
أقول المحبة الخالصة باب عظيم لا يفتح الا لاهل القلب السليم وتأثيرها غريب وأمرها عجيب نسأل الله تعالى سبحانه ان يجعلنا من الذين آثروا حب الله وحب رسوله على حب ما سواهما آمين لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ اى بالله قد أعانكم يا اصحاب محمد على عدوكم وأعلاكم عليهم مع ضعفكم وقلة عددكم وعددكم فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ من الحروب وهى مواقعها ومقاماتها. جمع موطن وهو كل موضع اقام به الإنسان لأمر والمراد بها واقعات بدر والأحزاب وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على محل فى مواطن بحذف المضاف فى أحدهما اى وموطن يوم حنين ليكون من عطف المكان على المكان او فى ايام مواطن كثيرة ويوم حنين ليكون من عطف الزمان على الزمان وأضيف اليوم الى حنين لوقوع الحرب يومئذ بها فيوم حنين هى غزوة حنين ويقال لها غزوة هوازن ويقال لها غزوة أوطاس باسم الموضع الذي كانت به الواقعة فى آخر الأمر وحنين واد بين مكة والطائف إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [چون بشگفت آورد شما را] اى سرتكم كثرة عددكم ووفور عددكم والاعجاب هو السرور بالتعجب رهو بدل من يوم حنين وكانت الواقعة فى حنين بين المسلمين وهم اثنا عشر الفا عشرة آلاف منهم ممن شهد فتح مكة من المهاجرين والأنصار والفان من الطلقاء وهم اهل مكة سموا بذلك لانه عليه السلام اطلقهم يوم فتح مكة عنوة ولم يقيدهم بالاسار وبين هوازن وثقيف وكانوا اربعة آلاف سوى الجم الغفير من امداد سائر العرب- روى- انه عليه السلام فتح مكة فى اواخر رمضان وقد بقيت منه ثلاثة ايام وقيل فتحها لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان ومكث فيها الى ان دخل شوال فغدا يوم السبت السادس منه خارجا الى غزوة حنين واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلى بهم ومعاذبن جبل يعلمهم السنن والفقه وحين فتحت مكة أطاعه عليه الصلاة والسلام قبائل العرب الا هوازن ونقيفا فان أهلهما كانوا طغاة مردة فخافوا ان يغزوهم رسول الله ﷺ وظنوا انه عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فثقل ذلك عليهم فحشدوا وبغوا وقالوا ان محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فاجمعوا أمرهم على ذلك فاخرجوا معهم أموالهم ونساءهم وأبناءهم وراءهم فحملوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال ثم جاؤا بالإبل والغنم والذراري وراء ذلك كى يقاتل كل منهم عن اهله وماله ولا يفر أحد بزعمهم فساروا كذلك حتى نزلوا باوطاس وقد كان عليه السلام بعث إليهم عينا ليتجسس عن حالهم وهو عبد الله بن ابى حدر من بنى سليم فوصل إليهم فسمع مالك بن عوف امير هوازن يقول لاصحابه أنتم اليوم اربعة آلاف رجل فاذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيوفكم فو الله لا تضربون باربعة آلاف سيف شيأ الا فرج فاقبل العين الى النبي عليه السلام فاخبره بما سمع من مقالتهم فقال سلمة ابن سلامة الوقسى الأنصاري يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة معناه بالفارسية [ما امروز از قلت لشكر مغلوب نخواهم شد] فساءت رسول الله كلمته وقيل ان هذه الكلمة قالها أبو بكر رضى الله عنه وقيل قالها رسول الله ﷺ قال الامام صاحب التفسير الكبير وهو بعيد لانه عليه السلام كان فى اكثر الأحوال متوكلا على الله منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها
صفحة رقم 405
قال ابن الشيخ فى حواشيه الظاهر ان القول بها لا ينافى التوكل على الله ولا يستلزم الاعتماد على الأسباب الظاهرة فان قوله لن نغلب اليوم من قلة نفى للقلة وإعجاب بالكثرة. والمعنى ان وقعت مغلوبية فلامر آخر غير القلة فركب ﷺ بغلته دلدل ولبس درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ووضع الالوية والرايات مع المهاجرين والأنصار فلما كان بحنين وانحدروا فى الوادي وذلك عند غبش الصبح يوم الثلاثاء خرج عليهم القوم وكانوا كمنوالهم فى شعاب الوادي ومضايقه وكانوا رماة فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا الذراري فاكب المسلمون فتنادى المشركون يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وحملوا عليهم فادركت المسلمين كلمة الاعجاب اى لحقهم شؤم كلمة الاعجاب فانكشفوا ولم يقوموا لهم مقدار حلب شاة وذلك قوله تعالى فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [پس
دفع نكرد از شما آن كثرت شما] والإغناء إعطاء ما تدفع به الحاجة اى لم تعطكم تلك الكثرة مما تدفعون به حاجتكم شيأ من الإغناء وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ اى رحبها وسعتها على ان ما مصدرية والباء بمعنى مع اى لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه: قال الشاعر
كان بلاد الله وهى عريضة... على الخائف المطلوب كفة حابل
اى حبالة صيد ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم مُدْبِرِينَ اى منهزمين لا تلوون على أحد يقال ولى هاربا اى أدبر. فالادبار الذهاب الى خلف خلاف الإقبال- روى- انه بلغ فلهم اى منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من اهل مكة وأظهروا الشماتة حتى قال أخو صفوان ابن امية لامه ألا قد أبطل الله السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك اى أسقط اسنانك والله لان يربنى من الربوبية اى يملكنى ويدبر امرى رجل من قريش أحب الى من ان يربنى رجل من هوازن ولما انهزموا بقي رسول الله ﷺ وحده وليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه ابو سفيان بن حرب بن عبد المطلب أخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول
انا النبي لا كذب... انا ابن عبد المطلب
وهذا ليس بشعر لانه لم يقع عن قصد وانما قال انا ابن عبد المطلب ولم يقل انا ابن عبد الله لان العرب كانت تنسبه ﷺ الى حده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله فى حياته فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية وقال الخطابي انه عليه السلام انما قال انا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رأها عبد المطلب ايام حباته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهى احدى دلائل نبوته عليه السلام وقصة الرؤيا على ما فى عقد الدرر واللآلى ان عبد المطلب جد النبي عليه السلام بينا هو مائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فاتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة أطراف طرف قد بلغ مشارق الأرض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نور فبينا انا كذلك قام علىّ شيخان فقلت لاحدهما من أنت قال

وعن قتادة قال سألت انساكم اعتمر النبي عليه السلام قال أربعا. عمرة الحديبية فى ذى القعدة حيث صده المشركون. وعمرة من العام القابل حيث صالحهم. وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراها حنين قلت كم حج قال واحدة ومعناه بعد الهجرة الى المدينة فانه ﷺ قد حج قبلها كما فى عقد الدرر واللآلى وكذا قال صاحب الروضة وفى السنة التاسعة حج أبو بكر رضى الله عنه بالناس. وفى العاشرة كانت حجة الوداع ولم يحج النبي عليه السلام بعد الهجرة سواها وحج قبل النبوة وبعدها حجات لم يتفق على عددها واعتمر بعد الهجرة اربع عمر وفى هذه السنة مات ابراهيم ابن النبي عليه السلام. وفى الحادية عشرة فاته ﷺ انتهى اللهم اختم لنا بالخير واجعل لنا فى رياض انسك مبوأ ومنزلا وفى حظائر قدسك مستقرا ومقاما وموئلا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ النجس بفتحتين مصدر بمعنى النجاسة وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة يجب الاجتناب عنهم والتبري منهم وقطع مودتهم قال الحدادي سمى المشرك نجسا لان الشرك يجرى مجرى القذر فى انه يجب تجنبه كما يجب تجنب النجاسات او لانهم لا يتطهرون من الجنابة والحدث ولا يجتنبون عن النجاسة الحقيقية فهم ملابسون لها غالبا فحكم عليهم بانهم نجس بمعنى ذوى نجاسة. حكمية وحقيقية فى أعضائهم الظاهرة او انهم نجس بمعنى ذوى نجاسة فى باطنهم حيث تنجسوا بالشرك والاعتقاد الباطل. فعلى هذا يحتمل ان يكون نجس صفة مشبهة كحسن فيجوز ترك تقدير المضاف فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفاء سببية اى فلا يقربوه بسبب انهم عين النجاسة فضلا عن ان يدخلوه فان نهيهم عن اقترابه للمبالغة فى نهيهم عن دخوله قال فى التبيان اى لا يدخلوا الحرم كله وحدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على تسعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال انتهى بَعْدَ عامِهِمْ هذا وهو السنة التاسعة من الهجرة التي حج فيها أبو بكر رضى الله عنه أميرا وكانت حجة الوداع فى السنة العاشرة هو الظاهر الذي عليه الامام الشافعي واما على مذهب الامام الأعظم فالمراد من الآية المنع من الدخول حاجا او معتمرا فالمعنى لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام ويدل عليه قول على رضى الله عنه حين نادى ببراءة ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك فلا يمنع المشرك عنده من دخول الحرم والمسجد الحرام وساتر المساجد قال فى الأشباه فى احكام الذمي ولا يمنع من دخول المسجد جنبا بخلاف المسلم ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام. ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد دون الجنب الكافر ان ما هو عليه الكافر من الشرك او الخبث القلبي والجنابة المعنوية أعظم من حدثه الصوري فلا فائدة فى منعه نعم إذا كان عليه نجاسة حقيقية يمنع لانا مأمورون بتطهير المساجد عن القاذورات ولذا قالوا بحرمة إدخال الصبيان والمجانين فى المساجد حيث غلب تنجيسهم وإلا فيكره كما فى الأشباه هذا فلما منعوا من قربان المسجد الحرام. قال أناس من تجار بكر بن وائل وغيرهم من المشركين بعد قراءة على هذه الآية ستعلمون يا اهل
صفحة رقم 410
مكة إذا فعلتم هذا ماذا تلقون من الشدة ومن اين تأكلون اما والله لنقطعن سبلكم ولا نحمل إليكم شيأ فوقع ذلك فى انفس اهل مكة وشق عليهم والقى الشيطان فى قلوب المسلمين الحزن وقال لهم من اين تعيشون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم الميرة فقال المسلمون قد كنا نصيب من تجاراتهم فالآن تنقطع عنا الأسواق والتجارات ويذهب عنا الذي كنا نصيبه فيها فانزل الله تعالى قوله وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً اى فقرا بسبب منعهم من الحج وانقطاع ما كانوا يجلبونه إليكم من الأرزاق والمكاسب فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من عطائه او من تفضله بوجه آخر وقد أنجز وعده بان أرسل السماء عليكم مدرارا اكثر من خيرهم وميرهم ووفق اهل تبالة وجرش واسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض إِنْ شاءَ ان
يغنيكم قيده بالمشيئة مع ان التقييد بها ينافى ما هو المقصود من الآية وهو ازالة خوفهم من العيلة لفوائد الفائدة الاولى ان لا يتعلق القلب بتحقق الموعود بل يتعلق بكرم من وعد به ويتضرع اليه فى نيل جميع المهمات ودفع جميع الآفات والبليات والثانية التنبيه على ان الإغناء الموعود ليس يجب على الله تعالى بل هو متفضل فى ذلك لا يتفضل به الا عن مشيئته وإرادته والثالثة التنبيه على ان الموعود ليس بموعود بالنسبة الى جميع الاشخاص ولا بالنسبة الى جميع الامكنة والأزمان إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بمصالحكم حَكِيمٌ فيما يعطى ويمنع قال الكاشفى [حكم كننده است بتحقيق آمال ايشان اگر درى در بندد ديگرى بگشايد]
كمان مدار اگر ضايعم تو بگذارى... كه ضايعم نگذارد مسبب الأسباب
براى من در احسان اگر تو در بندى... درى دگر بگشايد مفتح الأبواب
- روى- عن الشيخ ابى يعقوب البصري رضى الله عنه قال جعت مرة فى الحرم عشرة ايام فوجد ضعفا فحدثتنى نفسى ان اخرج الى الوادي لعلى أجد شيأ ليسكن به ضعفى فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فاخذتها فوجدت فى قلبى منها وحشة وكأن قائلا يقول لى جعت عشرة ايام فآخرها يكون حظك سلحمة مطروحة متغيرة فرميت بها فدخلت المسجد فقعدت فاذا برجل جاء فجلس بين يدى ووضع قمطرة وقال هذه لك قلت كيف خصصتنى بها فقال اعلم انا كنا فى البحر منذ عشرة ايام فاشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذرا ان خلصنا الله ان يتصدق بشىء ونذرت انا ان خلصنى الله ان أتصدق بهذه على أول من يقع عليه بصرى من المجاورين وأنت أول من لقيته قلت افتحها فاذا فيها كعك سميذ ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضه من ذا وقلت رد الباقي الى صبيانك هدية منى إليهم وقد قبلتها ثم قلت فى نفسى رزقك يسير إليك مند
عشرة ايام وأنت تطلبه من الوادي... قال الصائب
فكر آب ودانه در كنج قفس بي حاصلست... زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مرا
وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى قد رفع قلم التكليف عن الإنسان الى ان يبلغ استكمال القالب ففى تلك المدة كانت النفس وصفاتها يطفن حول كعبة القلب مستمدة من القوى