آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ النَّسِيءُ: وَصْفٌ أَوْ مَصْدَرٌ مِنْ نَسَأَ
الشَّيْءَ يَنْسَؤُهُ وَمِنْسَأَةً إِذَا أَخَّرَهُ. وَيُقَالُ: أَنْسَأَهُ بِمَعْنَى نَسَأَهُ أَيْضًا. فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ، أَيِ: الشَّهْرُ الَّذِي أُنْسِئَ تَحْرِيمُهُ، وَالْمَصْدَرُ كَالْحَرِيقِ، وَالسَّعِيرِ بِمَعْنَى النَّسْءِ وَالْإِنْسَانُ نَفْسُهُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ وَرِثَتْ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِتَأْمِينِ الْحَجِّ وَطُرُقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا وَرِثُوا مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا فِي الْمَنَاسِكِ، وَفِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَا سِيَّمَا شَهْرُ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَرْكُ الْقِتَالِ وَشَنُّ الْغَارَاتِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةً، فَأَوَّلُ مَا بَدَّلُوا فِي ذَلِكَ إِحْلَالُ الشَّهْرِ الْمُحَرَّمِ بِالتَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَنْ يُنْسِئُوا تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ، لِتَبْقَى الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَرْبَعَةً كَمَا كَانَتْ، وَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلنَّصِّ وَلِحِكْمَةِ التَّحْرِيمِ مَعًا. وَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ نِظَامٌ مُتَّبَعٌ بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ يُسَمَّى الْقُلْمُسُ فِي أَيَّامِ مِنَى حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْحَجِيجُ الْعَامُّ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي لَا أُحَابِ
وَلَا أُعَابُ، وَلَا يُرَدُّ قَوْلِي. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي لَا يُرَدُّ لِي قَضَاءٌ. فَيَقُولُونَ: صَدَقْتَ فَأَخِّرْ عَنَّا حُرْمَةَ الْمُحَرَّمِ وَاجْعَلْهَا فِي صَفَرٍ، فَيُحِلُّ لَهُمُ الْمُحَرَّمَ، وَبِذَلِكَ يَجْعَلُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ حَلَالًا، ثُمَّ صَارُوا يَنْسِئُونَ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ وَيُسَمُّونَ النَّسِيءَ بِاسْمِ الْأَصْلِ فَتَتَغَيَّرُ أَسْمَاءُ الشُّهُورِ كُلُّهَا، وَأَمَّا قِتَالُهُمْ نَفْسُهُ فَقَدْ كَانَ كُلُّهُ حَرَامًا وَبَغْيًا وَعُدْوَانًا أَوْ ثَأْرًا.
وَفِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ لِلْبَلَاذُرِيِّ أَنَّ مِمَّنْ كَانَ يَنْسَأُ الشُّهُورَ لَهُمْ أَبُو ثُمَامَةَ الْقَلَمَّسُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَوْفٍ إِلَخْ. نَسَأَ الشُّهُورَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَذَكَرَ مَنْ نَسَأَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ خَثْعَمُ وَطَيِّئٌ لَا يُحَرِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ فَيُغِيرُونَ فِيهَا وَيُقَاتِلُونَ، فَكَانَ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ مِنَ النَّاسِئِينَ يَقُومُ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أُحَابِ وَلَا أُعَابُ وَلَا يُرَدُّ مَا قَضَيْتُ

صفحة رقم 361

بِهِ، وَإِنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ دِمَاءَ الْمُحَلِّلِينَ مِنْ طَيِّئٍ وَخَثْعَمَ فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إِذَا عَرَضُوا لَكُمْ. (قَالَ) وَأَنْشَدَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ لِبَعْضِ الْقَلَامِسِ

لَقَدْ عَلِمَتْ عُلْيَا كِنَانَةَ أَنَّنَا إِذَا الْغُصْنُ أَمْسَى مُورِقَ الْعُودِ أَخَضَرَا
أَعَزُّهُمْ سِرْبًا وَأَمْنَعُهُمْ حِمَى وَأَكْرَمُهُمْ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ عُنْصُرًا
وَأَنَّا أَرَيْنَاهُمْ مَنَاسِكَ دِينِهِمْ وَحُزْنًا لَهُمْ حَظًّا مِنَ الْخَيْرِ أَوْفَرَا
وَإِنَّ بِنَا يُسْتَقْبَلُ الْأَمْرُ مُقْبِلًا وَإِنْ نَحْنُ أَدْبَرْنَا عَنِ الْأَمْرِ أَدْبَرَا
وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلٍ الطَّعَّانِ:
لَقَدْ عَلِمَتْ مُعَدٌّ أَنَّ قَوْمِي كِرَامُ النَّاسِ إِنَّ لَهُمْ كِرَامًا
أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامًا
فَأَيُّ النَّاسِ لَمْ نُدْرِكْ بِوَتَرٍ؟ وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ نُعْلِكْ لِجَامًا؟
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّسِيءَ تَشْرِيعٌ دِينِيٌّ مُلْتَزَمٌ غَيَّرُوا بِهِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، فَلِهَذَا سَمَّاهُ اللهُ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ، أَيْ أَنَّهُ كُفْرٌ بِشَرْعِ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ كُفْرِهِمْ بِالشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى، فَإِنَّ شَرْعَ الْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ وَالْعِبَادَةِ حَقٌّ لَهُ وَحْدَهُ، فَمُنَازَعَتُهُ فِيهِ شِرْكُ رُبُوبِيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ، أَقْرَبُهَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا (٣١) وَأَنَّهُمْ يُضِلُّونَ بِهِ سَائِرَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَهُمْ فِيهِ، فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا بِهِ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ وَاطَئُوا فِيهِ عِدَّةَ مَا حَرَّمَهُ اللهُ مِنَ الشُّهُورِ فِي مِلَّتِهِ، وَإِنْ أَحَلُّوا مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مِنْ شَرْعِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا مُجَرَّدَ الْعَدَدِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِهَذَا مَنْ يَتَجَرَّءُونَ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ بِآرَائِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَطْعِيٍّ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ؟.
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ الْبَاطِلَةِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ الْعَدَدَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى لَمْ يَنْقُصُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَدْ أُسْنِدَ التَّزْيِينُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ لِظُهُورِ خَيْرِيَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَفِي بَعْضِهَا إِلَى الشَّيْطَانِ لِوُضُوحِ مَفْسَدَتِهِ، وَفِي بَعْضِهَا إِلَى الْمَفْعُولِ لِإِبْهَامِهِ، وَبَيَّنَّا مُنَاسَبَةَ كُلٍّ مِنْهَا لِلْمَوْضُوعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ إِلَى حُكْمِهِ فِي أَحْكَامِ شَرْعِهِ، وَبِنَائِهَا عَلَى مَصَالِحِ النَّاسِ، وَإِصْلَاحِ أَفْرَادِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْهِدَايَةَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ تَوَابِعِ الْإِيمَانِ وَآثَارِهِ كَمَا قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ (١٠: ٩)، وَأَمَّا الْكَافِرُونَ فَيَتَّبِعُونَ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ وَشَهَوَاتِهِمْ وَمَا يُزَيِّنُهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ وَهِيَ سَبَبُ الشَّقَاءِ وَدُخُولِ النَّارِ.

صفحة رقم 362

رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ: السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ " قَالَ هَذَا فِي مِنًى عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَلَهُ أَلْفَاظٌ أُخْرَى بِزِيَادَةٍ عَمَّا هُنَا. وَالْمُرَادُ مِنِ اسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ عَوْدَةُ حِسَابِ الشُّهُورِ
إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ نِظَامِ الْخَلْقِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ عِنْدَ الْعَرَبِ بِسَبَبِ النَّسِئِ فِي الْأَشْهُرِ.
قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْحَاءَ، مِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُحَرَّمَ صَفَرًا فَيُحِلُّ فِيهِ الْقِتَالَ، وَيُحَرِّمُ الْقِتَالَ فِي صَفَرٍ وَيُسَمِّيهِ الْمُحَرَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْعَلُ سَنَةً هَكَذَا وَسَنَةً هَكَذَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ سَنَتَيْنِ هَكَذَا وَسَنَتَيْنِ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ صَفَرًا إِلَى رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَرَبِيعًا إِلَى مَا يَلِيهِ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَصِيرَ شَوَّالٌ ذَا الْقِعْدَةِ، وَذُو الْقِعْدَةِ ذَا الْحِجَّةِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيُعِيدُ الْعَدَدَ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. وَذُكِرَ عَنِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ السَّنَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ ١٢ شَهْرًا و٢٥ يَوْمًا، فَالْمُرَادُ مِنِ اسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ إِذًا أَنَّ الْحَجَّ قَدْ وَقَعَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي هُوَ شَهْرُهُ الْأَصْلِيُّ بِمَا كَانَ مِنْ تَنَقُّلِ الْأَشْهُرِ بِالنَّسِيءِ. وَنُقِلَ عَنِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَالِفُونَ بَيْنَ أَشْهُرِ السَّنَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَسْبَابٍ تَعْرِضُ لَهُمْ، مِنْهَا اسْتِعْجَالُ الْحَرْبِ، فَيَسْتَحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ثُمَّ يُحَرِّمُونَ بَدَلَهُ شَهْرًا غَيْرَهُ، فَتَتَحَوَّلُ فِي ذَلِكَ شُهُورُ السَّنَةِ وَتَتَبَدَّلُ، فَإِذَا أَتَى عَلَى ذَلِكَ عِدَّةٌ مِنَ السِّنِينَ اسْتَدَارَ الزَّمَانُ، وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى أَصْلِهِ فَاتَّفَقَ وُقُوعُ حَجَّةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ لِأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالزَّمَانِ السَّنَةُ، وَقَوْلُهُ " كَهَيْئَتِهِ " أَيِ: اسْتَدَارَ اسْتِدَارَةً مِثْلَ حَالَتِهِ، وَلَفْظُ الزَّمَانِ يُطْلَقُ عَلَى قَلِيلِ الْوَقْتِ وَكَثِيرِهِ. وَالْمُرَادُ بِاسْتِدَارَتِهِ وُقُوعُ تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَلِ حَيْثُ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ اهـ.
وَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّ حِكْمَتَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى تَجْدِيدِ اللهِ تَعَالَى لِدِينِهِ وَإِكْمَالِ هِدَايَتِهِ كَمَا تَجَدَّدَ عُمُرُ الزَّمَانِ بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الَّذِي تَحْيَا فِيهِ الْأَرْضُ بِالنَّبَاتِ، فَاسْتِدَارَةُ الزَّمَانِ حِسَابِيَّةٌ وَطَبِيعِيَّةٌ وَدِينِيَّةٌ، وَإِنَّنِي مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْعُرُ بِأَنَّ لَهُ مَعْنًى غَيْرَ الْحِسَابِ الزَّمَنِيِّ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ قَوْلَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي اسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ، ثُمَّ قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّ حَجَّةَ الصِّدِّيقِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ. وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ

صفحة رقم 363
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية