آيات من القرآن الكريم

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ

إلا الله. ومعناه: لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين، لأن أهل الكتاب كانوا يقرون بالله، ولكنهم قالوا: لله ولد، وأقروا بالبعث، ولكنهم لا يقرون لأهل الجنة بالنعمة، ولأنهم لا يقرون بالأكل والشرب والجماع ولا يقرّون كما أعلم الله تعالى فليسوا يدينون بدين الحق، يعني: دين الإسلام ويقال: دين الله تعالى، لأن الله تعالى هو الحق، فأمر الله تعالى بقتلهم إلا أن يعطوا الجزية. وهو قوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ قال بعضهم: عن قهر وذلّ، كما تقول: اليد في هذا لفلان، يعني: الأمر النافذ لفلان. ويقال: عَنْ يَدٍ، يعني: عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية وترك أنفسهم يد ونعمة عليهم. ويقال: عن اعتراف للمسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم. ويقال: عَنْ يَدٍ يعني: عن قيام، يمشون بها صاغرين، تؤخذ من أيديهم. وقال الأخفش: يعني: كرهاً. وَهُمْ صاغِرُونَ، يعني: ذليلين.
قال الفقيه: قتال الكفار على ثلاثة أنواع: في وجه: يقاتلون حتى يسلموا ولا يقبل منهم إلا الإسلام، وهم مشركو العرب والمرتدون من الأعراب أو من غيرهم. وفي وجه: يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وهم اليهود والنصارى والمجوس. فأما اليهود والنصارى فبهذه الآية، وأما المجوس فبالخبر، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ» «١» وفي الوجه الثالث: اختلفوا فيه، وهم المشركون من غير العرب وغير أهل الكتاب، مثل الترك والهند ونحو ذلك، في قول الشافعي: لا يجوز أخذ الجزية منهم، وفي قول أبي حنيفة وأصحابه: يجوز أخذ الجزية منهم، كما يجوز من المجوس، لأنهم من غير العرب.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)
قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. قرأ عاصم والكسائي عُزَيْرٌ بالتنوين، وقرأ الباقون بغير تنوين فمن قرأ بالتنوين، فلأنّ الابن خبر، وليس بنسبة، ومن قرأ بغير تنوين فلالتقاء الساكنين، كما قرأ بعضهم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: ١] بغير تنوين. فلا اختلاف بين النحويين: أن إثبات التنوين أجود من طريق أهل اللغة. وإنما قالت اليهود ذلك، لأنه لما خرّب بخت نصّر بيت المقدس وأحرق التوراة، حزنوا على ذهاب التوراة، فأملاها عليهم عزير صلوات الله عليه عن ظهر قلبه، فتعلموها وفي أنفسهم منها شيء مخافة أن يكون قد

(١) عزاه السيوطي: ٤/ ١٦٩ إلى مالك والشافعي وأبي عبيد في الأموال وابن أبي شيبة عن عمر، عن عبد الرحمن بن عوف.

صفحة رقم 52

زاد فيها أو نقص منها شيئاً. فبينما هم كذلك، إذ وقعوا على خوابي مدفونة في قرية فيها التوراة، فعارضوا بها ما كتبوا من عزير، فلم يزد شيئاً ولم ينقص حرفاً، فقالوا عند ذلك: ما علم عزير هذا، إلا وهو ابن الله.
وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وإنما قالوا ذلك، لأن المسيح كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى، فقالوا: لم يكن يفعل هذا إلا وهو ابن الله. ويقال:
إنّ الإفراط في كل شيء مذموم، لأن النصارى أفرطوا في حب عيسى عليه السلام وقالوا فيه ما قالوا حتى كفروا بسبب ذلك. واليهود أفرطوا بحب عزير، وقالوا فيه ما قالوا حتى كفروا، كما أفرطت الروافض في حب عليّ حتى أبغضوا غيره. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوما».
ثم قال تعالى: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ، يعني: ذلِكَ كذبهم بألسنتهم، ويقال: معناه يقولون بأفواههم قولاً بلا فائدة، ولا برهان، ولا معنى صحيح تحته.
ثم قال: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: يوافقون قول الذين كَفَرُواْ مِنْ قَبْلُ، حين قالوا: الملائكة بنات الله. وقال قتادة: يشبهون قول الذين كفروا، يعني: قول اليهود موافق قول النصارى، وقول النصارى يوافق قول اليهود. ويقال: يتشابهون في قولهم هذا من تقدم من كفر منهم، يعني: إنما قالوا اتباعاً لهم، بدليل قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ. قرأ عاصم يضاهئون بكسر الهاء مع الهمزة، وهي لغة لبعض العرب وقرأ الباقون بالسكون بغير همزة، وهي اللغة المعروفة. وقال القتبي: يُضاهِؤُنَ يعني: يشبهون، قول من كان في عصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اليهود والنصارى، قول أوليهم الذين كانوا قبلهم.
ثم قال تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ، يعني: لعنهم الله. أَنَّى يُؤْفَكُونَ، يعني: من أين يكذبون بتوحيد الله تعالى. ثم قال: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ، يعني: أهل الصوامع والمتعبدين منهم. أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: اتخذوهم كالأرباب يطيعونهم في معاصي الله.
قال الفقيه الزاهد: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا إسحاق بن عبد الرحمن القاري قال:
حدثنا محمد بن عيسى قال: حدّثنا الحسن بن يزيد الكوفي، عن عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعيد، عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ من سورة براءة اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، ولكن كَانُوا إذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئاً اسْتَحَلُّوا، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئَاً حرّموا» «١».

(١) عزاه السيوطي ٤/ ١٧٤ إلى ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في سننه.

صفحة رقم 53
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية