وخرجوا فعل وفاعل وفيكم متعلقان بخرجوا وجملة ما زادوكم لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وزادوكم فعل وفاعل ومفعول به وإلا أداة حصر وخبالا مفعول به ثان والاستثناء هنا متصل لا منقطع لأن الاستثناء المنقطع هو أن بكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه كقولك: ما زادوكم خيرا إلا خبالا والمستثنى منه غير مذكور في الآية وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء فكان استثناء متصلا لأن الخبال بعض أعمّ العام كأنه قيل ما زادوكم شيئا إلا خبالا، والخبال الفساد والشر وذلك بتخذيل المؤمنين وإدخال الوهن في قلوبهم.
(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) ولأوضعوا معطوف على ما زادوكم واللام واقعة في جواب لو وخلالكم منصوب على الظرفية ومتعلق بأوضعوا أي سعوا بينكم بالنمائم والإغراء، وجملة يبغونكم حال من فاعل أوضعوا أي لأسرعوا فيما بينكم باغين فتنتكم، والفتنة مفعول يبغونكم والكاف منصوب بنزع الخافض أي يبغون لكم الفتنة.
(وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) الواو للحال وفيكم خبر مقدم وسماعون مبتدأ مؤخر ولهم متعلقان بسماعون والمعنى وفيكم عيون لهم يتجسسون عليكم وينقلون إليهم أخباركم ويكشفون لهم خططكم، والله مبتدأ وعليم خبر وبالظالمين متعلق بعليم.